q

تثار مجموعة من التساؤلات بعد قرار ان قطعت معظم دول الخليج ومعها مصر علاقاتها التجارية والاقتصادية مع قطر، في ماهو حجم الخسائر التي ستتكبدها قطر وماهو مدى تحمل اقتصادها لهكذا أزمة، اذ أسفرت القطيعة هذه عن جملة من الاثار تمثلت في انحسار سوق الأسهم القطرية بعدما قطعت السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين العلاقات مع الدوحة متهمين إياها بدعم "الإرهاب"، ونزل مؤشر البورصة القطرية 7.6 بالمئة في الساعة الأولى من التعاملات. وكانت بعض الأسهم القيادية في السوق هي الأكثر تضررا حيث هوى سهم فودافون قطر الأكثر تداولا بالحد الأقصي المسموح به يوميا والبالغ عشرة بالمئة، كما هبط سهم بنك قطر الوطني، أكبر مصرف في البلاد، 5.7 بالمئة، وأعلنت السعودية والإمارات والبحرين واليمن تعليق حركة الانتقال الجوي والبحري والبري مع قطر وأمهلوا الزائرين والمقيمين القطريين أسبوعين لمغادرة حدودهم.

وتبدو قطر على الأرجح قادرة على تجنب أزمة اقتصادية خانفة حيث يقدر حجم الأصول في صندوق الثروة السيادي بها بنحو 335 مليار دولار ولديها فائض تجاري بلغ 2.7 مليار دولار في أبريل نيسان وحده بالإضافة إلى منشآت موانئ واسعة يمكنها أن تستخدمها بدلا من حدودها البرية مع السعودية والتي أغلقت، وحجم تجارة البضائع بين دول مجلس التعاون الخليجي الست قليل إذ تعتمد عوضا عن ذلك على واردات من خارج المنطقة ومن المتوقع استمرار شحنات الغاز الطبيعي المسال القطري بشكل طبيعي، وبحسب بيانات البورصة، تشكل السعودية ودول الخليج الأخرى على ما جرت العادة عليه ما بين خمسة وعشرة بالمئة فقط من التعاملات اليومية في بورصة قطر، لكن الخلاف الدبلوماسي قد يكون له أثر خطير على بعض صفقات التجارة والشركات في المنطقة وبخاصة الخطوط الجوية القطرية التي لم بعد بإمكانها تسيير رحلات إلى بعض الأسواق الكبرى في الشرق الأوسط.

ودعت السعودية الشركات العالمية إلى تجنب قطر مما يثير تكهنات بأنها قد تحاول أن تخير الشركات الأجنبية بين تنفيذ أنشطة في قطر والحصول على إمكانية الدخول إلى الاقتصاد السعودي الأكبر، وذكر طلال طوقان، رئيس بحوث الأسهم لدى الرمز للأوراق المالية، إن من غير الواضح إلى أي مدى سيستمر الخلاف وإن الأسواق قد تتعافى بسرعة إذا هدأت التوترات، وأضاف "هذا رد فعل على الجلبة السياسية التي لها أثر مباشر على التقلبات. قد يكون ذلك قصير الأجل وقد يزول بالكامل إذا بدأ الموقف السياسي يهدأ"، وهذا وقد هبطت أسواق خليجية أخرى حيث نزلت بورصة دبي 0.8 بالمئة بينما خسرت السوق السعودية 0.2 بالمئة.

واردات الغذاء القطرية تتضرر من قطيعة عربية

تذكر مصادر تجارية إن قرار بعض الدول العربية الأكثر نفوذا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر ألحق ضررا بالفعل بواردات الغذاء للدولة الخليجية الصغيرة حيث ذكرت تقارير أن القطريين بدأوا في تخزين إمدادات، وتعتمد قطر، التي يبلغ عدد سكانها 2.5 مليون نسمة، بشكل كبير على استيراد السلع الغذائية لتلبية حاجاتها، وبينت المصادر التجارية، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن دولة الإمارات العربية والسعودية أوقفتا تصدير السكر الأبيض إلى قطر، وتعتمد قطر على السعودية والإمارات في وارداتها من السكر الأبيض التي تقدر بأقل من 100 ألف طن سنويا. ويزيد الاستهلاك في شهر رمضان، وظهرت بالفعل علامات على صعوبات. وأشار مصدران تجاريان شرق أوسطيان إلى آلاف من الشاحنات تحمل مواد غذائية عالقة عند الحدود مع السعودية ولا تستطيع العبور إلى قطر.

وأشارت مصادر تجارية إلى احتمال تنامي حدوث نقص في الغذاء حتى يتم حل الأزمة. وتأتي 80 في المئة من احتياجات قطر الغذائية عبر جيرانها الخليجيين الأكبر حجما مثل السعودية ودولة الإمارات، وأخطرت سلطات الموانئ السعودية وكلاء السفن بعدم استقبال السفن التي ترفع العلم القطري أو المملوكة لأفراد قطريين أو شركات قطرية، وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تحرك مماثل من ميناء الفجيرة الإماراتي الذي أصدر إخطارا بمنع دخول جميع السفن التي ترفع علم قطر أو تلك المتجهة أو قادمة من موانئ قطرية.

وذكرت مصادر تجارية أن من الممكن أن تتطلع قطر إلى مصادر أخرى للغذاء من آسيا ومن إيران أيضا إذا لم تُحل الأزمة الدبلوماسية، ونقلت مصادر ايرانية عن رضا نوراني رئيس اتحاد مصدري المنتجات الزراعية في إيران إن طهران يمكنها تصدير أغذية إلى قطر عن طريق البحر حيث يمكن أن تصل هناك في 12 ساعة، اذ بالأمكان تصدير أي نوع من المنتجات الزراعية والأغذية من الموانئ الإيرانية بندر عباس وبندر لنكه وبوشهر، ومن المتوقع أن يكون قطاع الصادرات هو الاكثر تضررا في الاقتصاد القطري، وهي تشمل الالات والاجهزة الالكترونية والماشية التي تنقل برا إلى السعودية، وطبقا للأمم المتحدة فإن قيمة الصادرات القطرية إلى السعودية بلغت 896 مليون دولار في 2015، كما أن قطع العلاقات يضر بقطاع الخدمات الذي يشمل الفنادق وسائقي سيارات الاجرة في الدوحة.

خلاف قطر ودول عربية يثير القلق بسوق الغاز المسال

قطعت السعودية وحلفاء مهمون لها العلاقات مع قطر، أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهو ما أذكى المخاوف من تعطيلات في إمدادات الغاز المسال إلى دول مجاورة ربما تمتد إلى أسواق الغاز العالمية، وذكرت السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر، المعتمدتين بشكل كبير على استيراد الغاز القطري عبر خط أنابيب وفي صورة غاز مسال، والبحرين إنها قررت قطع جميع العلاقات بما في ذلك خطوط النقل مع قطر في تصعيد لخلافات دبلوماسية سابقة، وفي حين أدى الخلاف إلى ارتفاع أسعار النفط، فإن تجار الغاز الطبيعي المسال يتخذون نهج الترقب والانتظار ويتوخون الحذر من تعطل محتمل في تدفقات الطاقة الإقليمية، وسرعان ما تلقى كبار عملاء قطر في اليابان والهند تطمينات بأن الإمدادات ستستمر كالمعتاد.

وبدأ التجار، الذين لا يزالوا مصدومين من التطورات الأخيرة، بوضع خطط للتعامل مع جميع الاحتمالات وبصفة خاصة أي اضطراب في إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب الواصل بين قطر والإمارات، حيث ذكرت مصادر بقطاع النفط والغاز وتجار إن الإمارات تستهلك 1.8 مليون قدم مكعبة يوميا من الغاز القطري عبر خط الأنابيب دولفين ولديها أيضا اتفاقات لشراء الغاز المسال من الدوحة وهو ما قد يعرضها لخطر مواجهة إجراءات مضادة، ولم تتأثر حتى الآن التدفقات عبر خط دولفين لكن التجار يقولون إن إغلاقا ولو جزئيا سيمتد تأثيره إلى أسواق الغاز العالمية حيث سيدفع الإمارات للبحث عن بديل من إمدادات الغاز الطبيعي في وقت يبلغ فيه الطلب المحلي ذروته.

وفي ظل أجواء انخفاض الأسعار بأسواق الغاز المسال العالمية وضعف الطلب، فإن الإمارات يمكنها التكيف مع توقف تسليمات الغاز الطبيعي المسال القطري الشهرية لمرتين أو ثلاث مرات من خلال اللجوء إلى الأسواق العالمية لكن تدفقات خط دولفين من الضخامة بحيث يصعب استبدالها بالكامل، أما مصر، التي تعتمد بكثافة على مشتريات الغاز الطبيعي المسال القطري من خلال شركات سويسرية لتجارة السلع الأولية، أقل انكشافا من الإمارات لأنه ليس لديها صفقات مباشرة مع قطر ولأن إنتاجها المحلي يقلص حاجتها للاستيراد لكن التجار سيتحملون تبعات أي تحرك من قطر لتقييد الصادرات.

وانتهت مصر بالفعل من نصف برنامج تسليمات الغاز المسال للعام الحالي حيث لا تزال تنتظر وصول 50 شحنة من بينها عشر شحنات على الأقل ذات منشأ قطري حسبما قاله مصدر في قطاع الطاقة في القاهرة، وستتيح إجراءات مضادة مثل وقف إمدادات الغاز المسال الحرية لقطر في بيع مزيد من الكميات في أوروبا حيث ترسل شحنات إلى عدة مرافئ استيراد، ويتناقض تدهور العلاقات بين قطر ومصر مع ما كان عليه الوضع في 2013 عندما قدمت الدوحة خمس شحنات من الغاز الطبيعي المسال كمنحة إلى مصر إبان حكم الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

أزمة الخليج تهدد بتقويض السفر الجوي داخل المنطقة وخارجها

تواجه حركة السفر الجوي داخل منطقة الخليج وخارجها عقبات كبيرة بعد الخطوة التي اتخذتها السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين بقطع علاقاتها مع قطر متهمة إياها بدعم "الإرهاب"، اذ منعت السعودية شركات الطيران القطرية من عبور مجالها الجوي بينما أفادت شركتا الاتحاد للطيران بأبوظبي وطيران الإمارات بدبي إنها ستعلقان جميع الرحلات من الدوحة وإليها حتى إشعار آخر، وقطر هي مقر شركة الخطوط الجوية القطرية إحدى شركات الطيران العالمية، وتضم منطقة الخليج الكثير من المطارات التي تعد مراكز رئيسية للرحلات الدولية. فعلى سبيل المثال خدم مطار حمد الدولي الرئيسي في قطر نحو 9.8 مليون مسافر في الفترة بين يناير كانون الثاني ومارس آذار وفقا لموقعه الإلكتروني، وجاءت أشد القيود من الهيئة العامة للطيران المدني السعودية التي منعت جميع الطائرات القطرية من الهبوط في مطارات المملكة ومن عبور المجال الجوي السعودي. ومنعت الهيئة شركات الطيران التجارية والخاصة من تسيير الرحلات إلى قطر.

في الوقت نفسه أعلنت الهيئة العامة للطيران المدني البحرينية وقف الرحلات من قطر وإليها، ومن بين شركات الطيران انضمت فلاي دبي وطيران الخليج البحرينية إلى شركتي الاتحاد للطيران وطيران الإمارات في إعلان تعليق جميع الرحلات من الدوحة وإليها. وقالت الخطوط القطرية على موقعها الإلكتروني إنها علقت جميع الرحلات إلى السعودية، وحذر ساج أحمد كبير المحللين لدى ستراتيجيك إيرو ريسيرش في بريطانيا من حدوث اضطراب في حركة الطيران بدول مجلس التعاون الخليجي، وهي البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات، وعلى نطاق أوسع أيضا.

ولا تنشر الخطوط القطرية تفاصيل بيانات الإيرادات لمنطقة الخليج. وفي العام الماضي نشرت الشركة الأم النتائج المالية للمرة الأولى وأظهرت أنها حققت ربحا صافيا 1.6 مليار ريال (439 مليون دولار) في العام المنتهي في مارس آذار 2016 ارتفاعا من 374 مليون ريال في العام السابق، ويمثل الخلاف بين دول الخليج تحديا جديدا لشركات الطيران في المنطقة في وقت يحاول فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقييد حركة السفر للقادمين إلى الولايات المتحدة من عدد من الدول الإسلامية، وحظرت السلطات الأمريكية استخدام معظم الأجهزة الإلكترونية على متن الطائرات القادمة من بعض الوجهات في الشرق الأوسط، والقيود المفروضة علي قطر أكثر صرامة منها خلال خلاف سابق استمر ثمانية أشهر في 2014 حين سحبت السعودية والبحرين والإمارات سفراءها من الدوحة لنفس الأسباب بزعم دعم قطر لجماعات متشددة لكن في ذلك الوقت تقرر الإبقاء على رحلات الطيران.

وفي الختام يتوقع مراقبون أن تتكبد قطر خسائر مادية جراء الخطوات التي اتخذتها الدول الخليجية بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، وما ترتب عليه من تداعيات بعد غلق المنافذ البرية والبحرية والجوية أمامها، وتعد السعودية والإمارات من أهم شركاء قطر التجاريين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين قطر ودول الخليج 10 مليارات دولار في 2016، كما بلغت صادرات قطر إلى شركائها في مجلس التعاون الخليجي الذي يضم 6 دول بقيادة السعودية خلال الربع الأول من العام الحالي 8,291 مليون دولار، بحسب الأرقام الرسمية، في حين بلغ إجمالي صادرات قطر خلال الربع الأول من العام الحالي 700 مليون دولار غير الغاز الطبيعي. وتبلغ واردات قطر من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى خلال الفترة نفسها أكثر من مليار دولار استحوذت السعودية والإمارات على 70% منها.

اضف تعليق