q

تواجه فنزويلا التي انهارت اقتصاديا لدى سقوط أسعار النفط، المصدر الرئيسي لثروتها، مشكلات وانقساما داخلية خطيرة، ناجما عن أزمة سياسية عميقة تفاقمت بشكل كبير وكما نقلت بعض المصادر، بعد فوز اليمين الوسط المعارض بالانتخابات التشريعية أواخر 2015. حيث ازداد الوضع تأزما في الأيام الأخيرة عندما استولت المحكمة العليا، المعروفة بقربها من الرئيس مادورو، على صلاحيات البرلمان فترة قصيرة، فتسببت ذلك بموجة اعتراض دولية حملتها على التراجع بعد 48 ساعة. ونددت المعارضة المنضوية في إطار منصة الوحدة الديمقراطية بمحاولة الانقلاب وتريد ممارسة الضغوط من خلال تعبئة الناس الذين تخنقهم الأزمة الاقتصادية، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء وسط معدلات تضخم هي الأعلى في العالم.

حيث دعت المعارضة إلى العديد من المظاهرات والاحتجاجات في الفترة الاخيرة، والتي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من الاشخاص، ويعتبر النفط محرك النشاط الاقتصادي في فنزويلا، ويشكل 96% من إجمالي إيرادات الصادرات النفطية للدولة. فبين عامي 2004 و2015، حققت فنزويلا عائدات بقيمة 750 مليار دولار. وتبيع فنزويلا، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، 40%، من صادراتها من المحروقات الى الولايات المتحدة. غير أن الوضع معاكس اليوم تماماً في ظل هبوط أسعار النفط بأكثر من 70% منذ حزيران 2014، ما أدى إلى خسارة فنزويلا 40% من إيراداتها النفطية هذا العام، وهو ما اثر سلبا على الحياة العامة في فنزويلا، التي وصلت اليوم الىحافة الانهيار الاقتصادي، في ظل سيطرة شبح السياسات الاقتصادية الفاشلة في بلاد تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم.

هذه الازمة الخطيرة التي تهدد البلاد دفعت الحكومة الى اتخاذ قرارات وخطط جديد، فقد أطلقت فنزويلا رسميا إجراءات انسحابها من منظمة الدول الأميركية، وهي عملية يتوقع أن تستغرق عامين، وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يختار فيها بلد الخروج من هذه المنظمة. وقد تم طرد كوبا من المنظمة في العام 1962، عندما وصلت التوترات مع الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها. ورفضت هافانا العودة إلى المنظمة، رغم إعادة عضويتها في العام 2009.

المعارضة والحكومة

وفي هذا الشأن يعتزم المتظاهرون في فنزويلا النزول الى الشارع في تظاهرة جديدة تنطوي على مخاطر كبرى للمطالبة باستقالة الرئيس نيكولاس مادورو، ما يثير مخاوف من تجدد العنف بعد موجة احتجاجات أودت بحياة 26 شخصا حتى الآن. وحثت المعارضة المتظاهرين على التوجه نحو مركز العاصمة كراكاس، معقل مادورو حيث يوجد مقر الحكومة. وكانت محاولات سابقة للوصول إلى وسط العاصمة انتهت بصدامات بين شرطة مكافحة الشغب ومتظاهرين مسلحين بالحجارة.

وتحمل معارضة يمين الوسط مادورو مسؤولية النقص الحاد في الغذاء والدواء وغيرها من المواد الأساسية في البلد الغني بالنفط. وقتل 26 شخصا حتى الآن هذا الشهر في أعمال العنف التي تخللت الاحتجاجات، بينهم أربعة قصر، وفقا للنائب العام لويزا اورتيغا. وفي خطاب ألقاه أعلن مادورو أن عدد القتلى وصل إلى 29 دون إعطاء تفاصيل. وقال إن "29 من أبناء بلدنا تعرضوا للقتل، ويجب إلقاء اللوم على اليمينيين. الناس يطالبون بالعدالة".

وأضاف الزعيم اليساري، وريث "الثورة البوليفارية" التي أطلقها الرئيس السابق هوغو تشافيز عام 1999، أن النقص في المواد الغذائية والتظاهرات جزء من مخطط تدعمه الولايات المتحدة للإطاحة به. وتعمقت الأزمة في أواخر الشهر الماضي اثر قرار المحكمة العليا تولي صلاحيات البرلمان الذي يعد الذراع الوحيد للسلطة الذي لا يسيطر عليه مادورو وحلفائه.

وتراجعت المحكمة جزئيا عن قرارها بعد تعرضها لانتقادات دولية. ولكن غضب المعارضة ازداد بعدما منعت السلطات زعيمها انريكي كابريليس من ممارسة العمل السياسي. وفي غضون شهر واحد من الاضطرابات، أصيب أكثر من 400 شخص بجروح فيما تم اعتقال نحو 1300، وفقا للنائب العام. وبين الموقوفين 14 صحافيا، وفقا لما أعلنته نقابتهم ، والتي وصفت العدد بأنه "مقلق". وأضافت أن أكثر من مئة صحافي تعرضوا لاعتداءات أثناء تغطيتهم التظاهرات متهمة الحرس الوطني بـ"مضايقة وضرب وترهيب" الاعلاميين.

وتتهم المعارضة الحكومة باستخدام قوات الأمن لقمع المسيرات وإرسال عصابات مسلحة للاعتداء عليها. ومن ناحيتها، تتهم الحكومة المعارضة بدفع أموال لتحريض مسلحين لإشعال العنف. وكان مادورو قاوم جهودا استمرت أكثر من عام لإزاحته من الحكم رغم أنه قال إنه على استعداد لإجراء انتخابات اقليمية كانت تأجلت إلى أجل غير مسمى. ووسط محدودية الخيارات امامها للتخلص منه قبل انقضاء فترته الرئاسية نهاية عام 2018، تدعو المعارضة إلى الخروج في مسيرات حاشدة للمطالبة بانتخابات. وقال النائب المعارض فريدي غيفارا "لا يمكننا التراجع، اذا تمكنا من الاستمرار في نفس درجة الضغط، فسنحقق تغييرا".

وأعلنت المعارضة كذلك أنها ستحاول السير نحو مكتب رئيس الهيئة المكلفة بالدفاع عن حقوق الانسان في فنزويلا، طارق وليام صعب، لفشله في القيام بواجبه في هذا المجال. ودعت منظمة الدول الأميركية كذلك إلى اجتماع استثنائي لمناقشة الأزمة الفنزويلية. وكان أمينها العام، لويس الماغرو، وصف مادورو بـ"الدكتاتور". ولكن وزير الخارجية الفنزويلي، دلسي رودريغيز، حذر من أن مادورو أمر ببدء عملية الانسحاب من المجموعة الإقليمية في حال دعت إلى اجتماع لوزراء خارجية دولها لمناقشة الأزمة في بلاده. بحسب فرانس برس.

وأدى تراجع أسعار النفط، الذي يشكل المصدر الأساسي لموارد البلاد، إلى نقص حاد في الغذاء والدواء وإلى أعمال نهب وسلب. وفي حين خسر معسكر مادورو الأغلبية في البرلمان عندما حققت المعارضة فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية عام 2015، إلا أنه لا يزال يسيطر بقوة على المحاكم والسلطات الانتخابية، وبشكل أهم -- الجيش. وترى مجموعة "يوراسيا" للاستشارات أن الاحتجاجات تظهر أن "المعارضة موحدة حول استراتيجية التظاهرات الشعبية وأنها نشطة".

اتهامات متبادلة

الى جانب ذلك نقل أكثر من خمسين طفلا من دار للتوليد في كراكاس وسط اتهام الحكومة للمعارضة بمهاجمة المستشفى، ولكن المعارضة أكدت ان الأطفال تأذوا بسبب الغازات المسيلة للدموع التي تطلقها الشرطة على المتظاهرين. وتبادل ممثلون عن المعارضة والحكومة الاتهامات بشأن إخلاء دار التوليد التي كان فيها 54 طفلا ورضيعا، في حي ال فالي في غرب كراكاس.

واعلنت وزيرة خارجية فنزويلا دلسي رودريغيز أن "عصابات مسلحة" هاجمت مستشفى كان بداخله 54 طفلاً، واتهمت معارضي الرئيس نيكولاس مادورو بالوقوف وراء الهجوم، بعد يوم جديد من الاحتجاجات العنيفة المطالبة بتنحيه عن السلطة. وكتبت رودريغيز في تغريدة "أعلن أمام الأسرة الدولية أن عصابات مسلحة تستأجرها المعارضة هاجمت مستشفى للولادة بداخله 54 طفلا"، مشيرة إلى ان الرئيس أمر بإخلاء المستشفى حفاظا على سلامة الأطفال والمواليد الجدد.

ولم تحدد رودريغيز مكان دار التوليد ولكن أكد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي انها مستشفى هيوغو تشافيز للتوليد في ال فالي في غرب كراكاس، وهو الحي الذي شهد اضطرابات عنيفة بعد تظاهرات احتجاج ضد مادورو. ولكن القائد المعارض فريدي جييفارا وصف رودريغيز بانها "غير مسؤولة" وعزا إخلاء المستشفى إلى "الغازات المسيلة للدموع ونظامكم الدكتاتوري".

وقال النائب المعارض خوسيه مانويل اوليفاريس كذلك ان اجلاء الاطفال من دار ال فالي تقرر لأنهم "تأذوا بسبب القنابل المسيلة للدموع التي يلقيها الحرس الوطني" لتفريق متظاهري المعارضة. واكدت المعارضة انها لن تتراجع عن حملتها المطالبة بتنحي مادورو بعد ثلاثة اسابيع من الاحتجاجات قتل خلالها ثمانية اشخاص سقط منهم ثلاثة. بحسب فرانس برس.

وسادت الفوضى بعد التظاهرات الحاشدة في العاصمة وجرت اعمال نهب في عدة أحياء في غرب كراكاس مثل ال فالي وكوتشي والباريسو وفي الشرق في لا اوربينا وفي جنوب شرق العاصمة في سانتا ولا ترينيداد وباروتا. وكتب سكان من حي ال فالي على شبكات التواصل الاجتماعي انهم سمعوا اطلاق نار وان سيارات مكافحة الشغب فرقت تظاهرات احتجاج صغيرة. ويحمل المحتجون مادورو مسؤولية الازمة الاقتصادية الخانقة في البلاد والنقص الحاد في الطعام والأدوية والمواد الأساسية.

قرار اقصاء

في السياق ذاته اتخذت السلطات الفنزويلية قرارا بمنع هنريكي كابريليس، أحد زعماء المعارضة الفنزويلية والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية في العام 2013، من تولي أي مناصب عامة على مدى 15 عاما، ما سيمنعه من الترشح للانتخابات المقبلة عام 2018، وذلك بحسب قرار اتخذته السلطات. وتأتي هذه الخطوة في جو من التوتر الشديد في فنزويلا. وقد فرضت الهيئة العامة المسؤولة عن التدقيق في عمل الموظفين، على كابريليس "عقوبة عدم الأهلية للمناصب العامة مدة 15 عاما".

وتأتي هذه العقوبة استجابة لـ"مخالفات إدارية" خلال إدارة كابريليس بصفته حاكم ولاية ميراندا الشمالية وهو المنصب الذي يشغله حاليا. ويستطيع كابريليس أن يقدم طعنا في غضون 15 يوما أمام الهيئة التي اتخذت العقوبة بحقه، أو في غضون ستة أشهر أمام المحكمة العليا. وتتهم المعارضة هاتين الهيئتين بأنهما في خدمة السلطة. وعند انتهاء مهلة الطعن، سيتوجب على كابريليس ترك منصبه كحاكم.

وقال كابريليس البالغ الرابعة والأربعين، خلال مؤتمر صحافي "هذه ليست معركتي، إنها معركة جميع الفنزويليين! سندافع عن دستورنا وبلادنا! الشخص الوحيد غير القادر حاليا على إتمام ولايته في هذا البلد هو نيكولاس مادورو". وكان مادورو قد انتقد كابريليس بشدة، وقال إنه "جزء من تاريخ السياسة الفنزويلية. لقد انتهى سياسيا" لكنه لم يعط أي إشارة إلى عقوبات محتملة ضده. بحسب فرانس برس.

ويرفض الرئيس نيكولاس مادورو البالغ الرابعة والخمسين من عمره والذي تراجعت شعبيته كثيرا ويتعرض لضغوط دولية كبيرة، إجراء انتخابات مبكرة كما تطالب بذلك المعارضة، وينوي البقاء في الحكم حتى الانتخابات المقبلة، المقررة في كانون الأول/ديسمبر 2018.

كراكاس تنسحب

على صعيد متصل أعلنت فنزويلا انسحابها من منظمة الدول الأمريكية التي تتهمها الحكومة بأنها تشجع على "تدخل دولي" في شؤونها. وذكرت وزيرة الخارجية أنه سيتم تقديم شكوى لمنظمة الدول الأمريكية وأن آلية ستطلق لإخراج كراكاس من المنظمة في غضون 24 شهرا. وعقدت المنظمة اجتماعا للدعوة إلى قمة مصغرة لوزراء خارجية المنطقة لبحث الأزمة السياسية والاجتماعية الحادة التي تمر بها فنزويلا منذ أشهر.

وأعلنت فنزويلا التي تشهد تظاهرات للمعارضة أدت حتى الآن إلى مقتل العشرات في نحو شهر، انسحابها من منظمة الدول الأمريكية التي اتهمتها حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بانتظام بأنها تشجّع على "تدخل دولي" في الشؤون الفنزويلية. وقالت وزيرة الخارجية الفنزويلية ديلسي رودريغيز عبر التلفزيون " سنقدم شكوى إلى منظمة الدول الأمريكية ونطلق آلية تستلزم 24 شهرا" لإخراج فنزويلا من هذه المنظمة الإقليمية التي تتخذ من واشنطن مقرا.

وعقدت منظمة الدول الأمريكية التي كان مادورو وصف سابقا أمينها العام لويس الماغرو بأنه "دكتاتور"، اجتماعا من أجل الدعوة إلى قمة مصغرة لوزراء خارجية دول المنطقة تتعلق بالأزمة الفنزويلية من دون أن يتحدد موعد لها. وكان الماغرو طلب في رسالة إلى المجلس الدائم لمنظمة الدول الأمريكية أن يُطبّق على فنزويلا الميثاق الديموقراطي الأمريكي، وهدد بتعليق عضوية هذا البلد إذا لم تجر فيه انتخابات عامة بسرعة تطالب بها المعارضة.

اضف تعليق