q
{ }

على نحو لافت ومتميز وبحضور ممثلين عن المراجع الدينية وشخصيات سياسية واكاديمية واعلامية واسعة، وبمشاركة أكثر من ثمانين باحث وناشط مدني من عموم محافظات العراق، أقامت مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ومركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، المؤتمر الوطني، بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء، الذي حمل عنوان (الاعتدال الديني والسياسي طريقنا الى السلم الاهلي والتقدم الحضاري)، ويهدف هذا المؤتمر الوطني الى ترسيخ وتوضيح أهمية منهج الاعتدال في الدين والسياسة لبناء الدولة المدنية المعاصرة وتعرية منهج التطرف والعنف وبيان زيف الحركات التي تعتمد هذا المنهج المنحرف، وابعاد تهمة التطرف والعنف عن الدين الاسلامي التي يحاول البعض الحاقها به و تعزيز التعايش السلمي لتحقيق المصالحة الوطنية في العراق وفتح نوفذ التلاقح الفكري بين الجامعات ومؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية والدينية في العراق.

في الوقت نفسه تناول الباحثون في المؤتمر مفهوم الاعتدال كمنهج لمحاربة التطرف الديني وبناء الهوية الوطنية واهميته في حل الازمات وترسيخ منظومة القيم المدنية والسلوك السياسي للقوى الاجتماعية، بجانب دراسته كثقافة انسانية والتجارب العالمية في هذا المجال، كذلك ناقش المؤتمر الاعتدال كمنهج في التربية والتعليم ودوره كقوة ناعمة في العلاقات الدولية والمصالحة الوطنية فضلا عن الفلسفة السياسية للاعتدال وبناء الدولة المدنية الحديثة وادارة التنوع والتعدد الاجتماعي والاعتدال والخطاب الاعلامي المعاصر الاعتدال والتنشئة السياسية.

من جهته اوضح الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام "أن المشكلة الأساسية التي نواجهها في العراق والبلاد الإسلامية وفي مختلف أرجاء العالم هي سرقة المتطرفين للإسلام فأصبحت الصورة النمطية للدين الإسلامي في كافة بلاد العالم هو التطرف والعنف وهذا خطأ كبير"، وأضاف معاش إلى أن "الوسطية والاعتدال هو جوهر الدين الإسلامي في كل الامور وهو ما يميز المنهج الإسلامي، مشيرا إلى أن الأمة الإسلامية أمة الاعتدال وهي تسعى إلى تعزيز التعايش السلمي بين أبناء المجتمع على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم".

على الصعيد نفسه قال مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية الدكتور خالد العرداوي في تصريح خاصة لشبكة النبأ المعلوماتية "اعتقد انه داعش لم تولد الا نتيجة لخطاب متطرف سواء على المستوى الديني او على المستوى السياسي وان هزيمتها بدون هزيمة هذا الخطاب يعني ان هنالك نسخة قادمة تأتي مثل داعش، لذلك اعتقد ان توحيد خطاب الديني والسياسي وترسيخه وتأسيسه على منهج الاعتدال مبدأ منهج الاعتدال لتحقيق المصالحة المجتمعية".

وذكر مدير مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام الكاتب الصحفي علي الطالقاني بأن "مؤتمرنا نظم من أجل التأكيد على أهمية الاعتدال كمنهج في الحياة وتحديد الاهداف الوطنية"، واوضح الطالقاني أن "المؤسسة دأبت على إقامة المحافل والندوات منذ سنوات ايماناً بدور تلك في ترسيخ الثقافة الوطنية الواعية والتي من شأنها أن ترتقي بالأمة نحو التقدم، كما أن المؤتمر يأتي في بتوقيت حساس بتاريخ العراق وهي الفترة الحرجة لمرحلة انتقاله من دائرة العنف التي سادت المرحلة الحالية متزامنة مع مرحلة تحرير الأراضي من قبل تنظيم داعش".

وشدد الطالقاني بأن "المؤسسة بكل افرادها وكالة النبأ وشبكة النبأ المعلوماتية وبقية الاقسام كان لهم الدور الوطني الواضح والكبير في انجاح المؤتمر بما سطره من معاني الاجتهاد والحرص والمثابرة من خلال جهودهم".

الى ذلك اكد هاني قسطو مدير مكتب رئيس ديوان الأوقاف للديانات المسيحية والصائبة على أهمية هكذا نوع من المؤتمرات لانه تقرب الفكر الى واقع تطبيق بمعنى ما وصلنه من عصابات داعش في الوضع وهذا المكان هو سببه التخلف لكن من خلال الجامعات يمكن انه يحدث إيضاح لهذا الفكر وبالتالي ايصاله لمستويات تحارب هذا الفكر مباشرة.

وختم المؤتمر اعماله ببيان ختامي اكد على ضرورة ان يكون الاعتدال منهج للتوازن والاستواء من غير ميل نحو افراط او جنوح نحو تفريط من غير تنازل عن حقوق وحريات محترمة اساسه احترام الاخر المختلف دينيا ومذهبيا وفكريا وقوميا دون احتكار للحقيقة المطلقة من قبل طرف ما على حساب طرف اخر.

واضاف البيان ان "الاعتدال يمثل حاجة سياسية ووطنية وانسانية وهو المنهج الصالح لإنقاذ الذات والآخر ومنعهما من السقوط في فخ الازمات والمخاطر المدمرة"، وركز البيان على ان "الانحراف عن منهج الاعتدال ينشأ عن عدم تفعيل المشتركات الانسانية ما بين المذاهب والاديان والقوميات في العراق، ولا يمكن تعزيز هذا المنهج الا بالانطلاق من مقولة: ان الاخر اما اخ لك في الدين او شريك لك في الخلق".

وشدد البيان بان"الانكفاء على الهويات الفرعية وانكار الهوية الوطنية الانسانية التي محورها المواطنة، يهدد استقرار العراق ويمنع خروجه من دائرة الخطر مما يحول دون ترسيخ مبدأ التعايش الذي يدعو اليه منهج الاعتدال".

واكد البيان بان "لا يمكن ترسيخ الاعتدال الا بوجود مشروع سياسي معتدل تدعمه حكومة قوية تمتلك رؤية واضحة، تهيئ الاجواء المناسبة للتعددية وقبول الاخر في الخطاب الديني والسياسي، وتمنع التدخلات الخارجية بالشأن العراقي".

وختم البيان بالتركيز على ان "الاعتدال لا يمثل ثقافة فوقية تحملها النخبة فقط وانما هو ثقافة شاملة ومنهج سلوك يستند الى بناء الفرد والمجتمع ابتداء من الاسرة مرورا بالمؤسسات التربوية والتعليمية، وصولا الى مؤسسات صنع القرار العليا.

أبرز التوصيات

فقد توصل المشاركون في المؤتمر الى جملة من التوصيات المهمة، منها: اولاً: دعوة المؤسسات الدينية، كالمرجعيات الرشيدة ودواوين الاوقاف وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة الى اصلاح الخطاب الديني من خلال مراجعة الروايات والنصوص التاريخية، التي تؤسس للفكر المتطرف ووضع قواعد تنظم عمل الأئمة والخطباء ليكونوا معتدلين في اطروحاتهم ومواعظهم التي تقام من على المنابر.

ثانياً: رفض المحاصصة الطائفية والدينية والعرقية لأنها المسؤولة عن اراقة دماء العراقيين وتعطيل بناء مؤسساتهم وتشويه مشروعهم السياسي الديمقراطي. ثالثاً: التنوع من سنن الحياة والعراق بلد متعدد الاديان والمذاهب والطوائف والقوميات ولا يمكن لأي جهة سياسية ادارة البلد لوحدها، بل لابد من اشتراك الجميع في حكم العراق على اساس مبدأ المواطنة الفعالة والحكم الرشيد.

رابعا: يشكل الانفتاح بين العراقيين: ساسة ومحكومين على بعضهم البعض ضرورة وطنية لحل الازمات وتقريب وجهات النظر والالتقاء على قواسم مشتركة اساسها المصلحة العليا للبلد.

خامساً: إن التطرف والارهاب لم يولد من فراغ بل هناك اسباب: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتاريخية اوجدته، ولا يمكن هزيمة الارهاب وترسيخ منهج الاعتدال الا بتشخيص تلك الاسباب ومعالجتها بشكل موضوعي.

سادساً: تمثل الجامعات حرما امنا مستقلا، يحظى بالقبول والمصداقية من الجميع، لذا هي مطالبة بأن تكون لها كلمتها في ارساء منهج الاعتدال وتحويله من فكرة نظرية الى حقيقة واقعية على الارض.

سابعاً: مطالبة المؤسسات الاعلامية والتربوية والتعليمية والثقافية في العراق بتحمل مسؤوليتها التاريخية في ترسيخ منهج الاعتدال عبر وسائلها وادواتها المختلفة.

كما وضع المؤتمر آليات عمل للمرحلة القادمة تضمنت:

أولاً: الدعوة الى اقامة سلسلة مؤتمرات مستقبلية مكملة لهذا المؤتمر تعقد بصورة دورية في مختلف مناطق العراق هدفها توضيح منهج الاعتدال وتحديد الاليات المناسبة لترسيخه في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية العراقية.

ثانياً: تشكيل لجنة خاصة من بعض الشخصيات المشاركة في المؤتمر مهمتها وضع صياغات عملية لما توصل اليه المؤتمرون من اجل رفعها إلى صانع القرار السياسي العراقي، ويكون مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء هو الجهة المتابعة لأعمال هذه اللجنة.

ثالثاً: تشكيل وفد من المشاركين في المؤتمر لمقابلة الرئاسات الثلاثة والمرجعيات والمؤسسات الدينية، بغية عرض نتائجه عليها وبيان الظرف الخطير الذي تمر به الدولة العراقية بسبب غياب منهج الاعتدال في الخطاب والسلوك وذلك بعد ان تستكمل اللجنة في الفقرة ثانيا أعلاه أعمالها.

يذكر المؤتمر نظمت فعالياته على مدار يومي 22-23 اذار 2017، تناول ثلاث محاور اساسية لمفهوم "الاعتدال" عبر سلسلة من الجلسات المتواصلة والنقاشات الموضوعية المحايدة في كلا من الجوانب الدينية والسياسية اضافة للمحور الاجتماعي والثقافي.

اضف تعليق