q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الشباب والوعظ الذاتي وتلقين النفس

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

مرحلة الشباب من أصعب المراحل العمرية، فيها يكون الجسد بكامل عنفوانه، وحتى النفس في الشباب تكون غيرها عندما يبلغ الإنسان الكهولة والمشيب، فكلما تقدم الإنسان بالعمر، يزداد توازنا وحكمة، وتأنيا في اتخاذ القرار، بل أكثر تأنيا في إعلان موقف، وأحيانا يتأنى في إطلاق كلمة، خشية من أن تكون في غير محلها، لذلك أشد مراحل العمر قربا من التسرع والحماسة والمغامرة هي مرحلة الشباب.

يُضاف الى ذلك، أن فكر الإنسان في الشباب ليس ملك عقله او إرادته، لأن الشاب غالبا ما يتأثر بالأفكار الأخرى بصورة أسرع مما لو كان كهلا او كبيرا في السن، حيث يتدخل هنا عامل الحكمة والتأني وتراكم التجربة بسبب كبر العمر، من هنا تحتاج الشعوب والمجتمعات التي تتطلع الى التطور والتقدم والاستقرار، الى لملمة شريحة الشباب، وتعضيد أفكارهم بما يمكنهم من السيطرة على نفوسهم.

بمعنى أكثر وضوحا، يحتاج الإنسان في كل الأعمار، قدرة على وعظ النفس وتعليمها وتلقينها بالصحيح، ونهيها ومنعها عن ارتكاب الخطأ، وكلما كان الإنسان قادرا على وعظ نفسه وتلقينها بالصحيح، كان أكثر قربا من التوفيق والنجاح، ولكن ينبغي أن نعرف بأن اكتساب الوعظ وتلقين النفس ليس مهمة سهلة، ولكنها ليست مستحيلة لمن يمتلك زمام قيادة وتوجيه نفسه.

في إحدى كلماته التوجيهية القيمة للمسلمين، لاسيما الشباب منهم، يقول سماحة المرجع الشيرازي الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) حول هذا الموضوع: (لدوام توفيق الإنسان من الله تعالى فإنه بحاجة إلى أمرين آخرين، وهما: واعظ من نفسه، ويعني أن يكون الإنسان هو الملقّن لنفسه بالموعظة، وملقّن لها بما يجب عليه، ويلتزم بما يجب عليه، ويلتزم بترك ما هو منهي عنه).

كذلك هناك عامل مساعد آخر للشباب، وهو عامل قبول النصيحة، ومن المهم جدا أن يكون الشاب خلوقا متواضعا، حتى يكون على استعداد نفسي عميق وفطري لتقبّل النصح، والتعامل معه على أنه مكسب له وليس العكس، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بكلمته نفسها: (من الطبيعي ان الإنسان ليس معصوماً، وليس علاّمة من نشأته، والشيطان مهيمن عليه، وكذلك النفس الأمّارة بالسوء من داخله تدعوه إلى الرذائل. فهو إذن بحاجة إلى قبول النصح ممن ينصحه، وهذا يتطلّب منه أن يكون خلوقاً ومرناً وليّناً حتى يمكنه أن يقبل النصح من الآخرين).

القدرة على انتشال المجتمع

ثمة معادلة ينبغي فهمها جيدا، ومن ثم العمل وفقا لها، في إطار تقديم الدعم الأخلاقي والفكري والمعنوي للآخرين، هذه المعادلة تقول، كلما كان فهم الإنسان لأمور الحياة بصورة عامة كبيرا وطاقته كبيرة، سوف تزداد مسؤوليته تجاه الآخرين، وفي هذه الحالة، لا يمكن أن يتساوى العارف بغير العارف من حيث المسؤولية، فالأول عليه جهد مضاعف ومسؤولية ضاغطة ينبغي أن يؤديها بخصوص توعية الآخرين وتثقيفهم، وتلقينهم بما هو أفضل وأنسب وأصحّ.

جميع الذين يقعون ضمن دائرة تأثيرك بهم، تتحمل مسؤولية توعيتهم وفهمهم، وتزداد هذه المسؤولية مع زيادة قدراتك الثقافية والفكرية والعلمية، لا يمكن إعفاء الإنسان العارف من مسؤوليته تجاه من لا يعرف ولا يفهم ولا يمتلك القدرة على فهم ما يجري في حياته من أمور متنوعة.

وهنا لابد من التركيز على فئة الشباب، فكما ذكرنا سابقا، أن الشباب لديهم مزايا وصعوبات عديدة تختلف عن الفئات العمرية الأخرى، فالشاب أسرع من غيره من حيث التأثر سلبا او إيجابا بالأفكار والثقافات وما شابه، من هنا ينبغي التركيز على الشباب، ووعظهم وتلقينهم، ونصحهم، وجعلهم مؤمنين بأن تلقين النفس بما هو صحيح أمر حيوي ينبغي أن يطبقوه في حياتهم.

بالإضافة الى ذلك ينبغي أن نعلم الشباب القدرة على وعظ النفس والسيطرة عليها، لأن كسب الشباب تعني كسب الحياة، كسب الحاضر والمستقبل، وحسم النتيجة لصالح المجتمع، هذه هي القيمة الحقيقية للشباب، والتي لا تتجاهلها المجتمعات المتطورة، لذلك علينا لملمة الشباب، وتثقيفهم بثقافة أهل البيت عليهم السلام، أم من هم الشباب المشمولون بهذه المسؤولية وهذا الجهد، فالجواب أن جميع المسلمين وخصوصا في العراق ينبغي التركيز عليهم في هذا الجانب.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (في الواقع المسؤولية هي كما في الحديث النبوي الشريف صلى الله عليه وآله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته) فالإنسان بمقدار ما أوتي من الفهم والطاقة مسؤول في إطار فهمه وطاقته في انتشال المجتمع، وخصوصاً الشباب، وذلك بلملمتهم وهدايتهم في إطار أهل البيت صلوات الله عليهم، بشكل عام، وفي كل مكان، وبالأخص بالعراق، بنين وبنات).

توحيد الصف لايعني توحيد الأفكار

إن قضية الاهتمام بالشباب، تستدعي أن يكون هناك سعي لتوحيد صفوف الشيعة، وهذا التوحيد لا يشمل بطبيعة الحال توحيد الأفكار، وجعلها منسوخة عن بعضها البعض، ففي هذه الحالة سوف تكون خالية من الفائدة، وضامرة وضئيلة ولا روح فيها، ولا خصوصية لها، لأن أهم ما يمز الأفكار أنها تكون ثرية نابعة من الذات الإنسانية، ولا تكون تابعة ومستنسخة، لأنها في هذه الحالة تكون ضعيفة وتفتقر لأي تأثير في الآخرين.

إن توحيد صفوف الشباب الشيعة، لا يعني أن يفكر جميعهم في مسار فكري واحد، يختصر شخصياتهم وذكائهم في فكرة واحدة، هذا الأمر يسلب الموهبة ويقضي على حالة التميز، لذلك ينبغي أن تكون كل شخصية لها أفكارها، ولها طريقتها في الرؤية والتعامل والطرح، وكلما تعددت الأفكار وتباينت الآراء سوف تصح وتصبح أكثر جدية وتميزا وتأثيرا.

لذا عندما يطالب سماحة المرجع الشيرازي بتوحيد صفوف الشيعة، فهو لا يعني جعلهم نسخة واحدة، وليس المقصود بوحدة الشيعة أن يصبحوا أصحاب أفكار متشابهة غير قادرة على طرح الجديد الحيوي المختلف، فالوحدة شيء، والأفكار شيء آخر، وكلاهما مهم لجعل الشباب الشيعة أكثر حيوية وقدرة على الانجاز الأمثل.

يضرب لنا سماحة المرجع الشيرازي بخصوص وحدة الأفكار، فهل يجوز أن طالب طبيبين أن يوحدا أفكارهما؟ بالطبع هذا ليس صحيحا، لأننا ينبغي أن نبتعد عن التدخل في طريقة تفكير كل طبيب من الاثنين، حتى تكون لهما القدرة على الاختلاف الجيد والمتميز، فكل منهما له طريقته في الكشف على المرضى، وكل منهما له أسلوبه، واستنادا الى هذا التمايز سوف تتحدد قدرات ومزايا هذا الطبيب عن ذاك.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع بكلمته المذكورة نفسها:

إن (الشيعة بحاجة إلى توحيد الصفّ. وهذه مسألة مهمّة جدّاً، وضرورية قبل توحيد الصفّ الإسلامي وقبل توحيد الصفّ الإنساني. ولا أقصد توحيد الأفكار، لأن هذا الأخير ليس ممكناً بل وغير صحيح أيضاً. فعلى سبيل المثال: هل من الصحيح أن نقول لطبيبين: وحّدا أفكاركما؟ لا شكّ الجواب كلا، لأن لكل طبيب تشخيص خاصّ به. وهكذا بالنسبة للفكر، حيث أن كل شخص له فكره، وتوحيد الأفكار ليس بصحيح. إذن على الشيعة أن يوحّدوا صفوفهم، وهي مسألة مهمّة وجذرية).

اضف تعليق