q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

لا تسحق ضميرك ومعتقدك كي لا تكون ظالما

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

أثبتت دراسات متخصصة في علم الاجتماع والجريمة، وبيّنت استطلاعات وتحقيقات واستبيانات، أن القانون الوضعي لا يتصدر الكوابح التي تمنع الانسان من ارتكاب الجريمة، إنما الضمير والمعتقد هما اللذان يضاعفان حصانة الانسان وارادته من الانزلاق في مستنقع الجريمة أو الظلم، بكلمة واضحة، اذا كان ضمير الانسان حيّا، وكان معتقده راسخا، فلا خوف عليه من الانحراف تحو الظلم، والعكس يصح، أي اذا سحق الانسان ضميره ومعتقده تحوّل الى وحش.

في هذه الحالة يكون المعتقد أكثر قدرة على حفظ عقل الانسان من التخريب، ويكون معتقده مصدا ضد افكار الانحراف، وكابح فعال ضد دوافع الانحراف بكل أشكالها، ومع أهمية الضوابط الاخرى، والروادع المختلفة، إلا أن الضمير الحي والمعتقد الراسخ يشكلان صمام أمان للإنسان ضد السقوط في فخ الظلم والجريمة والتجاوز على من هو أضعف وأقل حيلة أو فطنة او قدرة ممن تدفعهم نفوسهم نحو اقتراف الجريمة.

بصريح العبارة، اذا اردت أيها الانسان أن تحفظ نفسك من الانزلاق في الظلم والجريمة، ضاعف من قوة معتقدك اكثر فأكثر، واجعل ضميرك حيا متيقظا على الدوام، فبهذه الطريقة وحدها تستطيع أن تبعد نفسك عن السوء وعن الجزاء الأسوأ الذي يناله المسيؤون.

قال سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية الى مجموعة من الموظفين والاساتذة العلميين، ومن خلالهم الى المسلمين كافة: (إنّ الله تعالى خلق كائناً باسم (الإنسان)، وأودع فيه العجائب. ومنها أنه تعالى جعل في الإنسان القليل من القوى الظالمة، وهي النفس الأمّارة بالسوء التي أشار إليها القرآن الكريم. وجعل فيه أقوى قوة خير، بعد المعنويات، وهي العقل، وبعبارة أقرب المعتقدات. فكل إنسان له معتقدات).

علما أن هامش الاختيار لدى الانسان كبير جدا، فهو حر في اختياره بين أن يكون صالحا ملتزما، او طالحا ظالما، وهذا يتبع بطبيعة الحال، قدرته على تحصين ضميره من حالات الانحدار نحو الضعف، والركون الى الرذيلة، والخضوع الى أومر النفس الأمارة وأهوائها ورغباتها التي غالبا ما تقود صاحبها الى المهالك.

وقد ضرب سماحة المرجع الشيرازي مثلا حول هذا الموضوع عندما قال في كلمته نفسها: (قاتل الحسين صلوات الله عليه، شمر بن ذي الجوشن لعنه الله كان صاحب معتقدات، وسيعذّب الله تعالى شمراً لأنه جعل معتقداته تحت أقدامه. وكذلك قاطع الطريق، حينما يسرق ويقتل ويجني، له معتقد أيضاً، لكنه يسحقها أو سحقها. فلو تأمّل قاطع الطريق مع نفسه قليلاً بأنه لو كان مكان أحد الذين يتعرّضون للسرقة، فهل سيعتقد بأن هذا الفعل، أي السرقة، هو شيء حسن أم لا؟ لا شكّ سيكون جواب قلبه وعقله بأن هذا الفعل هو سيئ وقبيح).

لله الحجة البالغة

إن الله سبحانه وتعالى، جعل لكل انسان قدرة على الفرز بين الخير والشر، وقدرة على تحقيق ذلك بوساطة البصر والبصيرة، ففي التركيب التكويني للنسان هناك نسبة قليلة من الشر، والنسبة الاكبر تكون للخير، وهكذا يكون بمقدور الانسان أن يختار الى اين يصطف، فالدار الاولى هي قاعة اختبار، وهي القنطرة التي تقود الانسان الى الدار الاخرى، دار البقاء، فأما أن يتجاوز الاختبار بسلام، أو يفشل لا سمح الله، ولكن في كل الاحوال يعود الامر للانسان نفسه، فهو الذي يمكنه انقاذ نفسه او رميها الى التهلكة.

وهناك وسائل وسبل لهذا الاختبار العصيب، ونقول عصيبا لأنه يحتاج الى مقارعة النفس وردها، ورفض اهوائها كونها تدفع بالانسان نحو هذه الرغبات التي قد تودي بالانسان الى الفخ، فالمال مثلا احد هذه السبل نحو الانحراف اذا كان تحصيله عن طريق السحت الحرام، وسوء استخدام العلم كذلك واستخدام القدرة البدنية وما شابه.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (من الاختبار في الدنيا المال، والعلم، والقدرة البدنية، والحكومة، والفقر، والجهل، وذلك لقوله تعالى: (لننظر كيف تعملون). ولهذا توجد في القرآن الكريم آية رفيعة جدّاً، وهي قوله عزّ من قائل: (فلله الحجّة البالغة). أي لا يدخل أحد النار يوم القيامة إلاّ وهو يعلم أنه لا يستحقّ إلاّ النار وفقاً لما جعله الله من أساس ومعتقد في الإنسان الداخل للنار).

ومن مفارقات هذه الدنيا العجيبة، أنه قد يكون هناك صديقان متلازمان، يعيشان في ظروف وبيئة واحدن، ولكن بالنتيجة، احدهما يذهب نحو الانحراف والظلم والجريمة، والآخر يختار الفضيلة والحق ونبذ الظلم، أما السبب في ذلك، فإن الأول سحق ضميره ودمّر معتقده ولذلك صار مجرما ظالما ألحق الأذى بالناس من دون وجه حق، فصار يستحق الجزاء الذي يستحقه المجرمون والظالمون.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب بكلمته نفسها: (كما ان في اختبار الدنيا، أن ترى شخصين كانا صديقين لسنين طويلة، وكانا مع بعض، ومن مدينة واحدة، ولكن أحدهما صار حبيب بن مظاهر، والآخر شمر بن ذي الجوشن. فكل واحد منهما صار كما صار، باختياره وبإرادته).

الأنبياء بيّنوا الطريق الصحيح

اذاً يبقى الخيار في هذه الحياة الدنيا بيد الانسان نفسه، لذلك عليه أن يحذر أشد الحذر، وعليه أن يجيد الاختيار، حتى لا يسقط في فخ الظلم، فاذا كان حاكما عليه أن لا يسحق ضميره ولا ينسى معتقده او يتنكر له، او يستخدمه غطاءا حتى يحقق من خلاله مآرب مادية دنيوية دنيئة لا تليق بالمؤمنين، لقد كان الامام علي عليه السلام حاكما على دولة مترامية الاطراف تعادل في مقاييس اليوم (50) دولة، وكان يسكنها شعب كبير، ومع ذلك لم يكن هناك من ينام خائف او غير مطمئن على حياته مثلما يحدث اليوم في كثير من الدول الاسلامية والعربية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حيث لم يذكر التاريخ ان أحداً من الناس، قد بات ليلة من ليالي حياته، وهو خائفاً من الإمام صلوات الله عليه، وخصوصاً أيام حكومة الإمام صلوات الله عليه، التي امتدّت رقعتها في ذلك الزمان، على خمسين دولة من دول عالم اليوم. وهذا لا نظير له في التاريخ ولا في الدنيا كلّها، أيضاً).

فالمطلوب اذاً هو أن لا تسحق ضميرك، ولا تهمل معتقدك او تجعله خلف ظهرك، او تستعمل هذا المعتقد لمصالح دنيوية زائلة، بل المطلوب أن تحصّن ضميرك من الخلل والزلل، ومع ان الكلام هنا للجميع، ولكن المسؤول والقائد هو اكثر حاجة من سواه لمثل هذا الكلام، لأن قراراته وافكاره وسلوكه قد يحسن لأناس كثيرين (أمة أو شعب أو مجتمع)، وقد يسيء لهم ويؤذيهم، تبعا لتعامل القائد والمسؤول مع ضميره ومعتقده.

علما أن الله تعالى أوضح للجميع بلا استثناء، سبل الصلاح، من سواها، وكل انسان يعرف تمام المعرفة طرق الضلال، وعليه أن يجتنبها، لهذا ما على الانسان سوى التمسك بالمعتقد، ودعم الضمير وحمايته حتى يعبر (قاعدة الاختبار/ الدنيا)، بسلام الى دار البقاء والسلام الأبدي.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع بكلمته المذكورة نفسها: (لقد أرسل الله تعالى الرسل وبعث الأنبياء ليبيّنوا للناس الطريق الصحيح، والطريق الخطأ، حتى لا يحتجّ الناس على الله تعالى).

اضف تعليق