عقد مركز الفرات ملتقاه الدوري تحت عنوان تداعيات تغيير سعر الصرف على الفئات الهشة في العراق. قرار خفض قيمة الدينار لم يكن مناسبا من حيث التوقيت او المقدار، فقد تم اضافة صدمة نقدية الى الصدمات الاقتصادية والمالية والصحية التي عصفت بالطبقات الفقيرة والهشة منذ اواخر العام 2019...
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية ملتقاه الدوري في سلسلة ملتقياته الشهرية تحت عنوان "تداعيات تغيير سعر الصرف على الفئات الهشة في العراق" وذلك في يوم السبت الموافق 17/7/2021 بحضور نخبة من الأساتذة والباحثين والمشاركين.
بدأ الملتقى اعماله بورقة بحثية مقدمة من الأستاذ الدكتور حيدر حسين ال طعمه الباحث في المركز جاء فيها:
"دفعت الضغوط المالية التي تعرض لها الاقتصاد الوطني عام 2020 البنك المركزي العراقي إلى رفع سعر صرف الدولار الامريكي مقابل الدينار من (1182=1$) إلى (1450=1$) في 19 كانون الاول 2020. فقد أسفرت جائحة كورونا عن هبوط حاد في الإيرادات النفطية بسبب انهيار اسعار النفط الى دون (20) دولار للبرميل في نيسان من العام الماضي، وما خلفه ذلك من تراجع في الايرادات النفطية من قرابة (6) مليار دولار شهر كانون الثاني الى اقل من (1.5) مليار دولار في نيسان وبنسبة تراجع تفوق (75%). ونتيجة النفقات الشاهقة للحكومة العراقية اتسع العجز المالي الحكومي واضطرت وزارة المالية إلى الاقتراض من المصارف التجارية وإعادة خصم القروض لدى البنك المركزي، لغرض دفع الرواتب وتمويل النفقات الضرورية الأخرى.
ان قرار خفض قيمة الدينار لم يكن مناسبا من حيث التوقيت او المقدار، فقد تم اضافة صدمة نقدية الى الصدمات الاقتصادية والمالية والصحية التي عصفت بالطبقات الفقيرة والهشة منذ اواخر العام 2019 بسبب التظاهرات وجمود النشاط الاقتصادي وانهيار اسعار النفط وتفشي فايروس كورونا، خصوصا مع ضعف برامج الحماية الاجتماعية اللازمة لاستيعاب تأثير صدمة سعر الصرف على هذه الطبقات.
لقد ولد رفع سعر صرف الدولار تكاليف اقتصادية واجتماعية متعددة اهمها فقدان الاستقرار النقدي والمضاربة على الدينار وضعف البيئة الحاضنة للاستثمار، فضلا على تراجع معدلات الطلب الكلي وتعميق الركود الاقتصادي القائم نتيجة تداعيات جائحة كورونا. كما ان ارتفاع سعر صرف الدولار في بلد كالعراق يعتمد على الاستيراد في تغذية الطلب المحلي على مختلف انواع السلع قد ولد ضغوطا تضخمية خفضت الدخول الحقيقية للطبقات الوسطى والفقيرة، خصوصا مع ضعف الرقابة الحكومية على التجار والموردين لمختلف انواع السلع المستوردة الى الاسواق العراقية.
وقد تزايدت عام 2020 الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والصحية على الطبقات الفقيرة والهشة في العراق ولعدة اسباب منها:
- زيادة معدلات التضخم في العراق الى ما يقارب 6% شهريا بسبب تدهور قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار.
- زيادة معدلات البطالة المتوقعة في البلاد بسبب تداعيات ارتفاع الاسعار وتوقف العديد من الانشطة التجارية والخدمية في البلاد.
- زيادة معدلات الفقر ونسبة الهشاشة فقد كشف برنامج الاغذية العالمي FAO في العراق والتابع للأمم المتحدة، عن ارتفاع سعر سلة الغذاء الى (14%) بعد تخفيض قيمة العملة المحلية امام الدولار الامريكي.
وحسب منظمة UNICEF بلغت نسبة الفقر 31% لعام 2020 بسبب جائحة كورونا مقارنة بـ 20% عام 2018، وإن 42% من السكان يصنفون على أنهم من الفئات الهشة خصوصا بعد تخفيض سعر صرف الدينار امام الدولار، إذ يواجهون مخاطر أعلى كونهم يعانون من الحرمان من حيث العديد من الأبعاد منها: التعليم، والصحة، والظروف المعيشية، والأمن المالي.
كما أنَّ نحو ثلاثة ملايين شخص في العراق، منهم 731 ألف نازح داخلي، لم يكن لديهم ما يكفي من الطعام خلال المدة الاخيرة".
وللإحاطة أكثر بالتداعيات التي ترتبت على تخفيض قيمة الدينار العراقي والحلول الممكنة لتخفيف الضغوط المالية والاقتصادية على الطبقات الفقيرة والهشة في العراق تم طرح السؤالين الآتيين على الحضور:
السؤال الأول// هل كانت العوائد المتحققة من خفض قيمة الدينار تستحق التداعيات التي خلفها سعر الصرف على الطبقات الهشة في العراق؟
السؤال الثاني// ما هي الخطوات المطلوبة لتقليص الآثار العكسية لخفض قيمة الدينار على الطبقات الهشة في العراق؟
المداخلات
الشيخ مرتضى معاش:
حدد الشيخ مرتضى معاش مجموعة عوامل كانت وراء خفض سعر صرف الدينار العراقي مقابل رفع سعر الدولار وهي:
العامل الأول: النفط، حيث انخفضت أسعاره إلى أدنى المستويات في وقت تعتمد الموازنة على الإيرادات النفطية بنسبة كبيرة جداً، مما تسبب في أزمة مالية كبيرة دفعت بالعراق للاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنوك المحلية لسد العجز الحاصل في الموازنة.
تعرض العراق لضغوط صندوق النقد الدولي الرامية لإصلاح الاقتصاد العراقي وبالخصوص رفع سعر الدولار وتخفيض الدعم الحكومي للوقود والبطاقة التموينية منذ عام 2014 ونظراً لحرب داعش تم تأجيلها حتى حصول أزمة النفط الأخيرة التي دفعت العراق لتطبيق سياسة الصندوق (خفض سعر الصرف) ولتوفير الأموال اللازمة لتغطية عجز الموازنة وبالخصوص رواتب الموظفين.
ويستطرد معاش قائلاً، إن سياسة صندوق النقد الدولي سياسة طويلة عريضة تشمل مكافحة الفساد والحوكمة والشفافية والنزاهة وتشجيع القطاع الخاص لكنه يركز فقط على شيئين رفع الدعم الحكومي وخفض سعر الصرف دون الاهتمام بالمواضيع الأخرى مما يدلل على عدم مصداقية الصندوق في سياسته الإصلاحية تجاه الاقتصاد العراقي.
العامل الثاني: الفساد، هو المشكلة الأساسية التي تؤثر على الناس، حيث أدى الى تآكل الاقتصاد العراقي، وهذا ما لم يف به صندوق النقد الدولي.
العامل الثالث: الاحتكار، حيث يؤدي إلى انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص والأخير يؤدي إلى الإنتاج والحركة والعمل، ونظراً لسيطرة مجموعة من القوى الموجودة في الساحة التي تحولت الى اقطاعيات كبيرة على كل مفاصل الاقتصاد، والنتيجة تمنع أي جهة ثانية من القطاع الخاص والاستثمارات الداخلية والخارجية من العمل.
العامل الرابع: الاستهلاك، حيث أصبح العراق مستهلكا بشكل حاد وغير منتج وكل السلع مستوردة من الخارج وهذا يعني انخفاض الإنتاج واستيراد هائل ووجود بطالة كبيرة.
والنتيجة التي توصل إليها الشيخ معاش هي: إن خفض قيمة الدينار بفعل رفع سعر الدولار أدى لارتفاع الأسعار دون أن يقابله زيادة في مدخولات المواطن فتضرر ضرراً كبيراً، في حين حققت الحكومة والأحزاب وأصحاب الامتيازات مكاسب كيسرة من هذا القرار.
وبعده سرده للأسباب والنتيجة يذكر مجموعة خطوات تخص السؤال الثاني تمثلت في الآتي:
لا بُد من وجود قطاع خاص قادر على احتواء البطالة، كما ان الاستقرار الأمني مهم جداً لاستقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية.
وقد لوحظ ان الشركات الأجنبية وخصوصا الغربية منها انها قد بدأت بمغادرة العراق، مما يعني إن العراق قد يكون متجها نحو النموذج اللبناني فهناك شبه من حيث الظروف والملابسات بلبنان من حيث الأزمة الداخلية إقطاعيات، ومحاصصاتية واحتكار وهيمنة وريع والتبعية الاقليمية.
الكاتب علي حسين عبيد:
يرى ان خفض سعر الصرف هو إجراء خاطئ بسبب المساوئ التي تركها على المواطن البسيط، وهو هروب من مسؤولية اساسية للحكومة وكان يفترض بها أن تتخذ القرار الأصح، ويعلل الهروب بأن الدولة لم تتخذ سياسات بديلة تسهم في تعظيم الموارد كمكافحة الفساد واسترداد الاموال المنهوبة وتعظيم موارد المنافذ الحدودية والضرائب وغيرها.
حيث أدى تخفيض الدينار إلى نوعين من السرقة الأولى من راتب الموظفين والسرقة الثانية هي ارتفاع الأسعار، حيث أدى هذا القرار إلى رفع أسعار السلع المهمة إلى 100% أو 75% في أفضل الأحوال في حين إن الدولار ارتفع بنسبة 20-30%.
الباحث باسم الزيدي:
يعتقد ان السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فمتى ما كانت سياسة الدولة سياسة متزنة عقلانية تقوم على اسس ثابتة سينتعش الاقتصاد ويأخذ مكانه سواء القطاع الخاص أو القطاع العام.
ونظراً للتخبط في القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها منذ تأسيس الدولة العراقية أدت إلى النتائج السيئة التي نعيشها اليوم، والتي انعكست على المواطن بشكل سلبي.
حيث أصبح هو المتضرر الوحيد سواء تم رفع أو تخفيض سعر الصرف، والدليل إن الدينار كان قوي خلال فترة السبعينات وضعيف في فترة التسعينات وفي كل الحالتين المواطن هو المتضرر.
الباحث حيدر الجراح:
يتساءل في مداخلته: هل كان تغيير سعر الصرف نتيجة لعامل خارجي هو صندوق النقد الدولي، ام كان نتيجة لعامل داخلي وهو الحكومة؟، وما هي الشروط التي يجب تحققها لكي يعود أو يمكن أن يعود سعر الصرف إلى حاله؟ وهل هناك احتمالات أن يرتفع سعر الدولار إلى سعر أعلى إذا استمرت الحكومة في أميّتها الاقتصادية؟
الباحث محمد الصافي:
يتساءل: هل كان سعر الدينار سعر واقعي قبل تخفيض سعر الصرف وحقيقي يمثل الاقتصاد العراقي؟
فيجيب: حقيقةً العملة القوية دائماً ما تضر المنتج المحلي، إذ إن كل الدول التي ترتفع قيمة عملتها أمام الدولار هي دول غير منتجة أي لا تمتلك إنتاج.
بخصوص انخفاض سعر الصرف نلاحظ هناك دول خصوصاً بعد جائحة كورنا انخفضت عملاتها مثل تركيا وإيران وهي دول شبه مصنعة لكن دول الخليج اعتمدت على صناديقها السيادية واستمرت في دعم عملتها دون تخفيضها وتشير الكثير من الدراسات إن مستقبل هذه الدول ستتضرر كثيراً من انخفاض أسعار النفط لأنها لا تمتلك بنى تحتية اقتصادية تؤهلها للمنافسة على الأقل مع دول مجاورة كتركيا وإيران والهند وباكستان وغيرها.
لذلك العملة المرتفعة تضر المنتج المحلي بينما العملة المنخفضة تضر المستهلك المحلي كما هو حال العراق اليوم، لان مجتمعنا استهلاكي فتضرر من انخفاض العملة تجاه الدولار.
ودائماً ما ترتفع أصوات الإصلاح مع انخفاض أسعار النفط ومجرد ما إن تعود أسعار النفط للارتفاع تختفي تلك الأصوات المنادية بالإصلاح سواء الحكومية أو الشعبية، وهذا ما سيضعنا في مشكلة حقيقية أمام تحقق التنبؤات الخاصة بمصادر الطاقة البديلة، ويصبح العراق كحالة لبنان وأسوء منها.
الحقوقي احمد جويد:
يجد في مداخلته ان انخفاض الدينار ورفع الدولار مشكلة من مشاكل عديدة تعانيها الدولة العراقية وان سببها الرئيس هو الفشل في رسم السياسات العامة للدولة وهي مسؤولية الحكومة.
ان جميع الحكومات المتعاقبة على الدولة العراقية من 2003 وحتى الآن فشلت في رسم سياسة اقتصادية وإعطاء هوية معينة للاقتصاد العراقي، حيث كانت السياسة الاقتصادية هي سياسة مرتجلة وغير مدروسة.
توجد في العراق مصلحتان: مصلحة جهات متنفذة تشمل رجال سياسة ورجال اقتصاد، ومصلحة مواطن، ودائماً ما تكون الضحية بمصلحة المواطن في أي قضية ويكون حلها على حساب المواطن، وأحد تلك القضايا هي رفع سعر الدولار وتخفيض الدينار التي تسببت بضرر كبير حتى بالمشاريع الصغيرة.
وكان يفترض بالدولة أن يتم دراسة هذه الخطوة وارتداداتها قبل الإقدام عليها، خصوصاً وإن هذا الخطوة المتمثلة برفع سعر الدولار من 1190 إلى 1450 هي خطوة كبيرة، وإن المستفيد الوحيد هو المصارف التي تشتري وتبيع الدولار من المنافذ.
والنتيجة إن رفع سعر الدولار أمام الدينار أدت إلى الإضرار بالمواطن سواء كان موظفا أو مستهلكا أو قطاع خاص والمستفيد هو الطبقة السياسة والمتنفذة وأصحاب العلاقات الدولية.
حسين علي حسين:
يعتقد ان هناك جانبين للموضوع هما:
الأول: إن رفع سعر الدولار هو إجراء وقائي من الدولة لتلافي انهيار الاقتصاد لكنه أثر على أصحاب الدخول المحدودة.
الثاني: هناك الكثير من البدائل التي كان يمكن اللجوء إليها قبل رفع الدولار وهي تفعيل السياحة.
الدكتور حسين احمد السرحان:
يذهب الى ان هناك مجموعة سياسات اقتصادية (مالية، نقدية، تجارية) وإن سعر الصرف هو أحد فروع السياسة النقدية، لابُد أن يتم توليفها بشكل مدروس لتفادي التضارب ما بينها لتحقيق هدف ما المتمثل بتخفيض سعر صرف في العراق.
تسعى أغلب الدول لتخفيض سعر عملتها المحلية ورفع سعر الدولار، من أجل زيادة قدرة الاقتصاد على جذب الاستثمارات بحكم انخفاض كلفة الإنتاج بالنسبة للمستثمر الأجنبي، وتعظيم الإيرادات السياحية بحكم انخفاض الأسعار بالنسبة للسواح الأجانب، والحفاظ على العملة المحلية، وتقوية المنتج المحلي بمعنى إن تخفيض قيمة العملة يعني زيادة التصدير.
ما حصل في العراق هو عدم السيطرة على المنافذ الحدودية وخروج الدولار بقوة بحكم اعتماد الاستهلاك على الاستيراد الذي يتطلب الدولار لتحقيقه إضافة إلى تهريب الدولار، فكان هدف لجوء الحكومة لرفع سعر الدولار لتجنب تهريب الدولار والحفاظ على الاحتياطي الأجنبي الذي انخفض من 80 مليار دولار إلى 38 مليار دولار.
إن العوائد المتحققة من رفع سعر الدولار لم تستحق التكاليف المترتبة عليه، وبالإمكان إرجاعه لوضعه السابق لأنه قرار سياسي، وإن الورقة البيضاء هي خطة استراتيجية جيدة تحتاج لقرار سياسي يعمل على تطبيقها وما جاء في موازنة 2021 هو مخالف لما جاء في الورقة البيضاء.
اضف تعليق