q

عشيّة ذكرى استشهاد سيّد الكائنات، مولانا النبيّ الأعظم محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله، وكالسنوات السابقة، حضرت جموع من العلماء والفضلاء والمؤمنين والمعزّين من العديد من المدن والمحافظات الإيرانية, في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر صفر الأحزان 1439 للهجرة (17/11/2017م)، فألقى سماحته فيهم كلمة قيّمة بخصوص هذه الذكرى الأليمة.

في بدايته كلمته القيّمة، قدّم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، شكره وتقديره الوافرين إلى جميع الذين شاركوا في مراسيم الأربعين الحسيني للسنة الهجرية الجارية (1439/2017م)، بالأخص من شارك في تقديم الخدمات للزائرين والمعزّين الحسينيين، وقال:

كما انّ بعضنا يضطرّ لاقتراض المال والأموال لمعيشته ولحياته، فكذلك من باب أولى ومن الجدير أن نقترض أحياناً لإقامة الشعائر الحسينية المقدّسة، وأن نبادر لهذا العمل. ولا شكّ أنّه على المتقرضين أن يسدّدوا ما يقترضونه، ويؤدّوا الديون التي عليهم. وبما انّ هذا الاقتراض لا يُصرف في باب الحرام، ان عجز صاحبه من أداه أو لم يتمكّن من أدائه في حياته، فلا يبقى في ذمّته، من منظار الإسلام. وهذه القاعدة التي تسالم عليها بالإجماع قاطبة المسلمين، لا يُعمل بها في معظم الدول الإسلامية، بل ويقومون بحبس الشخص المقترض والمستدين إن لم يتمكّن من أداء ديونه وما اقترضه من الأموال.

وأوضح سماحته: إنّنا إن سعينا أو لم نسع إلى إقامة شعيرة الأربعين المقدّسة، فإنّ الله تبارك وتعالى قد وعد بأن تقام الشعائر الحسينية المقدّسة، أكثر حماساً وحرارة، يوماً بعد يوم. ولذا، فمن الأفضل لنا أن نسعى إلى الاستفادة من هذه النعمة الكبيرة، وأن لا نحرم أنفسنا من بركاتها وفيوضاتها.

وأضاف سماحته: أما الذين حاولوا بأيّ شكل من الأشكال، عرقلة الشعائر الحسينية المقدّسة، كأن منعوا أو حالوا دون مشاركة الزائرين في مراسيم الزيارة الأربعينية العظيمة، بالأخص من آذى الزائرين بأي شكل، فهؤلاء عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى، وأن يعتذروا من الإمام الحسين صلوات الله عليه. علماً أنّ الأحاديث الشريفة عن المعصومين صلوات الله عليهم تؤكد أنّ الله تبارك وتعالى لا يعفو عن الشخص المعتدي إلاّ بطلب الأخير الحلية والرضى من المعتدى عليه.

الخطبة (الفدكية) مع انّها كانت خطبة قصيرة، لكنها امتلأت بالمعارف الإسلامية الثمينة

 

انحرافات الخلفاء

كما أشار سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في كلمته القيّمة، إلى المقام الرفيع لمولاتنا السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، ومقام المعصومين صلوات الله عليهم، وقال: بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، خطبت السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، خطبة غرّاء. وهذه الخطبة (الفدكية) مع انّها كانت خطبة قصيرة، لكنها امتلأت بالمعارف الإسلامية الثمينة جدّاً. وهذه الخطبة أوجدت تغيّراً كبيراً وتحوّلاً في رؤية وعقيدة المسلمين ذلك الزمان، بحيث عرف الكثير من المسلمين بعد هذه الخطبة الكثير من الحقائق، واعترضوا على اعوجاجات وانحرافات الخلفاء. ومما قالته السيدة الزهراء صلوات الله عليها في هذه الخطبة، هو:

(أيّها الناس! اعلموا أنّي فاطمة، وأبي محمّد). وهذا القول هو عين البداهة والمعرفة، وتبيان لحقائق مهمّة. فلا شكّ انّ الحاضرين في خطبة السيدة الزهراء صلوات الله عليها، كلّهم كانوا يعرفونها ويعرفون أبيها صلى الله عليه وآله. ولكنّها بهذا القول منها صلوات الله عليها قد ألقت الحجّة ولم تبقي أيّ عذر وحجّة للمسلمين جميعاً، في المستقبل وكذلك في يوم القيامة. وعليه، فإنّ الذين اعتدوا على السيدة الزهراء صلوات الله عليها وعلى ابنها المعصوم السيد المحسن سلام الله عليه، وسبّبا استشهادهما، لن يبقى لهم أيّ عذر وحجّة عند الله تبارك وتعالى.

الحريّة الثمينة

وبيّن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: إنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله قد خلّف فينا، كنزين ثمينين جدّاً: (كتاب الله، وعترتي)، أي القرآن الكريم وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. ولكن مما يدعو إلى الاستغراب والعجب أنّ بعضهم قال: حسبنا كتاب الله! فأخذوا بواحدة من الاثنين التي أوصها بهما رسول الله صلى الله عليه وآله، وتركوا الأخرى. ولو راجعنا الحوادث في التاريخ المعاصر للدول الإسلامية، والثورات التي حصلت في السنين الستين والسبعين الأخيرة في بعض الدول كالعراق ومصر، وما رافقها من تغييرات وتحوّلات متتالية، وكذلك الفقر والحروب، والاضطرابات وفقدان الأمن والسلام الكثيرين، لوجدنا انّ العامل الرئيسي لكل تلك القضايا هو ابتعاد تلك الدول عن ثقافة الحريّة الثمينة الموجودة في الإسلام. ومن الشواهد على ما مرّ ذكره، هو ما كتبه أحد الصحفيين من إحدى الدول الإسلامية، حيث كتب: إنّ اطلاق رصاصة واحدة من بندقية في بعض الدول الإسلامية، يكفي ويوجب سقوط حكومة، ومجيء أخرى بمكانها، كما حدث في العراق زمن حكومة عبد الكريم قاسم بشكل دقيق. وكتب هذا الصحفي، أيضاً: بالمقابل، وفي لبنان مثلاً، لا تستطيع الملايين من الرصاصات أن تحدث تغييراً، لوجود نسبة من الحريّات في ذاك البلد.

الحكومة المشرقة

وأردف سماحته: في منطق الإسلام، يطلق اسم الحكومة على إدارة أمور البلاد. وأفخر نموذج في هذا المجال وفي القمّة، هي الحكومة المشرقة لمولانا الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه. وأما باقي الأمور، كالتجارة والقضايا الثقافية والاجتماعية، فهي وبشكل عام بيد الناس. فرئيس الحكومة الإسلامية يكون مراقباً وناظراً، وبعبارة أخرى محافظاً لحقوق المواطنين في المجتمع. ومن المصاديق البارزة والمهمّة للحريّة، هي حريّة الضرائب التي كانت مشهودة جيّداً في حكومتي رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. ففي هاتين الحكومتين، إن امتنع أحد من إعطاء وتسديد الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة، أو تظاهر بخلاف الواقع مثلاً بأنّه لا يتمكّن من التسديد والإعطاء، أو ليس في رقبته شيء لكي يُعطي، لم يصرّ الحاكم أو ممثّله أو من ينوب عنه، على ذلك الشخص بتسديد الخمس أو الزكاة، ولم يتجسّس عليه، ولم يغرّمه.

وقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: يوجد اليوم، في أغلب الدول الإسلامية، نسبة ما من الحريّة، فعلى المسلمين أن يغتنموا هذه الحريّة، ومن أجدر ما يجدر العمل به في هذا المجال القيّم، هو العمل والامتثال بقول مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها في خطبتها المعروفة بالفدكية، حيث خاطبت الناس، بقولها: أيّها الناس. أي أن نعمل على مخاطبة الناس في العالم أجمع. ومن الطرق المؤثّرة لتحقيق الهدف المذكور اليوم، هو تأسيس القنوات الفضائية، والصحف وباقي وسائل الإعلام، التي هي اليوم من أبسط الأمور.

الفقر والحروب، والاضطرابات وفقدان الأمن والسلام الكثيرين، سببها الابتعاد عن ثقافة الحريّة الثمينة الموجودة في الإسلام

 

ثلاثة معايير في الإسلام

هذا، وأكّد دام ظله، قائلاً: توجد في الإسلام ثلاثة معايير، لا رابع لها، وهي:

الأول: القرآن.

الثاني: نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.

الثالث: العترة الطاهرة لنبيّ الإسلام صلوات الله عليهم أجمعين. وهذه المعايير الثلاث، هي خطوط الإسلام الحمراء، التي لا يمكن الخدش بها، ولا يمكن التنازل عنها أبداً.

وأردف سماحته: بعد أيام قلائل من استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، بعث من سمُّي بالخلفاء، بعثوا من يجمع الزكاة، إلى القبائل وإلى المناطق أطراف المدينة. ولكن الكثير من الناس امتنع عن إعطاء الزكاة، وكان دليلهم على عدم الإعطاء هو أنّه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله كان الإمام عليّ بي أبي طالب صلوات الله عليه هو الذي يقوم بهذا العمل، أي أخذ الزكاة، أو الأشخاص الذين كانوا يعملون بأسلوب وطريقة النبيّ صلى الله عليه وآله، عينها، وأمّا أنتم (ويقصدون الخلفاء) فأسلوبكم وطريقتكم مغايرة لأسلوب وطريقة رسول الله صلى الله عليه وآله. ومع الأسف فإنّ اولئك الخلفاء ومبعوثيهم لم يعتنوا بقول الناس، فكانوا يستعملون القوة، ويرتكبون الجرائم الكثيرة ويأخذون الأموال من الناس ويرسلوها للخلفاء.

لا يعرف الكثير من الناس في العالم، الإسلام الحقيقي، ومن مسؤوليتنا أن نعرّفه إليهم

 

الإسلام الحقيقي

في ختام كلمته القيّمة، شدّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، بقوله: لا يعرف الكثير من الناس في العالم، الإسلام الحقيقي، ومن مسؤوليتنا أن نعرّفه إليهم، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وعندها لا يبقى علينا أيّ تكليف.

كما أأكّد على تعظيم وإجلال العزاء الحسيني المقدّس، وانّ كل ما يكون في عداد الشعائر المقدّسة الحسينية، فهو جدير ويليق العمل به. وإنّ إقامة مسيرة الأربعين الحسيني في كل نقاط العالم، هي قطعاً من الشعائر الحسينية المقدّسة، وهي ضرورة لا يمكن اجتنابها، وعدم القيام بها يعني بقاء مكان فارغ بين باقي الشعائر.

اضف تعليق