q

وراء كل فريضة فرضها الله على عباده حكايات وفوائد عظيمة، لكن إدراك العقل البشري اصغر من أن يفهم جميع الأمور، فبعد أن مضت سنوات طويلة على فرض تلك الواجبات استطاع البشر أن يصل الى بعض الفوائد والآثار الايجابية لتلك الأحكام التي طُلِبت من الإنسان والمحرمات التي نُهي عنها.

إن الإنسان أصبح اليوم يبحث عن الدلائل والدراسات العلمية ليقبل بأحكام الله حتى يؤدي تلك الفرائض أو يتجنبها ولا زال البعض يتجنب كلام الله ويركن الى عقله الجاهل ليبتعد عن تلك الواجبات !ويغفل عن أن الصيام موجود منذ بداية الخلق ولكنه اكتمل مع تطور العصور، ومن ثم أصبح من فرائض الإسلام وأصبح من أهم الإرشادات الطبية التي يوصي بها الأطباء كما ورد في الدراسات الأخيرة ، فبالإضافة الى الفوائد الروحية للصيام هناك فوائد جسدية له حيث يقوي النظام المناعي بشكل كبير.

فقد قام باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا بدراسة البشر والفئران في حالة الصيام عن الطعام لمدة من يومين الى أربعة ايّام متتالية خلال فترة كلية قدرها ستة اشهر وقد حث الصيام أجسادهم على التخلص من كل الخلايا الخاملة وإنتاج خلايا صحية جديدة، كما إن إحدى طرق إطالة عمر حيوانات التجارب هي ببساطة ان تقلل من استهلاكها للطاقة، لذا فإن للصيام أثر جيد على المخ، ويتوفر الدليل ليس من الحيوانات فحسب، بل من الإنسان أيضا.

كذلك يؤكد الأطباء والمختصين على أن الصيام جيد للجسم فهو يقلل من الالتهابات ويقلل من أكسدة الأعضاء الحيوية في كامل الجسم والصيام هو تحدي بالنسبة للمخ وتكون استجابة المخ لهذا التحدي عدم توفر الطعام بتفعيل مسارات متكيفة مع حالة الضغط من شأنها مساعدة المخ على التعامل مع الضغط ومقاومة الأمراض حيث يعيش الإنسان على ربع ما يأكل من طعام والثلاثة أرباع الأخرى يعيش عليها الطبيب الذي يعالجه !ويقلل الصيام من انزيم BKE بما يتيح المجال لتجدد الخلايا الجذعية كما ويقلل من مستويات هرمون المرتبط بالأمراض السرطانية.

وقد شبه احد القائمين على هذه الدراسة العملية بتخفيف الطائرة من الحمولات الزائدة قائلا عندما يجوع الجسم فانه يحاول توفير الطاقة وإحدى الطرق التي يتبعها لتوفير الطاقة هو إعادة تدوير الكثير من خلايا المناعة الراكدة والخلايا التالفة خاصة وينعش الخلايا ليرجع الفرد أفضل من ذي قبل ويبدأ حياة جديدة بعيدة عن الأمراض الروحية والجسدية.

لذلك قال رسولنا الكريم صلى الله عليه واله: صوموا تصحوا. وعليكم بالصوم فإنه محسمة للعروق ومذهبة للأشر وورد الصيام في القرآن الكريم في سورة البقرة آية 183: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم).

ثم بيّن الله تعالى عدد أيام الصيام ومن هم الذين باستطاعتهم ان لا يصوموا ان صعب الأمر عليهم فقال تعالى في سورة البقرة الآية185: (شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا او على سفر فعده من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).

الصيام في المسيحية

الصوم في المسيحية هو الإمساك عن الطعام لهدفين الأول من أجل الآخر (الإنسان) والخليقة والثاني العلاقة مع الله، وفي المسيحية ينقسم الصيام إلى عدة أقسام: منها الصوم الكبير (قبل عيد القيامة) والصوم الصغير قبل (عيد الميلاد). وحدد الرب أنواع الطعام التي يجب الامتناع عنها في الصوم استنادا إلى الكتاب المقدس وهي ما ورد في حزقيا (4 : 9): (أمر الرب حزقيال النبي بالصوم ثم الإفطار على القمح ــ البليلةــ والشعير والفول والعدس والدخن والذرة الرفيعة والكرسنة الكمون).

وكذلك الامتناع عن أنواع آخرها كما في صيام دانيال: سفر دانيال 1: 12 (الصيام عن أكل اللحوم وشرب الخمر كما صام وافطر آخر النهار على البقوليات).

الصيام في الديانة اليهودية

‎الصوم عند اليهود يرتبط بأيام معينة ومناسبات، تعبيرا عن الاستغفار والخطيئة اكثر منه مرتبط بمواعيد محددة ومن الأيام المشهورة التي يصومها اليهود، يوم الغفران، وهو صيام خمسة وعشرون ساعة متواصلة. فيبدؤون قبل غروب الشمس بحوالي الربع ساعة وينتهون في يوم الغفران بعد غروب الشمس بربع ساعة، ويصومون في ذكرى هدم هيكل سليمان، ويصومون في يوم وفاة نبي الله موسى.

ورد النص من سفر زكريا 8: 19 (هكَذَا قَالَ الرَبُّ: إِنَّ صَوْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَصَوْمَ الْخَامِسِ وَصَوْمَ السَّابعِ وَصَوْمَ الْعَاشِرِ يَكُونُ لِبَيْتِ يَهُوذَا ابْتِهَاجًا وَفَرَحًا وَأَعْيَادًا طَيِّبَة).

الصيام عند الهندوس

الهندوسية هي أكبر الديانات الهندية حيث يصومون حسب المناطق والديانات صيام بدايات الفصول، فبعضهم يصومون من شروق الشمس الى مغربها ويسمح لهم شرب السوائل، اما المناطق الشمالية فالمسموح تناول الفاكهة والحليب فقط، وفي العموم فإن الهندوس في صيامهم يمتنعون عن تناول اللحوم.

‎البوذية: عرف البوذيين الصيام ايضا، وصيامهم يعتمد على الشهر القمري، حيث يقوموا بصيام اربعة ايام من بداية هذا الشهر، إلا أن صيامهم يشمل الامتناع عن العمل بالإضافة عن الطعام، وبالتالي يجب ان يكون الطعام معدا قبل شرق الشمس، بحيث يتناولونه عند حلول الغروب.

الصيام عند الفراعنة

‎قام الفراعنة في الصوم، وهو عندهم تقرب للإله، وقد كانوا يصومون للنيل كونه مصدر الخير والعطاء بالنسبة لهم، وهناك فرضية جديدة تقول بان الفراعنة كانوا يصومون ثلاثين يوما من الفجر الى غروب الشمس، ويحتفلون بعد نهايته، إذاً فالصيام هو تقرب للإله في الديانات.

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): صوم شهر رمضان فرضٌ في كلّ عامٍ، وأدنى ما يتمّ به فرض صومه العزيمة من قلب المؤمن على صومه بنيّةٍ صادقةٍ، وترك الأكل والشرب والنكاح في نهاره كلّه، وأن يحفظ في صومه جميع جوارحه كلّها من محارم الله ربه، متقرّباً بذلك كلّه إليه، فإذا فعل ذلك كان مؤدّياً لفرضه.

وأشارت الروائية أحلام مستغانمي قائلة: لا أعرف غير الصيام فريضة، توسع الصدر، وتقوّي الإرادة وتزيل أسباب الهم وتعلو بصاحبها الى أعلى المنازل فيكبر المرء في عين نفسه ويصغر حينها كل شيء في عينه، ويعيش حالة من السمو الروحي لا يبلغها إلا من يتأمل حكمة الله من وراء هذه الفريضة.

إن شهر رمضان ينعش الخلايا الميتة في الجسد، ليست الخلايا فقط، بل الضمائر أيضا تستفيق رويدا من نومها العميق وتستشعر ما يجري حولها، ويبدأ الإنسان بمساعدة بني جلدته، إن شهر رمضان حياة للجميع إن فتحوا أبواب التغيير ولم يضعوا الوصفة جانبا وعملوا حسب الإرشادات الصحيحة.

اضف تعليق