q

في ظل بدء العمليات العسكرية لتحرير مدينة الموصل من العصابات الإرهابية داعش، والتي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المُسلحة، الدكتور حيدر العبادي، والتقدّم السريع للقوات المُسلحة المُكلّفة بتحرير مدينة الموصل، وهُم يدكّون أوكار التنظيم الداعشي الذي إستباحها قبل عامين، ومع ختام الساعات الـ 24 الأولى من عملية تحرير المدينة الواقعة في شمال العراق، أعلنت القوات العراقية المُشتركة تحرير نحو (20) قرية بالقرب من الموصل، بينما تصاعد الدُخان الأسود فوق موقع لتنظيم داعش الإرهابي الذي يُسيّطر عليها، نتيجة لحرائق أشعلها في مُحاولة لإعاقة توغّل القوات الأمنية وجعل الضربات الجوية أكثر صُعوبة.

يرى خُبراء أمنيون ومُراقبون في كربلاء المقدسة، إنّ معركة الموصل ستكون قريبة الحسم ولأسباب أهمّها من رآه القيادي في الحشد الشعبي الشيخ الدكتور فراس المسلماوي "التسليح العالي والعزيمة والإندفاع لطرد الدواعش من الموصل في ظل دعم جوّي للتحالف الدولي، التنسيق العالي بين بغداد وأربيل من جهة وبين القطاعات العسكرية والحشد الشعبي من جهة أخرى، الجو السياسي المُلائم الحالي والتوافق على توحيد الموقف تجاه عمليات التحرير والتدخّلات الخارجية، إنتفاضة أبناء الموصل الشرفاء من الداخل والذي جعل التنظيم يتخبّط بشكل واضح، الإعداد المُبكّر والخُطط العسكرية ومُداهمة العدو في عدّة جبهات في آنٍ واحد لقطع الطريق أمامه بشكل تام، الدعم المعنوي والإعلامي لأبناء القوات المُسلحة والحشد الشعبي والفصائل الأخرى وهم يُسطّرون أروع الملاحم البطولية".

فيما يرى المُحلل العسكري، وفيق السامرائي، إن "اليوم الأول من عمليات تحرير نينوى جاء على غير المُتوقّع، فالقوات تتقدّم بأسرع ممّا خُطّط له، وهي قادرة تماماً على حسم الموقف، حتى إن تطلّب الأمر وقفات تعبوية، إنّ الخوف من حمامات الدم في الموصل التي يتحدّث عنها مسؤولون خليجيّون ليست إلا في مُخيّلة جرائمهم في العراق ودول عربية والعالم، فلا يجوز ترك مساحة سياسية للخونة الذين تسبّبوا في تأجيج الموقف وسقوط الموصل تحت لافتة مُصالحة الفاسدين، أما القوات التركية فهي عاجزة عن التدخّل، وخياراتها محدودة للغاية، وفشل زيارة نائب وزير الخارجية التركي لبغداد في تسويق تغلّغلهم ولم يبق لـ (إردوغان) إلا مسعود وخونه من الموصل وقرارات متهوّرة ستجعل مصيره أسوأ من (صدّام) إن لم يلجأ الى العقل، فيما يُحاول (مسعود) تسويق نفسه لفرض وجوده غير الشرعي، ولن ينسى العراقيون تصريحاته ومواقفه الغادرة في بدايات حرب داعش "مشيراً الى إن "أهل الوسط والجنوب أثبتوا مرّة أخرى وطنيتهم ووحدويّتهم وإنسانيّتهم بأروع ما يُمكن في عمليات نينوى وهو ما سيُعيد التلاحم الوطني، وملأوا قلوبنا حباًّ".

من جانبه يرى الباحث في شؤون الإرهاب، الكاتب الصُحفي علي الطالقاني "هناك رفض لوجود داعش من قبل مجاميع قتالية مُتستّرة في الموصل، فضلاً عن إنّ بعض العشائر قد تغلق أبوابها في وجه التنظيم، كذلك يُمكن أن يشُن سلاح الجو العراقي بالتنسيق مع التحالف الدولي ضربات جوية مدعومة بالسيطرة على نظام الاتصالات وتأمينها بين المواطنين والقوات الأمنية، وإتّخاذ مُعسكرات الجيش مقراً للقوات الأمنية لها، فإنّ مُعسكر الغزلاني ومطار الموصل موقعان مُهمّان لإنطلاق العمليات ضد تنظيم داعش "كاشفاً عن "يُقدّر عدد المواطنين المؤهّلين للخدمة العسكرية في الموصل بحسب التقديرات نحو مائة الف مُقاتل من الشباب، وإنّ الأخبار الواردة والمُتابعات الميدانية تؤكّد على إنهيار عصابات داعش، حيث اليوم الأول من العمليات التي حقّقت من خلالها القوى الأمنية ضربات نوعية لتنظيم داعش، حيث تمّ وصول تعزيزات من القوات الأمنية العراقية مُعزّزة بالحشد الشعبي لمنطقة (الحود) مع إستهداف جوّي لحي الزهور في الموصل وقتال من قبل الشرطة الإتحادية والرد السريع وصولاً الى منطقة الشورة، إضافةً الى مقتل المسؤول في داعش عن قاطع الحود بجنوب الموصل المدعو (عبد داوود الجبوري)، وكذلك التقدّم في الحمدانية من قبل قوات مُكافحة الإرهاب والجهات الساندة للجهاز، أما تنظيم داعش فبدأ ينهار في عدّة مناطق منها(بخديدا، برطله، كرمليس، وبعشيقة".

فيما يرى التدريسي في كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة بابل، الباحث الدكتور جواد البكري، إنّ "معركة تحرير الموصل تختلف عن كل المعارك السابقة لمجموعة من الأسباب من أهمّها جغرافية الموصل، فالموصل تُحادد سوريا من خلال ثلاثة أقضية وتُحادد تركيا وتُحادد الأكراد، ولم يتبقّى إلا مُحورين من المُمكن النفاذ من خلالهما الى الموصل، كل هذه الأطراف فضلاً عن المُحور الخليجي بقيادة السعودية والولايات المُتّحدة الأميركية تُريد التدخّل في عملية التحرير لإدراكها أنّ التحرير حادث لا مُحاله، وللحصول على موطئ قدم في المشهد السياسي العراقي، لذلك فإنّ الوضع ما بعد تحرير الموصل سيكون أعقد من وضع ما قبل التحرير، ويبقى الموضوع مُناط بعدّة إعتبارات من أهمّها موقف الحكومة العراقية وإدارتها للأزمة بعلمية ومُشاركة الحشد الشعبي في معركة التحرير، إذ إنّ مُشاركة الحشد تُعد مُهمّة جداً للحيلولة دون التدخّل الخارجي، فأغلب القوى الخارجية لا تخشى في الحقيقة الموقف الحكومي الضعيف، وتخشى من مُواقف الحشد التي تنُم عن القوة والتحدّي".

وعن الأبعاد الرمزية لمعركة الموصل تحدّث إلينا الكاتب الدكتور علي حسين يوسف قائلاً "سوف تتحرّر الموصل لتعود الى الدولة العراقية، وهذا أمر مفروغ منه، فكلّ المؤشّرات من ساحة المعركة تُؤكّد بأنّ الجيش العراقي يُحقّق تقدّماً سريعاً نحو أهدافه، وإنّ داعش تخسر مواقعها بصورةٍ لم تكن تدور بحُسبان الخبراء العسكريين، ومُنذ فجر يوم أمس وحتى الساعة الـ 24 التي مضت، تتلاحق أخبار الانتصارات وإنكسار فلول التنظيم، حتى بات الجميع يترقّب ساعة الحسم القريبة جدّاً بإذن الله تعالى "مشيراً الى "لكن الأمر الذي حقّقه تحرير الموصل على المُستوى الرمزي ربّما لا يقل أهمّية عن عملية التحرير ذاتها، أقصد أنّ الموصل أصبحت مُثابة، فعندها إلتقى العراقيون جميعاً بقلوبٍ مُلؤها الحماس الوطني، فالأخوة الكُرد وكافة الأقليات والتيارات السياسية تناسوا خلافاتهم ليسموا هُم والجميع نحو الإنشغال بقضية وطنية عراقية خالصة، لذلك يُمكن القول أنّ العراق ما زال بخير والموصل تشهد".

أما الكاتب الصُحفي ضياء الموسوي فيرى "إنّ ما يجري اليوم من عمليات لتحرير الموصل هو عملية عسكرية ناجحة من كافّة الجوانب حسب ما يراها العراقيون والعالم أجمع، حيث تعاضد فيها الجانب الوطني والعسكري والإعلامي وإتّحدت كل الجُهود نحو هدف واحد هو الإنتصار في هذه المعركة، ونرى إنّ الجُهد الإعلامي الذي سبق العمليات وما زال كان على مُستوى عالٍ من المهنية والأداء الوطني، ولأول مرةٍ يتعامل الإعلام العراقي مع العدو بأدوات الحرب النفسية التي تُعد السلاح الأهم في تقويض القدرة الدفاعية لدى العدو".

وبالطبع لا تُمثل المعركة في الموصل، وهي المدينة الأكبر تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي الذي إستولى على أجزاء من العراق وسوريا عام 2014، تحدّياً عسكرياً وحسب كما يراه الخُبراء الأمنيّون والمُراقبون للأحداث الموصلية، وإنّما تحدّياً إنسانياً كبيراً، فالقضاء على داعش يعني القضاء على الإرهاب والتطرّف والقتل والنزوح والتهجير والسبي و.... الخ، وعودة الأمن والأمان والحياة للعراق أرضاً وشعباً.

اضف تعليق