q

تحقيق: علي صحن عبد العزيز
تصوير: مصطفى علي

 

(ميRO الدبة بـ500) أول الطلبات الصباحية من قائمة المصروفات البيتية، تعودنا على سماعها منذ لحظة استيقاظنا صباحا، من سماعة بائعي (المياه المعدنية) بالستوتات الذين يتجولون في الأزقة والشوارع، بغض النظر عن أنها معقمة أو تمت معالجتها صحيا، والمواطن هو الخاسر ماديا وصحيا من تلك الجولة، ومعظم الأسواق المحلية تعج أمام محلاتها بمختلف هذه الماركات من قناني المياه بكافة أحجامها، المغشوشة والمستهلكة منها، نتيجة تعرضها لأشعة الشمس وارتفاع درجة حرارتها، وكذلك افتقارها إلى أبسط شروط التخزين والسلامة الصحية، مع غياب ضمير بعض أصحاب هذه محطات التحلية والأسواق والبائعة المتجولين.                       

الزاوية الحرجة

عند تجوالنا لمحطات تحلية وتصفية المياه، ومن خلال حديثنا معهم وجدنا أغلبهم وللأسف الشديد نقولها، غايتهم الربح المادي السريع وبأي طريقة كانت، وشاءت الصدفة وفي منطقة الباوية القريبة من حي المعامل شرق العاصمة بغداد، أن يكون بداية  حديثنا مع صديقا لنا، كان صنفه بالخدمة العسكرية أيام الثمانينيات (طباخا)، قال لي وأشترط بعدم ذكر أسمه وعنوان محطته: أننا نقوم بعملية تصفية وتحلية المياه، ثم نقوم بخزنها في خزانات كبيرة، نظرا لكثرة الطلبية المتزايدة، بالتزامن مع ارتفاع  درجة الحرارة والانقطاع المستمر من محطات ضخ الإسالة، بالإضافة إلى كثرة الفواتح والأعراس هذه الأيام، فتذكرت القول (مصائب قوم عند قوم فوائد)، وأستمر حديثنا عن تاريخ الإنتاج ومدة نفاذه، فقال لنا وبصريح الكلمة: "نحن نتحكم بها من خلال اتفاقنا مع أصحاب المطابع الأهلية، بالليبل الذي يتم لصقه على ألقناني  وبمختلف الأحجام والماركات وحتى المواصفات الفنية  للمياه المعبئة، وما زاد الأمر سوءا ،وبمخالفة إنسانية واضحة، هو وقوع أنابيب تغذية المياه الخابطة لمحطة تحت مجاري المياه الثقيلة، ونضوحها واضحا للقاصي والداني، والصورة المرفقة مع موضوعنا خير دليل على ما نقول، ولا أدري ماذا سيكون طعم الماء بعد هذه الحالة، أذا كانت القاعدة العامة، ليس له لون وطعم ورائحة، واختتمت أسئلتي معه، وماذا بشأن معالجتها بالأشعة فوق البنفسجية فقال لنا: أنها فلم هندي فلا تصدقها!.

المخاطر الصحية

بداية أكد لنا الطبيب عمار نوفل الياسري اختصاص باطنية وأمراض الجهاز الهضمي: "أن مرور أنابيب سحب المياه لمحطة التصفية تحت مجاري أو الساقيات المفتوحة للمياه الثقيلة، فيه خطورة على صحة الإنسان، حيث تتأثر تلك المياه المسحوبة بالرائحة، بالإضافة إلى وجود مسامات يمكن النفوذ من خلالها، وبالتالي فأنها تسبب أمراضا كثيرة يمكن أن تفتك بالإنسان، كالتايفوئيد وحمى الكوليرا والإسهال الشديد مصحوبا بالمغص في الأمعاء، مؤكدا أن أفضل معالجة يمكن اللجوء إليها هي بغليان الماء، أو استخدام الأقراص المعقمة التي يتم توزيعها على المواطنين من خلال المراكز الصحية والمستشفيات بشكل دوري.

أما المؤشرات والفحوصات الأولية الدالة على تلوث المياه والتي يمكن معرفتها بعد التناول، فهي اضطرابات الجهاز الهضمي والتقيؤ، وفي حالات خطرة تؤدي إلى الوفاة نتيجة الإسهال الشديد والجفاف، وهذه غالبا ما تكون للاطفال  دون سن (11) عاما.

رقابة ضعيفة جدا

فيما أضاف معاون الطبيب أحمد عبد الحسين شبرم مسئول شعبة الأمراض الانتقالية في المركز الصحي لحي الأمام المهدي (ع): أن إجراءات فحص المياه للمنطقة تتم  بثلاث مواقع منتخبة، أبتداءا من محطة الإسالة مرورا بوسط المنطقة ثم آخرها، وأيضا بثلاث أوقات متفاوتة، وعادة ما ترسل تلك العينات إلى المختبر المركزي في ساحة الأندلس، والنتائج وكما يقولها تكون (عكارا)، بمعنى عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري لاحتوائها على الكثير من العوالق والشوائب، ونأمل من وزارة الصحة متابعة ما يرسل أليها من تلك المختبرات ومعالجة السلبيات منها.

آراء المواطنون

يرى المواطن ياسين مشني السلمي: أن لابد من توفر الشروط الصحية لمحطات تحلية المياه، وتقديم المخالفين منهم للجهات المختصة ،واتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم، مثل فرض الغرامة المالية وغلق المعمل، وعدم افتتاحه ما لم يكن مستوفيا للشروط الصحية الخاضعة لوزارة الصحة والبيئة، ودائرة السيطرة النوعية، وأضاف قائلا: نظرا لكثرة الازدحامات المرورية وارتفاع درجة الحرارة، فأننا نضطر إلى شراء القنينة الصغيرة بسعر (250) دينار، ولا نعرف مصدرها أو صلاحيتها.

وفي ذات السياق قالت الموظفة وفاء حسين أنها كانت تظن أن المياه المعبئة خاضعة للرقابة الصحية، وأن هذه القناني (سر مهر) أي أنها مقفلة ولا يمكن التحكم بها، لكنني فوجئت بوجود محلات في منطقة الأورفلي وجميلة الصناعية، تنتج تلك (الأقفال البلاستكية ) ولكافة الأحجام والأغراض التجارية، ويكون استخدامها بالضغط عليها من الأعلى باتجاه الأسفل، بالإضافة إلى مسألة في غاية الأهمية، أن اغلب البائعة المتجولين يملؤن خزاناتهم البلاستكية من محطات ضخ المياه الإسالة وهي مضرة صحيا لسرعة تفاعلها، وتكوين طحالب بلون أخضر يمكن مشاهدتها بالعين المجردة، ويتم بيعها على أنها مياه صافية وصحية مع أضافة مادة الشب والكلور.

غير أن شهاب عزيز ألبدري كحامي في شؤون الشركات يقول: البعض بدأ بالاحتيال حتى في أسعار بيع المياه، والسبب هو كثرة المصانع الأهلية وخصوصا مع بداية فصل الصيف، نتيجة الإقبال المستمر عليها، وهي معامل أهلية تفتقر إلى أبسط شروط السلامة المهنية والصحية، فمن حيث مساحة المصنع  يجب أن  لا يقل عن خمسة عشر متر مكعبا، وأن تطلى السقوف بالدهان الزيتي وكذلك أيضا إن تكون مواد البناء من الطابوق والأسمنت مع تغليف قاعة الجدران بالكاشي، وتجديد الأجازة كل مدة سنة، وتبديل الفلاتر بشكل دوري، والفحص الصحي للعامين وأشراكهم بدورات تثقيفية موظف طلب منا عدم ذكر أسمه خوفا من العقوبة الادارية قال لنا :عدم صيانة مجاري المياه الثقيلة ونضوحها المستمر، يؤدي إلى تلف شبكات توزيع المياه، وكما تعرفون فأن مجاري المياه الثقيلة نتيجة قدمها وعدم الصيانة المستمرة لها، مما يسهل عملية الامتصاص ونقل كميات كبيرة منها داخل الشبكة.

الماء الصالح للشرب ونسبة الملوحة

جمعنا أسلتنا وتوجهنا بها إلى المركز(جبال الأوزون) لمعالجة مياه الشرب، الاستشاري البايلوجي أسعد فريد ألنعيمي ليحدثنا عن نسبة الأملاح المسموح بها، وكذلك بعض الطرق لمعالجة المياه السائدة فقال: هنالك عدة مصادر طبيعية لزيادة نسبة الأملاح بالماء، ومنها ظاهرة هطول الأمطار وما يمكن استثماره من أملاح، نتيجة اندماجها مع التربة، وكنسبة تمكنا من أخذ عينات من نهر دجلة، فأنها تكون 28:19 /ملغم /1لتر ، وهي تكاد تكون دولية ما عدا الدول الصناعية بسبب التلوث الصناعي بالأنهار، إلا أن النعمة التي أنعم الله تعالى بها علينا، بوجود الرافدين دجلة والفرات، قد خففت الكثير من نسبة التلوث، بالإضافة إلى إن نوعية ترابنا خصبة وفيها الكثير من الأملاح، ولذا فأن جميع الدراسات التي قام بها مركزنا، وبالاستعانة بالخبرات الدولية ومنها شركة cgc الفرنسية  وشركة  mainالأمريكية، وتلك النسبة يجب أن تكون متعادلة بين التعادل القلوي والتعادل الحامضي 7.8:2.8 وهذه نسبة مثالية في عملية اكتمال البناء الصحي، والاستثمار الأمثل له في جسم الإنسان، ونقصان تلك النسبة يؤثر على الجهاز العصبي وتصلب الشريان ومضاعفات مرضية أخرى، أما الطريقة التي يمكن التعامل بها في المناطق النائية، فهي غليان الماء لدرجة مقبولة، حتى لا تذوب تلك النسبة، وأختتم قوله بشأن مادة الكلور المستخدمة على نطاق واسع في عمليات التعقيم، فيجب أن يكون استخدامها قبل الشرب بساعتين، وبعدها بنفس المدة الزمنية، لأن وجودها وتراكمها أو استخدامها بشكل مفرط، يؤدي إلى أمراض خطيرة وسامة جدا، كالإصابة بأمراض الكلى والدم والجهاز الهضمي، لأنها تتفاعل مع الشبكات الأرضية الناقلة للمياه والمصنوعة من مادة (الأسبست) لأنها تكون مادة تسمى (الهالوميثان)، وهي مادة مسرطنة وبكتيرية ومضرة صحيا في آن واحد.

اضف تعليق