q

الثقة بالنفس هي أحساس الشخص بمكانته وقيمته الاعتبارية في المجتمع، ومدى ما يتمتع به من احترام وقبول لدى أفراد المحيط الذي يعيش فيه، حيث تترجم هذه الثقة كل حركه من حركات وتصرفات الشخص، والإنسان الواثق من نفسه يتصرف بشكل الطبيعي دون قلق أو رهبة، فتصرفاته هو من يتحكم بها وليس غيره. ومن هنا فإن ثقتنا بأنفسنا تعني قدرتنا على النجاح لكون الثقة في النفس هي مصدر المبادرة والمحفّز الأهم للانطلاق نحو الأمام، وهي دافع مستمر لسيرنا قُدُما في حياتنا ومشاريعنا، كما أنها تحركُ فينا روح المثابرة، لذلك تعتبر الثقة بالنفس إحدى أهم المهارات النفسية التي يجب على كل شخص امتلاكها اليوم، سواء على الصعيدين الشخصي أو المهني، إضافة إلى ذلك فإن الكثير من المواقف والتجارب تتطلب منك أن تتحلى بهذه الثقة وأن تظهر واضحة في كلامك وسلوكك، لكي تكون قادرا على أن تقنع الأشخاص من حولك بأفكارك وآرائك ومشاريعك الفكرية والعملية.

وفي إطار فهمنا للشخصية النرجسية، في البدء علينا أن نفهم ماذا تعني النرجسية، إنها نوع من الأنانية المفرطة والإعجاب بالنفس المبالغ فيه، يصحبه سعي مستمر لإشباع النفس ذاتيا أو بمساعدة الآخرين، ويتصف الأشخاص الذين يعانون من التضخم النرجسي بالعجرفة والتعالي وكثرة المطالب، مع سعيهم المفرط والمستمر لنيل إعجاب الآخرين، وجذب الانتباه لهم، حيث يضن النرجسيون بأنهم من جنس أرقى أو أنهم متفوقون على غيرهم بالمزايا والصفات والذكاء وما شابه، وغالبا ما يفضل الذين يعانون من النرجسية الارتباط بأشخاص يعتقدون بأنهم فريدون أو موهوبون بطريقة ما مثلهم.

ويعزز هذا الارتباط لديهم حب الذات وثقتهم بأنفسهم التي عادة ما تبدو هشة حينما تطفو على السطح.

من هنا فأن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير على تضخيم النرجسية والثقة بالنفس لدى مستخدمي هذه المواقع، وغير معروف ما إذا كانت طبيعة النرجسيين تدفعهم نحو مواقع التواصل الاجتماعي، أم أن طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي هي التي تجعل من مستخدميها وروّادها أكثر نرجسية، وربما يكون الأمر مزيجا من هذا وذاك، ويعتقد بعضهم أن النرجسية ربما انتشرت بسبب تأثير بعض الثقافات القادمة عبر وسائل العولمة، ثم أدى ذلك بطبيعة الحال إلى انعكاس ظهورها على شبكات التواصل الاجتماعي، لكي تصبح هذه المواقع على هذه الدرجة من الشعبية.

وهناك من يرى أن الأشخاص الذين يتصفون بالنرجسية يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة لتكوين حياتهم التي أرادوها في الواقع، وقد يسهم ذلك في زيادة ثقتهم بأنفسم، وأشارت بعض الأبحاث الى مستخدمي نوع من مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) بأن من يقوم بنشر حالة له كل بضعه دقائق عن نفسه، ويقوم بنشر صور له طوال الوقت فإن احتماليه أصابته بالنرجسية تكون عالية.

تأثير مواقع التواصل على النرجسية

ولغرض التعمّق أكثر في فحوى الموضوع وفهمه بصورة أفضل، قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بجولة استطلاعية وطرحت بعض التساؤلات حول الموضوع على أصحاب الاختصاص والمهتمين، وكان السؤال الأول: (هل لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيرا في مضاعفة النرجسية لدى مستخدمي هذه المواقع).

وقد أجابتنا الباحثة الاجتماعية (إيمان عبد الباقر) بقولها: إن مواقع التواصل الاجتماعي ليست مصممه لأشخاص معزولين، فهي تؤسس لعلاقة بين المستخدمين في آن واحد، ويبدو أن الشخص النرجسي له دور محوري في تطور هذا المجال.

وأضافت (إيمان): من المهم أن نتذكر هذه الملاحظات التي تنم عن وجود علاقات بشرية فحسب، فهي ليست دليلا على أن مواقع التواصل الاجتماعي تسبب النرجسية أو العكس، ومن الناحية النظرية نشك بحمل الشخصية لميول نرجسية مسبقة قبل دخول مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان الدليل المتوفر في الوقت الحاضر يشير إلى وجود علاقة بين الاثنين.

وفي الإطار نفسه التقينا الطبيب بعلم النفس (محمد مظهر) فأجابنا عن سؤالنا قائلا:

على الأرجح أن القصص التي سمعتها عن الشخصية النرجسية المتفوقة في مواقع التواصل الاجتماعي هي قصص صحيحة، فعندما تتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، فإنك تتعامل مع نرجسية بحجم اكبر مما هي عليه في الواقع، ومن شأن هذه الملاحظة أن تشوه تصورك عن العالم فتراه أكثر نرجسية عما هو عليه، كما أن تعزيز الثقة بالنفس يمكن تطويره عبر هذه المواقع.

كذلك وجهنا سؤالنا الى شاب يبلغ من العمر(20) عاما (يوسف كاظم) فقال:

أنا استخدم مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، ولاحظت أن هذه المواقع قد تمتلك تأثيرا ايجابيا على تقدير الذات لدى مستخدم هذه المواقع، لأنه في الغالب يظهر النسخة الايجابية من أنفسنا وكذلك يمكنه أن يعزز ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك.

ويكمل (يوسف) قائلا: إن النرجسية قد يتصف بها البعض لعوامل أخرى ولا تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي على زيادة أو تكوين النرجسية لدى البعض.

ثم طرحنا سؤالنا على الصحفي (عبد الله الزيدي) فأجابنا بالقول:

كل منا يملك ميولا نرجسية، وأصبحنا أكثر وعيا بصفاتها ببساطة، بسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وأضاف: لا يمكن أن أتصور بأنّ مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون سببا في اضطراب الشخصية، بل أنظر إليها كوسيلة تعبير عن الرأي ومجال نجد فيه حرية للتعبير عن وجهات نظرنا حيال قضايا كثيرة شخصية وجماعية، وقد يكون بعضها مصيريا، كما هو الحال في ردود فعل المواطنين على بعض الأحداث الأمنية أو القرارات السياسية والاقتصادية والقضائية وسواها.

كيف نقلل من النرجسية؟

هناك سبل عديد لتحقيق هذا المأرب، عن طريق العلاج السلوكي والمعرفي والذي يتركز على إزالة العادات والمعتقدات والسلوكيات السلبية من داخل الشخص، مع الحرص على إحلال صفات ايجابية مكانها، تساهم في حل المشكلة، وهناك طرق أخرى منها العودة للحقيقة، والتقليل من التعامل مع العالم الافتراضي بقدر الإمكان والعودة إلى نشاطات الحياة الواقعية، وكذلك الخروج مع الأصدقاء بدون هواتف نقال، وممارسة الرياضة، والرفق بالحيوانات الأليفة، وأيضا تقليل التصديق بكل ما تراه في مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامه كوسيلة سريعة ومتقدمة للتواصل وليس وسيلة للتزييف والغيرة والحقد.

اضف تعليق