q

بروس ريدل

 

تبلغ الحرب في اليمن هذا الشهر عامها الثاني. وهي تدور بين تحالف مؤلّف من دول عربيّة ثريّة في غالبيّتها تقوده المملكة العربيّة السعوديّة ويدعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتحالف هشّ مؤلّف من متمرّدين حوثيّين شيعة ومؤيّدين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي يتمتّع بدعم إيرانيّ. ومع أنّ مؤيّدي هادي المدعومين من السعوديّة يزعمون من حين إلى آخر أنّ النصر قريب، إلا أنّ احتمال انتهاء الحرب ضئيل. ويدفع الشعب اليمنيّ، وهو الأكثر فقراً في شبه الجزيرة العربيّة، الثمن غالياً.

إنّ هذه الحرب هي حرب الملك السعوديّ سلمان بن عبد العزيز آل سعود. صعد سلمان إلى العرش في أوائل العام 2015 بعد وفاة شقيقه عبدالله. وعيّن نجله المفضّل، الأمير محمد بن سلمان، وزيراً للدفاع. طارد المتمرّدون الحوثيّون هادي إلى أن أخرجوه من صنعاء، وبدوا مستعدّين للسيطرة على البلاد بأسرها. فهرب هادي والتجأ إلى الرياض. وفتح الحوثيّون رحلات تجاريّة مباشرة من صنعاء إلى طهران، عدوّة السعوديّة، واتّخذوا خطوات أخرى لتقوية علاقتهم القديمة لكن المحدودة بإيران.

ذعرت الرياض. وخشي سلمان نشوء دولة إيرانيّة دمية على حدوده الأكثر ضعفاً، خصوصاً في ظلّ مطالبة 27 مليون يمنيّ خاضعين للنفوذ الإيرانيّ بتوزيع عادل لثروات شبه الجزيرة العربيّة. فأعلن السعوديّون إنشاء تحالف لدعم هادي وإعادته إلى السلطة في صنعاء. وسرعان ما أوضح بعض الشركاء المعلن عنهم، بما في ذلك عمان، الجارة الأخرى الوحيدة لليمن، وباكستان، أنّهم لن يشاركوا في الحرب. وصوّت البرلمان الباكستانيّ بالإجماع لعدم المشاركة في الحرب. ومنذ ذلك الوقت، لم يزر سلمان مسقط، علماً أنّه زار عواصم مجلس التعاون الخليجيّ كلّها، وفي سياق رحلته هذا الشهر إلى ماليزيا وبروناي وإندونيسيا واليابان والصين والمالديف، سيطير فوق عمان متّجهاً إلى القمّة العربيّة في الأردن.

وسرعان ما بات واضحاً أنّ وزير الدفاع الشابّ لا يملك خطّة للانتصار أو لإنهاء الحرب. فمع أنّ الحملة تحمل اسم "عمليّة عاصفة الحزم"، إلا أنّه لم يُتّخذ أيّ قرار بعد على الرغم من مرور سنتين. لقد كان الأمير الشابّ في البداية الوجه العامّ للحملة، لكنّه يفضّل الآن مناقشة خططه الطموحة للإشراف على التحوّل الاقتصاديّ للمملكة إلى رؤية السعوديّة 2030. وعانت البلدات الحدوديّة السعوديّة من هجمات الحوثيّين المضادّة بالقذائف والصواريخ. ولا يُسمح للمراسلين بدخولها.

نجح السعوديّون والإماراتيّون في منع المتمرّدين من السيطرة على عدن. وبعد نزاع مطوّل، بسطت حكومة هادي سيطرتها على غالبيّة أجزاء اليمن الجنوبيّ السابق، لكنّ سيطرتها هشّة خارج عدن. ويقول الناطقون باسم هادي إنّ النصر قريب. ووعد أحدهم بأنّ سقوط صنعاء وشيك هذا الشهر، لكنّ حدوث ذلك يبدو مستبعداً.

وحتّى لو استعاد السعوديّون سيطرتهم على صنعاء، سوف تواجه المملكة صراعاً مطوّلاً، ولانهائيّاً على الأرجح، لتهدئة الحوثيّين. فالسعوديّون يحاربون الحوثيّين منذ أكثر من عقد على طول الحدود في سلسلة من الحملات الصغيرة التي تعود إلى العام 2004. ثمّ تحالف السعوديّون مع صالح. وتشعر الأكثريّة الشيعيّة الزيديّة في الشمال بنفور كبير تجاه الوهابيّة السنيّة السعوديّة.

أدرك والد سلمان، الملك ابن سعود، وجميع أشقّائه الذين حكموا منذ العام 1953 أنّ اليمن مستنقع قادر على امتصاص الموارد. فشنّ ابن سعود حرباً على اليمن في الثلاثينيّات، لكنّه أبقى أهدافه محدودة. وغالباً ما اعتبر الملوك الذين خلفوه السياسة اليمنيّة والسياسيّين اليمنيّين مثيرين للإحباط وغير مستجيبين للنفوذ السعوديّ. لكنّهم تفادوا جميعاً خوض نزاع مفتوح.

لقد استفاد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة من الحرب. ولهذا السبب، نفّذت الإدارة الأميركيّة منذ كانون الثاني/يناير هجمات جويّة ضدّ أهداف التنظيم أكثر ممّا فعلت إدارة إوباما في العام 2016 بكامله. وتبدو مهاجمة تنظيم القاعدة خطوة منطقيّة – فهو خطر كبير على مصالحنا – لكنّها جانب ثانويّ من الحرب اليمنيّة. فطالما أنّ الحرب مستمرّة، سوف يجد التنظيم الكثير من المساحات غير الخاضعة للسيطرة لكي ينمو فيها والكثير من اليمنيّين الغاضبين لكي يضمّهم إلى صفوفه.

إيران هي المستفيد الأكبر. فدعمها للحوثيّين لا يكلّفها الكثير، بما أنّ توفير مستشارين إيرانيّين وآخرين تابعين لحزب الله ونقل بعض الأسلحة لا يشكّل كلفة كبيرة على طهران. لكنّها تستفيد من البروباغندا من خلال مساعدة اليمنيّين ضدّ السعوديّين. وتستفيد من إقحام عدوّتها في نزاع مهمّ استراتيجيّاً بالنسبة إلى الرياض وهامشيّ بالنسبة إلى طهران. وسوف يسرّها أن ترى أميركا تتخبّط في اليمن أيضاً.

لقد حاولت منّظمة الأمم المتّحدة وقف إطلاق النار بشكل دائم والبدء بعمليّة سياسيّة. لكنّ الخطوط التوجيهيّة التي وضعها مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة على عجلة في بداية الحرب منحازة نحو الموقف السعوديّ لأنّ جميع القوى العظمى أرادت التودّد إلى الملك الجديد. وكانت روسيا الوحيدة التي قالت إنّ القرار منحاز. في جميع الأحوال، لم يبد أيّ طرف من الأطراف اليمنيّة استعداداً للمساومة، ويرفض السعوديّون إرغام هادي على التنحّي. وبالتالي، فإنّ الجهود الدبلوماسيّة تصطدم بحائط مسدود تماماً كالحرب.

لقد أمّنت أميركا وبريطانيا الطائرات والذخائر التي استخدمتها القوّات الجويّة الملكيّة السعوديّة لقصف البنى التحتيّة اليمنيّة على مدى سنتين. وحاولت أقليّة في الكونغرس وقف عمليّات نقل الأسلحة وبيعها، لكن من المستبعد أن تنجح. وتتعرّض الحرب السعوديّة لانتقادات متزايدة حول العالم.

تحمل الحرب تكلفة عالية بالنسبة إلى المملكة، خصوصاً عندما تبقى أسعار النفط منخفضة. وما من أرقام موثوقة في ما يتعلّق بتكاليف الحرب السعوديّة. ولا تؤمّن الرياض أيّ أرقام. ولا يموّل السعوديّون حملتهم العسكريّة فحسب، بل أيضاً تكاليف حلفائهم اليمنيّين والكثير من شركائهم في التحالف، مثل السودان. وسجّلت المملكة العربيّة السعوديّة ثالث أعلى ميزانيّة دفاعيّة وأمنيّة في العالم في السنة الأولى من الحرب (2015)، وفقاً للمعهد الدوليّ للدراسات الاستراتيجيّة. ومع أنّ الحرب اليمنيّة ليست سوى جزء من النفقات العسكريّة السعوديّة، إلا أنّها عبء أكبر ممّا يمكن أن تتحمّله أمّة تضمّ 20 مليون مواطناً فقط.

وكان الشعب اليمنيّ الأكثر فقراً في العالم العربيّ قبل الحرب. واليوم، بحسب اليونيسف، يموت طفل يمنيّ كلّ 10 دقائق بسبب سوء التغذية الحادّ ومشاكل أخرى مرتبطة بالحرب والحصار السعوديّ على الشمال. ويتعرّض الكثيرون لإعاقات دائمة بسبب سوء التغذية. وإنّ التكاليف الانسانيّة مرتفعة إلى حدّ مثير للصدمة وسوف تكون لها تداعيات سياسيّة طويلة الأمد.

يتمتّع أعضاء كثر في الإدارة الأميركيّة الجديدة بخبرة في اليمن، بمن في ذلك وزيرا الخارجيّة والدفاع. والآن هو الوقت المناسب لمراجعة عميقة بين الوكالات للسياسات المتعلّقة باليمن. فمع أنّ اليمن فقير للغاية، إلا أنّه مهمّ استراتيجياً بحكم موقعه الجغرافيّ جنوبي المملكة العربيّة السعوديّة وبصفته حارس مضيق باب المندب الذي تعبره غالبيّة واردات الغرب النفطيّة. وتكمن المصلحة الأميركيّة العليا في مساعدة حليفنا الأقدم في المنطقة، أي المملكة العربيّة السعوديّة، على إيجاد مخرج من نزاع لا يخدم مصالح الخاصّة. أمّا مصلحتنا الملحّة الأخرى فتكمن في وقف المجزرة بحقّ الشعب اليمنيّ. إنّ الدبلوماسيّة هي الحلّ، لكن ينبغي أن تكون بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة وأن تتمّ بقناعة وتؤدّي إلى نتائج.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق