q

في الإطار الإقتصادي تنقسم المجتمعات البشرية الى ثلاث فئات جاءت الواحدة تلو الأخرى; وهي المجتمع الزراعي، والمجتمع الصناعي، ومجتمعات ما بعد الصناعية أي مجتمعات المعرفة المعلوماتية، ويعد التغيير الثالث الأكثر أهمية في حياة البشرية حيث سمي بـ (الثورة المعلوماتية).

ونحن نتساءل أين المجتمع العراقي من هذه الثورة التي لا زالت في اوج عظمتها، والتي أحدثت نقلة نوعية كبيرة في حياة الانسان جعلته يغير الكثير من مفاهيمه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ففي الدول المتقدمة اصبح انتاج وبث المعلومات وتقنياتها المورد الرئيس للقوة الاقتصادية .

إذاً هل المجتمع العراقي يعاني من الأمية المعلوماتية؟ مع العلم ان توفر الكميات الهائلة من المعلومات لوحدها لا تجعل من المجتمع (مجتمع معرفة) من دون مجموعة من القدرات الضرورية لكيفية التعامل مع المعلومات واستثمارها .

والمقصود بالأمية المعلوماتية، هو افتقار الفرد الى المهارات الأساسية في كيفية استخدام المعلومات بفاعلية، ومن هذه المعلومات هي قدرة الفرد على تحديد حاجته من المعلومات، وقدرته على التعبير عن هذه الحاجة، وبهذا سيتمكن من استخدام المعلومات ويستثمرها الى أقصى درجة سواء في العمل او اموره الحياتية واليومية العامة ومثال على ذلك: كيف يستطيع ان يعثر على عمل، وكيف يخطط لأسرته ويحل مشاكله العائلية وكيف ينتخب ولمن؟.

وكذلك من يمتلك المعرفة المعلوماتية يستطيع تقويم الأخبار والإعلانات، وخطابات الدعاية الإنتخابية، والحملات السياسية، وتحليل الحوارات التي تجرى مع القيادات والساسة بموضوعية ووفق مفهوم علمي، كذلك تمكنه من ادراك صحة الإحصائيات والأرقام التي تصله عن القضايا الراهنة مثل الهجرة والبطالة والمخدرات والفساد الاداري ..الخ .

إن المواطن الذي يمتلك المعرفة المعلوماتية يستطيع ان يتخذ قرارات صحيحة وحاسمة معتمدا على المعلومة الصحيحة التي يتم اختيارها من مصادر متنوعة ويكشف حالات الخداع والتضليل التي يقوم بها الاعلام المعادي .فيكون هذا المواطن قادرا على تقدير قيمة وقوة المعلومات ومدى تأثيرها على شخصيته او عائلته او على مستوى البلد ويساهم بتشكيل رأي عام واعي ومستنير غير منقاد، وكذلك يؤمن بأهمية المعلومات والحاجة اليها لمواجهة المشاكل والتعامل معها في حياته الخاصة وفي مجتمعه وفي عمله.

اذا كم نسبة الامية المعلوماتية في المجتمع العراقي أي الذين لا يملكون كل هذه المهارات والقدرات؟. واذا كانت مرتفعة فعلى من تقع المسؤولية؟ هل على الافراد انفسهم أم على مؤسسات الدولة أم هي مسؤولية مشتركة؟.

ان المسؤولية مشتركة، اولاً: تقع على عاتق الأسرة كونها المغذي الرئيس للطفل في بناء شخصيته وافكاره ومعتقداته، وبما ان الأبناء بهذا العصر يواجهون انفجارا في المعلومات بمصادرها واشكالها وموضوعاتها ولغاتها المختلفة، فهذا سيشكل تحديا كبيرا امام الاسرة في توجيهه ومساعدته بكيفية تحديد ما يحتاجه من معلومات بناءة ليستفاد منها وكيفية تحصينه من المعلومات الهدامة والتي تؤثر سلبا على نفسيته

كذلك المسؤولية تقع على المؤسسات التعليمية كالنصائح والارشادات والمعلومات التي تقدمها لأبنائها الطلبة، والاهتمام بالمكتبة المدرسية وإغنائها بالكتب المتنوعة والمصادر المختلفة، وتوفير حصة دراسية لاستضافة الطلبة بشكل دوري وتعليمهم كيفية تحديد حاجاتهم من المعلومات، والتأكد من صحة وصلاحية هذه المعلومة، وصياغة اسئلة واضحة حولها، والوصول الى المعلومة التي يحتاجها بسهولة واختيار المناسب منها .

وكذلك للمكتبات الجامعية الدور المكمل للمكتبة المدرسية من خلال تدريب الطلبة على التعامل مع المعلومات والبحث عنها ونقدها وتفسيرها وتقويمها واستخدامها، لتطوير مهاراتهم وكذلك يساعدهم على كيفية اختيار مشكلة بحث تخرج وكتابته بطريقة منهجية علمية يقدم فيها تساؤلات نابعة من حقل اختصاصهم وإطلاعهم الواسع ومعرفتهم في تحديد المعلومة ويقدم حلول ناجزة ليكون منجز علمي ذا اهمية .

وهذه مشكلة يواجهها الكثير من طلبتنا في سنتهم الأخيرة فيلجأ بعضهم الى الاعتماد الكلي على مشرف البحث او من حولهم ومنهم يلجأ لشراء بحث تخرج جاهز والسبب هو الأمية المعلوماتية .

كذلك وسائل الإعلام الجماهيرية يمكن ان تؤدي دورا بارزا في محو الامية المعلوماتية من خلال برامج تعد خصيصا لهذا الغرض، وهي كثيرة ومتنوعة، ايضا المؤسسات والهيئات والمنظمات الثقافية والمجتمع المدني، بتقديم ورش عمل ودورات تهدف لمحو الامية المعلوماتية.

لقد اصبح رقي المجتمع يقاس بما تملكه من رصيد معلوماتي ودرجة تنظيم هذا الرصيد والاستفادة منه لخدمة الاهداف والمصالح الوطنية، واصبح وجود رصيد معلوماتي كافي للاقتصاد الوطني على نفس القدر من أهمية العمالة ورأس المال والامية المعلوماتية في تضاد مع التطور والإبتكار في كل ميادين الحياة، وفي مقدمة هذه الميادين يأتي ميدان العمل بكل انواعه ومستوياته، وما نلاحظه في مؤسسات الدولة ومصانعها من الانتاجية المنخفضة، ونوعية المنتجات الرديئة، وارتفاع الفساد الاداري، وغياب المهنية وحس المسؤولية في التطوير والابتكار خير مثال على ارتفاع نسبة الامية المعلوماتية في البلد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- الدكتور زكي حسين الوردي، مهارات التعامل مع المعلومات .
2- محاضرات أستاذة مادة تكنلوجيا المعلومات في قسم الصحافة جامعة أهل البيت.

اضف تعليق