q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

النظام التعددي وامتلاك القدرة الرادعة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

النظام السياسي التعددي هو النظام القائم على مبدأ الشورى، فهو يستمد شرعيته وثباته ونجاحه المضطرد من اعتماده التام على التشاور فيما بين الأحزاب السياسية والعاملين في الميدان السياسي على كيفية إدارة السلطة وقيادة الأمة، بما يضمن أكبر نسبة من العدالة وحماية الحقوق والحريات ودرء خطر الفقر، وتوفير الحياة الكريمة للمواطن، ومن بين أهم الواجبات التي يتصدى لها النظام الاستشاري، توفير القدرة الرادعة، وهذا شرط أساس لضمان أمن واستقرار الدولة.

وطالما أن النظام الاستشاري يرتكز على المنهج التعددي في قيادة الدولة وإدارتها، فهذا يحتّم مشاركة عدة أحزاب في الحكم، ولكي لا يصبح هذا التعدد عامل ضعف يجب أن يكون هنالك عمل مبرمج لتكوين القدرة الكافية من الردع لهذا النوع من الأنظمة غير المركزية، لكي يتم ضمان حماية هذا النظام من القوى المعادية له.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يركّز على هذه النقطة المهمة في كتابه القيم الموسوم بـ (إذا قام الإسلام في العراق)، فيقول: (يلزم أن يتمتع النظام ذو الأحزاب المتعددة وذو البنية والهيكلية الاستشارية بمقدار كاف من القدرة الرادعة).

وكما هو متوقع عندما تبدأ تجربة سياسية تقترب من المنهج الاستشاري في إدارة الدولة، فإن هناك من لا يرغب بذلك، خصوصا الأنظمة السياسية القائمة على مبدأ الحزب الواحد أو النظام الواحد، أو أنظمة الحكم الوراثية، فمثل هذه الأنظمة الأحادية ترى في الحكم الاستشاري خطرا داهما عليها، فتسعى بكل ما تمتلك من قوة كي تطيح بالتجربة وتدفع بها نحو الفشل من خلال إشاعة الفوضى فيها

ثم الشروع بوضع العراقيل المختلفة بوجه النظام الاستشاري الفتي، حتى يُقال أن الأنظمة السياسية ذات المنهج التعددي لا تناسب مجتمعاتنا التي ينبغي (كما يقول الأحاديون) إدارتها وفق نظام الحزب الواحد والحاكم الأوحد، وهو تبرير لا يرقى الى الحقيقة، لكن الأنظمة الفردية التي تخاف من المنهج الاستشاري تبذل كل ما في وسعها لإفشال التجربة، وقد حدث هذا بالفعل في العراق، فقد زجّت الأنظمة المعادية بالإرهاب والمفخخات وراحت تنشر الفوضى والرعب وتستهدف الأهداف المدنية الرخوة كالأسواق، والأبرياء العزل، كل هذا كي يُقال أن نظام الحكم التعددي لا ينجح في المجتمعات والدول الإسلامية والعربية، لذلك ينبغي أن يكون نظام الحكم الاستشاري واعيا لهذه الأساليب ومستعدا لمواجهتها من خلال امتلاك القدرة الرادعة والقوة التي تكفي لمقارعة أساليب الأعداء المختلفة.

يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة بالذات: (إن وجود القدرة يرهب الأعداء خاصة الذين يجدون في قيام نظام استشاري خطرا عليهم وتحول دون محاولاتهم لإسقاط النظام الفتي).

القدرة تحقق الأمن والاستقرار

في قيام تجربة الحكم الاستشاري، لا يصح أن تبقى أوضاع الدولة مخلخلة، خصوصا في جانب القوة العسكرية، فالمتربصون بتجربة كهذه كثيرون، نظرا لأن معظم الأنظمة السياسية القائمة في الدول الإقليمية المحاذية للعراق، هي أنظمة مركزية ولا علاقة لها بالاستشارية من بعيد أو قريب، لهذا من المتوقّع بل من المؤكد أن هذه الأنظمة سوف تكون معادية لأية تجربة حكم استشاري يقوم في العراق، ومن باب الاستباق ينبغي تعد العدة لبناء قدرة كافية لردع جميع المحاولات المعادية التي تستهدف التجربة.

ويلخّص الإمام الشيرازي هذا الأمر بقوله أن الأمة التي لا تمتلك القدرة اللازمة لا يمكنها النهوض في مجالات البناء المختلفة، ولو افترضنا أنها سوف تحقق نهوضا في هذا الجانب أو ذاك، فإنها لا يمكن أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، من هنا فإن امتلاك القدرة الرادعة يصبح شرطا أساسيا من شروط نجاح هذه التجربة، كما نلاحظ ذلك في قول الإمام الشيرازي:

(إن القدرة الكافية توجب استقرار الأمن واطمئنان الأمة فالذي لا يملك القدرة الرادعة لا يستطيع النهوض ولو فرض أنه تمكن من النهوض لا يتمكن من البقاء والاستمرار).

وهذا الأمر يحتاج الى التخطيط السليم لتوفير الحماية للازمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وسواها، فالمتوقع أن الأنظمة الفردية لا يروق لها النظام التعددي، فهي تخشاه بشدة بسبب احتمالية تأثيره عليها كونها تعد الحكم متوارثا لها أبا عن جد، فيما يقوم النظام الاستشاري على الشورى والانتخابات الحرة النزيهة، حيث يكتسب نظام الشورى كامل الشرعية من الأمة.

ويفسر الإمام الشيرازي هذه النقطة بقوله: (معنى توفير القدرة أن تكون هناك مقومات أساسية من تنظيم وقوة سياسية وعسكرية واقتصادية وأسلوب إداري متمكن تكفي لبقاء الثورة صامدة وقوية أمام الأعداء والطامعين والحساد والانتهازيين).

قدرة الاستبداد والاستشارة

ثمة فرق كبير بين النظام المستبد القائم على القوة العسكرية الغاشمة، وبين نظام الاستشارة الذي يصل الى السلطة من خلال نظام الشورى، وعبر أصوات الناخبين وصناديق الاقتراع بصورة نزيهة، لذلك تختلف القدرة لدى هذين النظامين، فهناك قدرة الاستبداد، وهذه تستخدم ضد الأمة وليس لصالحها، لأن القدرة هنا تتم لحماية عرش الحاكم المستبد.

أما القدرة التي تكون تحت تصرف النظام الاستشاري فيتم توظيفها لصالح الأمة في جميع المجالات، ولذلك هنالك تخوف كبير من قدرات الحكام المستبدين لأنها في الغالب تستخدم ضد الشعب وتسلبه حقوقه المدنية وحرية الرأي، على العكس من النظام الاستشاري تماما.

نفهم ذلك من خلال ما يقوله الإمام الشيرازي حول هذا الموضوع: (إن القدرة على قسمين هما قدرة المستبدين. وقدرة الاستشاريين. ويوجد بينهما بون شاسع، فإن القدرة المطمئنة القابلة للبقاء والتي لا تتحول إلى آلة لتحطيم الأمة وامتصاص ثرواتها هي القدرة الاستشارية. بعكس القدرة الاستبدادية حيث إنها تعيش ملوثة برذائلها وجرائمها وقمعها وإرهابها).

وقد أثبتت الوقائع التي تتعلق بالأنظمة السياسية، أن القدرة المستبدة ليس لها ثبات واقعي، أي أنها (كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي) طالما أنها تقوم على الاستبداد فإن زوالها غالبا ما يكون سريعا، فهي قوية تقوم على وهم الحاكم المستبد، لذلك فإنها لا تنتمي الى الواقع، على العكس من القدرة الاستشارية التي تستمد وجودها وتطورها وميزاتها الكبيرة من الشرعية الممنوحة لها من الأمة.

ولكن هناك شرط لديمومة القدرة الاستشارية، إذ ينبغي أن تكون نزيهة في تكوينها وتطورها، وهذا يستوجب أن تولد هذه القدرة وتنمو وتتطور في أحضان الشرعية، بعيدا عن الغش والفساد، وينبغي أن تتم بمساندة الأساليب المشروعة كافة بعيدا عن أي نوع من الغش او التلاعب، بل تستمد شرعيتها من خلال الانتخابات الحرة وتطوير المنهج التعددي في عموم الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، بمعنى أن التعددية والاستشارة تصبح منهج حياة وسلوك عام يسلكه الجميع في ظل النظام الاستشاري ذي القدرة الرادعة لكل مآرب الأعداء المارقين.

لذا يؤكد الإمام الشيرازي على أن: (القدرة الاستبدادية تعني افتقاد القدرة الواقعية حيث أن القدرة المستندة إلى الاستبداد قدرة موهومة معرضة للسقوط السريع. لذا ينبغي على القائمين بالنهضة الإسلامية أن يحصلوا على القدرة النزيهة من النوع الاستشاري القائم على الحرية والانتخاب الحر والتعددية الحزبية).

اضف تعليق