q

المثقفون لا يتشابهون من حيث الدور الذي يلعبونه في تطوير المجتمع، هنالك المثقف الحيوي الفاعل والمؤثر في محيطه، لما يمتلكه من تأثير فكري سلوكي على الآخرين، لدرجة أن بإمكان المثقف أني يكون نموذجا للناس، بفكره وسلوكه ومبادئه، هذا النوع من المثقفين الفاعلين، يمكن أن نجد لديه القدرة على الانتاج الثقافي الفكري المؤثر، على العكس من أنواع اخرى للمثقفين، فهؤلاء بسبب فقرهم الفكري لا يمتلكون القدرة على تحويل الثقافة الى منتج، وليست لديهم قدرة التأثير في الجمهور المستهدَف، وبهذا يفقد المثقف الميزة الأهم التي ينبغي أن تميزه عن سواه، ونعني بها (التأثير الثقافي)، ولكي تسود الثقافة المنتجة في المجتمع، ينبغي أن يكون المثقف المنتج ظاهرة ملموسة ومعروفة للجميع، ولا يمثل حالة نادرة في نظر الآخرين، بمعنى يجب ان تكون نسبة المثقفين عالية بين افراد المجتمع عموما، ولا يشكل المثقف حالة استثنائية تجعل الاكثرية ينظرون اليه باندهاش وتعجّب!!.

علما أننا بحاجة الى التذكير الدائم بأن الثقافة ليست حكرا على الكتاب او الذي يعملون في التأليف وما شابه، كذلك لابد من التأكيد على أن المثقف ليس فقط من يزاول الكتابة والتأليف فقط، أو ينشر نتاجه في كتب ومؤلَّفات، وهو ليس الفنان الذي يرسم اللوحات التشكيلية المعبّرة، كذلك لا تنحصر الثقافة بالمفكرين وإن كانوا الأدرى بشعابها، لأن المثقف بمفهومه الاوسع، هو الفرد الذي يشترك مع آخرين يتشكل منهم المجتمع عموما، يطرحون رؤى ثقافية تتحلى بإمكانية التحول الى فعل واقعي، فالفكر لا يصح أن يبقى مجمدا في قوالب ساكنة، بل ينبغي أن يتحول الى منتَج يخدم الناس، وبهذا يكون المجتمع كله مثقفا و واعيا ومتطورا في التفكير والانتاج، هنا يرد التساؤل التالي: ترى ما هي الاسباب التي تجعل من المثقف حالة استثنائية وليس ظاهرة؟ وجوابا عن هذا السؤال تبرز اسباب عديدة تقف وراء هذا الامر، وأول هذه الاسباب أن بعض المثقفين من غير المنتجين، لا يرغبون بولادة مثقف آخر، تخوّفا من المزاحمة او المنافسة التي قد تتطور الى صراع سلبي، وهي حالة مرئية ومعروفة في الوسط الثقافي عموما ومنه الفني وسواه، بمعنى أن الاشخاص الذين ينشطون في حقول الثقافة، ولديهم حصيلة ثقافية تجعلهم يحملون هوية المثقف، يخشون من المواهب الجديدة فيكبحونها، وهذا يحصل دائما، لذا غالبا ما تتعرض الولادات الثقافية الجديدة الى المضايقات والتهميش، وقد تصل الامور الى شن حروب من نوع خاص، للتخلص من منافسة المثقفين الجدد للقدماء، ولكن بسبب طبيعة الحياة التي تتطلب الامتداد والاستمراية، نلاحظ ظهور الولادات الجديدة بين المثقفين حاضرة في مكانها المناسب، ليس لان المثقف القديم تراجع عن موقفه الرافض واحتضن الجديد، بل لأن الولادات الثقافية الجديدة والظروف المساندة فرضت الجديد على القديم شاء أم أبى، في حين أن الأصح هو احتضان الطاقات الجديدة لكي تبقى الثقافة قادرة على الانتاج والتأثير الفعلي في المحيط المجتمعي

هنا لابد أن نشير الى أن هذه الحالة التي تتعلق بـ(إقصاء النسغ الجديد) تعد من امراض المثقفين غير المنتجين، لذا على المثقفين عموما التنبّه لهذه الحالة غير السليمة، والكف عن محاصرة الجديد ومحاربته، وفتح المساحات والفضاءات أمام الجميع، لكي تستمر عملية الانتاج الثقافي بصورة سليمة، وليثبت الكل للكل مدى قدراته ومواهبه، وهو أمر حاصل فعلا في ظل الانفتاح الاعلامي ومواقع ووسائل الاتصال المتنوعة، ولكن مع ذلك يجب ان يلغي بعض المثقفين فكرة و(ظاهرة) محاربة المثقف المولود حديثا، وتحل بدلا من ذلك الرعاية والمساندة، لكي تتحول الثقافة والمثقفين من الاستثناء والندرة، الى الظاهرة والاعتياد، فضلا عن قدرتها على التحول من السكونية الى الانتاجية الفاعلة.

لذلك نحن مجتمع يحتاج الى مثقف منتج وثقافة انتاجية، ولكننا للأسف لم نستطع حتى اللحظة الى التحول من ثقافة (الاستهلاك والتناقض) الى ثقافة الانتاج، لأننا لم نصل بعد الى جعل المثقف ظاهرة مشاعة في عموم مكونات المجتمع، ومن الدلائل البسيطة على اثبات هذا الرأي، أن الكاتب والرسام والمفكر والاعلامي، يُنظر اليه من لدن الآخرين على انه حالة ارفع من الاخرين، كونه مثقفا سواء كان (كاتبا، مفكرا، رساما) او غير ذلك، ولكن هذه الحالة ليست دليل عافية، بل هي دليل خلل في التكوين المجتمعي، بمعنى ينبغي أن يكون المجتمع كله مثقفا، وعند ذاك تسود ظاهرة المثقف المنتج والثقافة المنتجة، وهذا الهدف ينبغي ان يسعى الى تحقيقه الجميع عن طريق:

- توجيه المؤسسات والمنظمات الثقافية بحتمية نشر الثقافة بين الجميع.

- سعي المثقف المنتج الى فتح الفرص للجميع، كي ينتمون الى الثقافة المنتجة.

- تحمّل الجهات الرسمية بما في ذلك المؤسسة الثقافية مسؤولية زيادة عدد المثقفين، وجعل الثقافة أكثر انتشارا بين عموم الناس، وصولا الى تحقيق هدف الشعب المثقف المنتج.

- وضع الخطط المدروسة بوساطة الجهات واللجان المتخصصة لتحويل الثقافة من طابعها الاستهلاكي الرتيب، الى ثقافة انتاجية ناهضة.

- زج القطاع الخاص في مجال الانتاج الثقافي، وتشجيع اصحاب رؤوس الاموال على تحويل الثقافة من نمطها الاستهلاكي الى الأفضل.

- نشر مظاهر الثقافة المتطورة في الشارع والمقهى والساحات العامة، وجعلها مناظر وفعاليات مألوفة للجميع.

- اقامة الندوات الثقافية في الهواء الطلق، ونشر ثقافة المسرح الجوال، وما شابه من وسائل واساليب، تساعد على نشر الثقافة بين عامة الناس.

- استثمار المقاهي والنوادي وبعض الاماكن العامة كوسيلة ومكان لنشر الثقافة الانتاجية على الملأ.

اضف تعليق