q

يُحكى أن أحد الملوك من بلاد بعيدة أهدى لملك مملكة أخرى فيلاً أبيض من فصيلة نادرة، لذلك اضطر الأخير الى أن يتحمّل مصاريف كبيرة لأجل الحفاظ على سلامة الفيل وكذلك لإيجاد البيئة المناسبة لبقائه على قيد الحياة، ثم مات هذا الملك الذي حصل على الفيل كهدية، لكن بقي الناس يتحملون لسنوات متعاقبة مصاريف كثيرة للحفاظ على هذا الفيل، وكانوا يتحملون هذا العبء على كاهلهم جيلا بعد جيل، وكان واحدهم يقول: لقد دفعت مصاريف كبيرة للحفاظ على هذا الفيل، وقد واصلتُ الصرف عليه بسبب ما صرفته عليه في السابق. لذا كان الناس يدفعون مصاريف على الفيل لاحقاً مع كرههم له، ولم يكن يسعهم أن يتركوه أو يبعثوه إلى بيئة غير مناسبة له.

في حكاية هذا الفيل استعارة إلى كثير من الأشياء والأمور في حياتنا، عندما نضطر الى أن ندفع مصاريف كبيرة على أشياء وأمور غير مفيدة ولا مجدية، فقط لأننا دفعنا سابقاً من أجلها فيجب أن ندفع لاحقاً، كذلك الحال مع الطالب الجامعي الذي تحمل أعباء كبيرة ليدرس في قسم معين، ولكنه يدرك لحقا بأن هذا القسم لا يروق له ولا ينسجم مع تطلعاته، ولا ينتمي إليه ولا ينفعه في المستقبل لأنه لا يمكن أن في وظيفة من هذا النوع، ومع ذلك يبقى غير قادر على تغيير هذا القسم الذي يكرهه، وذلك بسبب ما دفعه من أموال سابقا فضلا عن المتاعب التي أهدرها على اختياره الخاطئ، مع ذلك يبقى يتحمل أكثر فأكثر إلى أن يكره كل شيء، فتصبح هذه الجامعة والقسم الذي يدرس فيه كالفيل الأبيض.

وكثير من الأشياء في مخازن البيوت نحافظ عليها وندفع الكثير من اجل المحافظة عليها، لأننا بصراحة نخاف أن نودعها أو نقول لأنفسنا بأنها ربما تفيدنا في احد الأيام، ولكن نعرف أنها غير صالحة للاستخدام في الوقت الحالي، والسبب في تشبثنا بها أنها كانت مفيدة في يوم ما وبقيت في أماكنها لأننا تعودنا عليها كالأدوية القديمة الموجودة في صيدلية المنزل، فكثير منها لا يمكن استخدامه في الوقت الحالي وربما انقضى وقت صلاحية تلك الأدوية ولكن لأننا دفعنا مبالغ كبيرة لأجلها لا يمكننا التخلص منها.

مستحضرات التجميل والكريمات

هناك من لا يلتفت الى أن مستحضرات التجميل تنتهي صلاحيتها أيضا، ووفق التحاليل فقد تتبدل من مكان الى آخر قذر وتنمو فيها الجراثيم وربما لا يستعملها الشخص أصلا في المستقبل، ولكن يحافظ عليها دون أي مبرّر لأنه دفع مبالغ كبيرة لأجلها .

الأعشاب القديمة ومستلزمات الطبخ

هناك الكثير من هذه المستلزمات والأعشاب في المطابخ تحمل مادة ناعمة تحذر الشخص وتخبره بأنه منذ سنوات لم يتم استخدام هذه المواد، ولكن يتشبث البعض بالحفاظ على هذه الأعشاب والتوابل لأنه دفع مبالغ كبيرة مقابلها ولا يمكنه التخلص منها.

أجهزة الكترونية قديمة

كذلك تصرخ المخازن وتستنجد وتستدر عطف أصحاب المنازل كي يتخلصوا من الأجهزة القديمة التي باتت تثير المشاكل ولكن لا يتجرأ أحد على التخلص منها.

الصحف القديمة

رفوف المكاتب تصرخ أيضا بأعلى صوتها وتطلب الرحمة كي تتخلص من الإصدارات القديمة التي لا تنفع في الوقت الحالي، ولكن لا يمكن التخلص منها، فربما نحتاجها في يوم من الأيام ونغير أماكنها بين فينة وأخرى للحفاظ عليها لأننا دفعنا في مقابلها مبالغ كبيرة.

ملابس متهرئة

كذلك قد توجد لدى الكثير منا ملابس ليلة عرس أو حذاء لا يمكننا أن نستخدمها بعد، ولكن من أجل الحفاظ على الذكريات نحافظ عليها بتمعن، لأنها تذكرنا بذكريات جميلة قد حدثت بعيداً عن فوضى اليوم.

الأقراص القديمة

حتما توجد لدينا أقراص مدمجة قديمة ربما لم نرَ محتواها منذ أعوام متتالية وربما انقضت صلاحيتها ولم تعمل، لكنها لا تزال تحتل أماكن كبيرة في الرفوف والمخازن.

الأفكار والمشاعر

قلوبنا مليئة بأحداث مؤلمة وأفكارنا يفيض منها الكره والحقد من أحداث أكل الدهر عليها وشرب، ولكن نحافظ عليها وندفع مساحة كبيرة من صحتنا، فنحتفظ بها كي نستفيد منها في يوم من الأيام ضد أعدائنا أو منافسينا.

إذاً نحن جميعا كل منّا لديه الفيل الأبيض، البعض قد يوجد ذلك في مجال عمله والبعض بين رفوف ماضيه والبعض في حياته الخاصة والبعض في تلابيب مخه وأفكاره، حيث يسبب له الفيل الأبيض التوتر والقلق الدائم، وهذه المشاكل بدورها قد تسبب الكثير من الإجهاد والتعب للشخص المحافظ على الفيل الأبيض، وتجعله غير قادر على أداء المهام الموكلة إليه بالكفاءة المطلوبة.

إننا نشعر ببعض الإرباك أحياناً ولكن نتشبث بقوة بالفيل الأبيض دائما، لأننا دفعنا الكثير لأجله ونظن إنه قد يفيدنا في يوم قادم، لذلك يجب أن نتفقد حياتنا بشكل دوري ونتخلص من الفيل الأبيض كي يسهل علينا العيش.

ربما يدفعنا الفيل الأبيض إلى إبقائنا كأشخاص يعانون من الإعاقة في فخ الإرباك من عدم التخلص منه، كما قال بعضهم إن الماضي الذي يعود حاملاً سوطه سيضرب في رأسك مسماراً ذهبياً مسماراً قصيراً لا يكفي لقتلك لذلك تخلص من كل شيء يفقدك سعادتك.

وتذكر دائما إن من "يهضم الماضي بطريقة خاطئة.. يتقيأه المستقبل" .

اضف تعليق