q

لو قُيّض لمن يجمع هذا الشعر الرسالي الولائي من بطون الكتب ويلملم هذه الدرر من الأبيات المتناثرة هنا وهناك فإنه بلا شك سيتحف المكتبة الإسلامية والعربية بمصدر غني ومنبع ثرٍ من موارد الثقافة والمعرفة وسيضيف إلى رصيدها الفكري رصيداً إبداعياً ولائياً خالصاً معبّقاً بأريج العقيدة.

فمن يتتبع هذه الشذرات الإيمانية يجد الكم الهائل منها وهي تمثّل آية من آيات البلاغة والفصاحة، كما يجد الكثير من أسماء الشاعرات اللواتي صدحن بالحق ونصرن الإسلام وأهل البيت (عليه السلام) وستكون مفاجأة مذهلة يستشعر من خلالها القارئ أن مثل هذا الشعر الرسالي الولائي النسائي المدفون في بطون الكتب مهضوم الحق مغبون النصف قديماً وحديثاً ومثلما أهمله الأولون فقد تتبع آثارهم المتأخرون في إخفائه.

إن مما يلفت النظر أن هذه الأشعار رغم جودتها وجزالتها فإنها أخفيت من قبل الذين ألّفوا وجمعوا الشعر النسائي في التاريخ ومن جمعوا أشعار الماضين من أصحاب الحماسة وغيرهم إلّا ما ندر مع تحريف واقتطاع في عدد الأبيات لأسباب سياسية ومذهبية ولكن الحقيقة لا بد أن تظهر وإن طال عليها الزمن.

فرغم أن الكثيرين قد ألّفوا وجمعوا وصنّفوا في أشعار النساء إلّا أنهم لم ينصفوا هذه الأشعار التي نحن الآن بصدد الحديث عنها من نواحي عديدة منها قوتها وجزالتها وأهميتها كونها قد مثّلت جانباً عقائدياً مجابهاً للسلطة، فقد اهتم أكثر من ألّف في هذا الجانب بنقل أشعار النساء بما يلائم سياسة السلطة الحاكمة وتوجّهاتها وأهوائها، فخرج من حدود العفة ولم يراعِ الحشمة عندما نقل أخبار نساء البلاط الأموي والعباسي وجواريه وأشعار المجون والخلاعة والليالي الحمراء التي كان يعقدها الخلفاء الأمويون والعباسيون كاملة وخاصة في عهد الخليفة الخليع هارون الرشيد وهي أكثر من أن تحصى وتعد.

فعندما يحقق الأستاذ عبد اللطيف عاشور كتاب (نزهة الجلساء في أشعار النساء) للسيوطي الذي ذكر أشعاراً لأربعين امرأة، مزج فيها بين الغث والسمين والصالح والطالح اضطر الأستاذ عاشور إلى وضع نقاط هكذا ( ..... ) مكان الكثير من الكلمات التي دلّت على أنها كلمات لا يليق نطقها وسماعها !!! كما يلاحظ من خلال عنوان الكتاب أنه كتبه (لنزهة الجلساء) وليس لإظهار دور المرأة الإيماني في تاريخ الإسلام.

ولا نريد هنا أن نتطرّق إلى هذا الموضوع الذي هو ليس بغريب على السيوطي ولا على غيره من مؤرخي السلطة، بل هدفنا هو إبراز الشعر الرسالي الذي صدحت به حناجر النسوة المؤمنات والذي قلل المؤرخون كثيراً من شأنه واقتطعوا منه وحذفوا كما شاءت أهواءهم وتوجهاتهم السياسية والمذهبية.

إن الأصوات التي ارتفعت من الشاعرات الرساليات اللواتي صدحن بالأصوات الولائية لأهل البيت (عليهم السلام) كثيرة في التاريخ وسنقتصر بالحديث على بعض النساء المؤمنات الصالحات اللواتي ناصرن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين وخاصة في حربه صفين ضد الفئة الباغية بنص حديث الرسول، فهذه الأشعار حملت من صدق الولاء والإيمان والعقيدة والحب لأهل البيت (عليه السلام) ما يفوق الوصف، كما كان لهذه الأشعار من الأثر ما لا يقل عن جهاد الرجال، والمتأمل في هذه الأشعار التي قيلت في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته ورثائه بعد مماته يجد العواطف الملتهبة والمشاعر المشوبة بحب أهل البيت (عليهم السلام) في ثنايا الأبيات ويجد شعراً ناصعاً بالولاء على الرغم من أن اكثرهنّ كنّ يرثين أزواجاً وابناءً واخواناً لهنّ كانوا قد استشهدوا مع أمير المؤمنين في حروبه.

فتجد أن نصرتهنّ للإمام كانت تغلب على رثائهنّ وحزنهنّ على مفقوديهن فكنّ مثلا أعلى للصبر واليقين والإيمان والكمال كما كنّ من أعلام النساء في الفصاحة والبلاغة فبرزت اسماؤهنّ في التاريخ بأرقى دور وأنقى صفحة فنطالع أسماء مثل: سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية، وبكارة الهلالية، وأم سنان المذحجية، وأم البراء بنت صفوان، وأروى بنت الحارث، وأم الهيثم بنت الأسود وغيرهن من اللواتي وقفن أمام معاوية بكل جرأة وصلابة وتحدين جبروته وقلن قول الحق ولم يخشين في قولهن إلا الله فسطرن أروع صفحات التاريخ النسوي ولاء وعقيدة.

وسنتناول هنا بعض المواقف الخالدة لهذه النسوة الفاضلات وهن يقفن بوجه الباطل ويقلن قولة الحق أمام سلطان جائر:

1 ـ أروى بنت الحارث

أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ابنة عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، من كرام النساء في دينها وشجاعتها ومنطقها وولائها لأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن ربات الفصاحة والبلاغة والشعر، كانت أشد الوافدات من نساء الشيعة على معاوية، حينما وفدت عليه فيمن كان يستدعيهن من نساء الشيعة اللواتي وقفن إلى جانب معسكر الحق مع أمير المؤمنين (عليه السلام) فوقفت أمام طغيان معاوية وتحدته ولم تترك له عيباً إلا فضحته ولا سوءة إلا نشرتها وأسمعته ومن معه كلاماً أشد عليهم من السيف.

دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية بالموسم وهي عجوز كبيرة، فلما رآها قال: مرحباً بك يا عمة. فقالت: يا ابن أخي لقد كفرت بالنعمة وأسأت لابن عمّك علي الصحبة، وتسميت بغير أسمك، وأخذت غير حقك، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام. ولقد كفرتم بما جاء به محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله)، فأتعس الله منكم الجدود، واصعر منكم الخدود، حتّى ردّ الله الحقّ إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله) هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون.

فكنا أهل البيت أعظم الناس حظاً ونصيباً وقدراً في الدين، حتى قبض الله نبيه (صلّى الله عليه وآله) مغفوراً ذنبه، مرفوعاً درجته، شريفاً عند الله مرضياً، فصرنا أهل البيت فيكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وصار ابن عم سيّد المرسلين فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسى، حيث يقول: يا بن اُم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، ولم يجتمع بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنّة وغايتكم النار.

كان المجلس صامتاً وكأن على رؤوسهم الطير وهذه اللبوة هي المتكلمة الوحيدة بقول الحق في هذا المجلس فأخرست ألسنة الباطل أمام قوة منطقها وبيان حجتها وحينما وصلت إلى هذا الموضع من كلامها نطق أحد سماسرة معاوية وشركائه في الباطل والإجرام وهو عمرو بن العاص فقال: أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك، وغضّي من طرفك.

هنا التفتت أروى إليه وقالت: ومن أنت لا اُم لك ؟ قال: عمرو بن العاص. فقالت: يا ابن اللخناء النابغة أتكلمني؟! أربع على ضلعك، واعن بشأن نفسك، فو الله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادّعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنه أبوك، ولقد رأيت اُمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر فأتم بهم فإنك بهم أشبه.

لقد أثار هذا الكلام الذي بيّنت فيه نسب عمرو بن العاص المخزي الذي يعرق له جبين كل إنسان شريف حفيظة مروان بن الحكم الذي شابه نسبه في الخزي نسب عمرو بن العاص وشابهت أمه الزرقاء أم عمرو في العهر، فقال مروان لكي يسكتها ولا تتعرض له بالكلام: أيتها العجوز الضالة ساخ بصرك، مع ذهاب عقلك فلا تجوز شهادتك.

قالت: يا بني أتتكلم؟! فو الله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك، مع قصر قامته وظاهر دمامته، ولقد رأيت الحكم ماد القامة ظاهر الأدمة وسبط الشعر، وما بينكما من قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب، فاسأل اُمك عما ذكرت لك فإنها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت.

ثم التفتت إلى معاوية فقالت: والله ما عرضني لهؤلاء غيرك، وان اُمك هذه للقائلة يوم أحد شامتة متبجحة في قتل حمزة بن عبد المطلب رحمه الله:

نَحنُ جَزَيْناكم بيوم بدر *** والحربُ يومُ الحربِ ذاتِ سُعرِ

ما كان عن عتبةٍ لي من صبرِ *** أبي وعمي وأخي وصهري

شفيت وحشي غليل صدري *** شفيت نفسي وقضيت نذري

فشكر وحشي عليّ عمري *** حتى تغيب أعظمي في قبري

فأجبتها:

يا بنت رقاعٍ عظيم الكفرِ *** خُزيتِ في بدرٍ وغيرِ بدرِ

صبّحكِ الله قبيلَ الفجرِ *** بالهاشميينَ الطوالِ الزهرِ

بكل قطّاعِ حسامٍ يفري *** حمزة ليثي وعلي صقري

هتك وحشي حجاب السترِ *** ما للبغايا بعدها من فخرِ

فقال معاوية لمروان وعمرو: ويلكما أنتما عرضتماني لها واسمعتماني ما أكره.

ثمّ قال لها معاوية: عفا الله عما سلف، يا خالة هات حاجتك.

قالت: مالي أليك حاجة، وخرجت عنه.

فقال معاوية لأصحابه: والله لو كلمها من في المجلس جميعاً لأجابت كل واحد بغير ما تجيب به الآخر، وإن نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم.

وبعث لها معاوية قبل رحيلها وقال لها: يا عمة أقصدي قصد حاجتك.

قالت: تأمر لي بألفي دينار، وألفي دينار، وألفي دينار. قال: ما تصنعين يا عمة بألفي دينار؟ قالت: أشتري بها عيناً خرارة في أرض خوارة، تكون لولد الحارث بن عبد المطلب. قال: نعم الموضع وضعتيها، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم. قال نعم الموضع وضعتيها، فما تصنعين بألفي دينار؟ قالت: أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام. قال: نعم الموضع وضعتيها، هي لك نعم وكرامة. ثم قال: أما والله لو كان علي ما أمر لك بها.

قالت: صدقت، إن علياً أدى الأمانة، وعمل بأمر الله وأخذ به. وأنت ضيعت أمانتك، وخنت الله في ماله، فأعطيت مال الله من لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبيّنها فلم تأخذ بها، ودعانا إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا، فشُغل بحربك عن وضع الاُمور مواضعها. وما سألتك من مالك شيئاً فتمن به، إنما سألتك من حقنا، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا، أتذكر علياً فض الله فاك، وأجهد بلاءك ثم علا بكاؤها وقالت:

ألا يا عين ويحكِ اسعدينا *** ألا وابكي أمير المؤمنينا

رُزينا خير من ركبِ المطايا *** وفارسها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال أو احتذاها *** ومن قرأ المثاني والمئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسينٍ *** رأيتَ البدرَ راعَ الناظرينا

ولا والله لا أنسى علياً *** وحسن صلاته في الراكعينا

أفي الشهر الصيام فجمعتمونا *** بخير الناس طُرا أجمعينا

توفيت أروى توفيت حدود سنة خمسين هجرية

2 ـ أم سنان المذحجية

أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية اشتهرت ببلاغة منطقها ومواقفها الشريفة المشرفة مع الحق وولائها لأمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت تحرض في سوح الوغى ونحض الرجال على قتال معاوية وشهدت لها أيام صفين الكثير من هذه المواقف فكان مما قالته في ذلك اليوم:

عزب الرقادُ فمقلتي لا ترقدُ *** والليل يصدرُ بالهمومِ ويوردُ

يا آل مذحجَ لا مقامَ فشمِّروا *** إن العدوَ لآل أحمد يقصدُ

هذا عليٌ كالهلالِ تحفّه *** وسطَ السماءِ من الكواكبِ أسعُدُ

خير الخلائقِ وابن عمِ محمدٍ *** إن يهدكم بالنورِ منه تهتدوا

مازال مذ شهرَ الحروبَ مظفّراً *** والنصرُ فوق لوائهِ ما يفقدُ

ولما سمعت أم سنان بفاجعة استشهاد استشهاد امير المؤمنين(ع) كان لها أنة لهذا المصاب الجلل فقالت ترثيه (ع):

أمّا هلكتَ ابا الحسينِ فلم تزل *** بالحقِ تُعرف هادياً مهديا

فاذهب عليك صلاة ربكَ ما دعتْ *** فوق الغصونِ حمامة قمريّا

إذ كنتَ بعدَ محمدٍ خلفاً كما *** أوصى اليكَ بنا فكنتَ وفيا

فاليومَ لا خلفٌ يؤمّل بعده *** هيهاتَ نأملُ بعده إنسيا

وقد وفدت هذه المرأة على معاوية فواجهها بقولها الذي تحرّض فيه عليه وتحضّ على قتاله في صفين وتدعو إلى نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم تنكره بل قالت: (لسان نطق وقول صدَق) وقد أورد قصة المحاورة السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) (ج٣ص٤٧٩).

3 ـ أُم البّراء بنت صفوان

كانت هذه المرأة الصلبة الشجاعة من كرام نساء الشيعة وممن حضر مع أمير المؤمنين في صفين من ولها أشعار تحض الرجال على القتال وتشجعهم على قتال جبهة البغي والضلال وقد وفدت على معاوية فقال لها: كيف أنت يا بنت صفوان؟. قالت: بخير .قال كيف حالك؟. قالت: ضعفت بعد جلد، وكسلت بعد نشاط. قال: شتان بينك اليوم وحين تقولين:

يا عمرو دونكَ صارماً ذا رونقٍ *** عضباً المهزةِ ليس بالخوّارِ

أسرجْ جوادكَ مسرعاً ومشمّراً *** للحربِ غير معرّدٍ لفرارِ

أجبِ الإمامَ ودبَّ تحت لوائهِ *** وأغرِ العدوَ بصارمٍ بتّارِ

يا ليتني أصبحتُ ليسَ بعورةٍ *** فأذبَّ عنه عساكرَ الفجّارِ

قالت: قد كان ذاك ، ومثلك من عفا، والله تعالى يقول: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾. ومن عاد فينتقم الله منه

فقال: هيهات أمّا أنه لو عاد لعدت، ولكنه اخترم منك، فقالت: أجل وإني على بينة من ربي وهدى من أمري. فقال لها فكيف قولك حين قتل ـ يعني أمير المؤمنين ـ ؟. فقالت: نسيته. فقال بعض جلسائه: هي والله حين تقول:

يا للرجالِ لعظمِ هولِ مصيبةٍ *** فدحتْ فليس مصابها بالهازلِ

الشمسُ كاسفةٌ لفقدِ إمامِنا *** خيرُ الخلائقِ والإمامِ العادلِ

يا خيرَ من ركبَ المطيَّ ومن مشى *** فوق الترابِ لمحتفٍ أو ناعلِ

حاشا النبي لقد هدّدَتَ قواءنا *** فالحقُ أصبحَ خاضعاً للباطلِ

فقال معاوية: قاتلك الله يا بنت صفوان، ما تركت لقائل مقالاً! إن حسان بن ثابت لا يحسن مثل هذا. ثم قامت فعثرت فقالت: تعس شانئ علي.

فتعجب معاوية من صلابتها وإيمانها وولائها لعلي، واستخفافها به في مجلسه.

4 ـ بكارة الهلالية

من سيدات نساء العرب الموصوفات بالشجاعة والإقدام والفصاحة والشعر، ومن نساء الشيعة المتفانيات بحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد حضرت معه في صفين تحرض أهل العراق على القتال بخطبها الحماسية ولم تفارق صفين حتى نهايتها، وهي خالة أم المؤمنين ميمونة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) وقد شهد أخوها زيد مع أمير المؤمنين صفين.

دخلت بكارة الهلالية على معاوية بعد أن كبر سنها، ودق عظمها، وعُشي بصرها ومعها خادمان لها وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز، فهي ترتعش بين خادمين لها، فسلمت ثم جلست، فأحسن عليها الرد وأذن لها في الجلوس، فقال معاوية: كيف أنت يا خالة؟. قالت: بخير. قال: غيّركِ الدهر. قالت: كذلك هو ذو غير، من عاش كبر ومن مات قبر وكان مروان بن الحكم جالسا ومعه وعمرو بن العاص. فقال مروان لمعاوية: أما تعرف هذه ؟. قال: ومن هي؟. قال: هي الّتي تعين علينا في صفين، وهي القائلة:

يا زيدُ دونكَ فاستخر من دارنا *** سيفاً حساماً في الترابِ دفينا

قد كان مذخوراً لكل عظيمة *** فاليوم أبرزه الزمانُ مصونا

وقال عمرو بن العاص: وهي القائلة:

أترى ابن هند للخلافةِ مالكاً *** هيهات ذاك وما أرادَ بعيدُ

منّتك نفسكَ في الخلاءِ ضلالةً *** أغراكَ عمرو للشقا وسعيدُ

فارجع بأنكد طائرٍ بنحوسِها *** لاقت علياً أسعدٌ وسعودُ

فقال سعيد بن العاص: وهي القائلة:

قد كنتُ آملُ أن أموتَ ولا أرى *** فوق المنابرِ من اُمية خاطبا

فالله أخّر مدّتي فتطاولت *** حتى رأيتُ من الزمانِ عجائبا

في كل يومٍ لا يزال خطيبهم *** وسطَ الجموع لآلِ أحمدَ عائبا

وكانت غاية مروان وسعيد وابن النابغة هو إثارة معاوية واستفزازه وتأجيج حقده على هذه المرأة المؤمنة من شيعة علي (عليه السلام) وهذه هي عادتهم الدنيئة والحاقدة على الشيعة، وقد أدركت بكارة غايتهم فلم تحفل بتلك الاستفزازات ولم تنكر تلك الأشعار في نسبتها لها يوم صفين فقالت: نبحتني كلابك واعتورتني، بعد أن عُشي بصري وقصرت محجتي وكثر عجبي وأنا والله القائلة ما قالوا لا أدفع بتكذيب فامض لشأنك فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين فقامت وخرجت بعد أن أفحمت القوم وأخرستهم بشجاعتها وصلابتها

5 ـ سودة بنت عمارة الهمدانية

سودة بنت عمارة بن الاشتر الهمدانية، من كرام نساء الشيعة عرفت بفصاحتها وبيانها، وكانت ممن حضر مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين وقد كانت ممن استدعى معاوية من الشيعة بعد استشهاد أمير المؤمنين فلما دخلت عليه قال لها: هيه يا بنت الأشتر ألست القائلة لأخيك يوم صفين:

شمِّر كفعلِ أبيكَ يا ابنَ عمارةٍ *** يومَ الطعانِ وملتقى الأقرانِ

واُنصر علياً والحسين ورهطه *** واقصد لهندٍ وابنها بهوانِ

إن الإمام أخا النبي محمدٍ *** علم الهدى ومنارة الإيمانِ

فَقُدِ الجيوشَ وسرّ أمامَ لوائهِ *** قدماً بأبيضِ صارمٍ وسنانِ

فقالت سودة بكل شجاعة: أي والله ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب.

فقال لها معاوية: فما حملك على ذلك؟. قالت: حب علي عليه ‌السلام ، واتباع الحق.

قال: فو الله لا أرى عليك من أثر علي شيئاً. فقالت: اُنشدك الله واعادة ما مضى، وتذكار ما قد نسي. فقال: هيهات، ما مثل مقام أخيك ينسى، وما لقيت من أحد ما لقيت من قومك وأخيك. فقالت: صدق قولك، لم يكن أخي ذميم المقام ولا خفي المكان، كان والله كقول الخنساء:

وإن صخراً لتأتمُّ الهداةُ به *** كأنه علمٌ في رأسهِ نارُ

قال: صدقتِ، لقد كان كذلك. فقالت: مات الرأس وبتر الذنب، وبالله أسألك إعفائي مما استعفيت منه. قال: قد فعلت ما حاجتك؟.

فقالت: إن الله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا، ولا تزال تقدم علينا من ينوء بعزك ويبسط بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسلبنا الجليلة. هذا بُسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة. فإما عزلته عنا فشكرناك، وإما لا فعرفناك.

فقال معاوية: أتهددني بقومك، لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس، فأردك إليه ينفذ حكمه فيك. فأطرقت تبكي، ثم أنشأت تقول:

صلى الإلهُ على جسمٍ تضمّنه *** قبرٌ فأصبحَ فيه العدلُ مدفونا

قد حالفَ الحقَ لا يبغي به ثمناً *** فصار بالحقِ والإيمانِ مقرونا

قال لها معاوية: ومن ذاك؟. قالت: علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟. فقالت: قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين، فأتيت علياً (عليه ‌السلام) لأشكو إليه ما صنع بنا، فوجدته قائماً يصلي، فلما نظر إلي أنفتل من صلاته، ثم قال لي برأفة وتعطف: (ألك حاجة) ؟ فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: (اللهم أنت الشاهد علي وعليهم اني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك).

ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب فكتب فيها: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَاتَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴾، (إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك عن عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام﴾. فأخذته منه، والله ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام فقرأته.

فقال لها معاوية: لقد لمظكم ـ أي عودكم ـ ابن أبي طالب على السلطان فبطيئاً ما تفطمون، ثم قال: اكتبوا لها برد مالها والعدل اليها.

قالت: ألي خاصة، أم لقومي عامة؟. قال: وما أنت وقومك؟ قالت: هي والله اذاً الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً، وإلا فأنا كسائر قومي. قال: أكتبوا لها ولقومها

6 ـ هند بنت زيد بن مخرمة الأنصارية

من نساء الشيعة في الكوفة وقد رثت الشهيد حجر بن عدي (رضوان الله عليه) بأفجع مرثية وهو لا يزال حياً، وقد كانت تنظر إليه من سطح بيتها وهو مصفّد في الأغلال مع أصحابه وهم يسيرون إلى حتفهم، وبقيت تتابع سيرهم تحت ضوء القمر فيطرق سمعها صوت الأغلال حتى اختفوا في الظلام، كانت لحظات تراجيدية مأساوية لا يمكن أن توصف، تخيّلت قتله فصورته قبل أن يكون فوصفته وهو مصلوب على باب دمشق والنسور تأكل جسده، ورغم أنه لم يصلب إلا أن الجميع كان يعرف إن ذلك كان عادة بني أمية وبشاعتهم في التلذذ بالتمثيل بالقتلى وفصل الرؤوس وصلب الأجساد وهي معروفة لدى أهل الكوفة وغيرهم وهي في مرثيتها تعدد بعض الأسماء من ضحايا بني أمية كعدي وشخص آخر وصفته بالشيخ ولعله عمرو بن الحمق الخزاعي الذي قتله معاوية وحُمل رأسه على الرمح فكان أول رأس يرفع في الإسلام على رمح، كانت تتخيل تلك البشاعة بالقتل تجري على حجر فتتمنى أن يموت موتاً طبيعياً ولا يعاني تلك الآلام ثم تعزي نفسها بأن كل (زعيم قوم) مصيره الموت تقول هند في مرثيتها تخاطب القمر المنير:

ترفّع أيها القمرُ المنيرُ *** تبصّر هل ترى حجراً يسيرُ

يسيرُ إلى معاوية بن حربٍ *** ليقتله كما زعم الأميرُ

ويصلبه على بابي دمشق *** وتأكلُ من محاسنهِ النسورُ

تجبّرت الجبابرُ بعد حجرٍ *** وطاب لها الخورنقُ والسديرُ

وأصبحت البلاد بها محولاً *** كأن لم يحيها مزنٌ مطيرُ

ألا يا حجر حجر بني عدي *** تلقّتكَ السلامةُ والسرورُ

أخاف عليكَ ما أردى عدياً *** وشيخاً في دمشق له زئيرُ

يرى قتل الخيار عليه حقاً *** له من شر أمته وزيرُ

ألا ياليت حجراً مات موتاً *** ولم ينحر كما نحر البعيرُ

فإن تهلك فكل زعيم قوم *** من الدنيا إلى هلك يصيرُ

فرضوان الإله عليك ميتاً *** وجنات بها نعم وحورُ

7 ـ هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف

من النساء المؤمنات الأوائل، أسلمت وبايعت الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحسن إسلامها، أعطاها الرسول صلّى الله عليه وآله ولأخيها ثلاثين وسقاً من الطعام في غزوة خيبر قالت هند في رثاء عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب أول شهيد من بني هاشم في معارك الدفاع عن الاسلام حيث تقول:‏‏

لقد ضمنَ الصفراءُ مجداً وسؤدداً *** وحلماً أصيلاً وافر اللبِّ والعقلِ

عبيدة فابكيه لأضيافِ غربةٍ *** وأرملةٍ تعوي لأشعثَ كالجذلِ

وبكّيهِ للأقوامِ في كل شتوةٍ *** إذا احمرَّ آفاقُ السماءِ من المَحْلِ

وبكّيهِ للأيتامِ والريحُ زفرةٌ *** وتشبيبُ قدرٍ طالما أزبدت تَغْلي

فإن تصبحَ النيرانُ قد مات ضوؤها *** فقد كان يذكيهنَّ بالحطبِ الجزلِ

لطارقِ ليلٍ أو لملتمسِ القِرى * ومستنبحٍ أضحى لديهِ على رسلِ

8 ـ أُم مسلم بن عبدالله

من نساء الشيعة، حضرت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في حربه يوم الجمل. وقد روت المصادر أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أخذ مصحفاً يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال: من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول؟ فقام اليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو فقال: أنا، فأعرض عنه. ثم كرر كلامه (سلام الله عليه) ثانياً وثالثاً فكان الفتى يقوم له قائلاً: أنا، فدفعه إليه فدعاهم فقطعوا يده اليمنى، فأخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى، فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه حتى قتل (رضي الله عنه)، فقال علي (عليه السلام): (الآن حل قتالهم). وكانت اُم الفتى تنظر إليه وهم يقطعون يديه ويقتلونه وهي على أعلى درجة من الإيمان والصبر والثبات فقالت بعد ذلك ترثيه:

لاهمَّ إن مسلماً دعاهم *** يتلو كتابَ اللهِ لا يخشاهم

واُمهم قائمةٌ تراهم *** يأتمرونَ الغيّ لا تنهاهم

قد خُضبت منه علقٍ لحاهم

9 ـ اُم الهيثم بنت الأسود النخعية

قال عنها السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: (تابعية من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌ السلام وشيعته، شاعرة، ولم نجد من ذكرها باسم غير اُم الهيثم، ولعل اسمها كنيتها أو اشتهرت بالكنية، وقد اختلفت كلماتهم في اسم أبيها: فالمفيد في الإرشاد وأبو مخنف – كما أورد عنهما أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين - قالا: اُم الهيثم بنت الأسود النخعية. وابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في اُسد الغابة قالا: اُم الهيثم بنت العريان النخعية. وابن حجر في الإصابة قال: اُم الهيثم النخعية).

ثم يعزي السيد الأمين هذا الاختلاف في الأسماء بقوله: (ولعلها نسبت تارة إلى أبيها وأخرى إلى جدها). ولهذه السيدة الجليلة قصيدة من عيون الشعر العربي ترثي بها أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي:

ألا يا عين ويحكِ اسعدينا *** ألا فابكي أمير المؤمنينا

أتبكي أم كلثوم عليه *** بعبرتها وقد رأتِ اليقينا

ألا قل للخوارجِ حيث كانوا *** فلا قرّت عيونُ ‌الشامتينا

أفي شهرِ الصيامِ فجعتمونا *** بخيرِ الناسِ‌ طرّاً أجمعينا

قتلتم خيرَ من ركبَ المطايا *** فذللّها ومن ركبَ السفينا

ومن لبسَ النعالَ ومن حذاها *** ومن قرأ المثاني ‌والمئينا

وكل مناقبِ الخيراتِ فيه *** وحبّ رسولِ ربِّ العالمينا

لقد علمتْ قريشٌ حيث كانت *** بأنكَ ‌خيرَها حسباً ودينا

إذا استقبلتَ وجهَ أبي حسينٍ *** رأيتَ البدرَ راقَ الناظرينا

وكنّا قبلَ مقتلهِ بخيرٍ *** نرى مولى رسول الله فينا

يقيمُ الحقَّ لا يرتابُ فيه *** ويعدلُ في العدى والأقربينا

وليسَ بكاتمٍ علماً لديه *** ولم يُخلق من ‌المتجبرينا

كأن الناسَ إذ فقدوا علياً *** نعامٌ حارَ في بلدٍ سنينا

فلا تشمتْ معاوية بن حربٍ *** فإن بقيةَ الخلفاءِ فينا

وأجمعنا الأمارة عن تراضٍ *** إلى ابن نبينا وإلى أخينا

فلا نعطي زمامَ الأمرِ فينا *** سواهُ الدهرَ آخر ما بقينا

وان سراتنا وذوي حِجانا *** تواصوا أن نجيبَ إذا دعينا

بكل مهندٍ عضبٍ وجردٍ *** عليهن الكماة مسومينا

10 ـ أمينة الأنصارية

امرأة من المؤمنات الصالحات حضرت مع أمير المؤمنين في صفين قال نصر بن مزاحم في كتابه (وقعة صفين): قالت أمينة الأنصارية ترثي أبا الهيثم مالك بن التيهان، وقد قتل مع أمير المؤمنين عليه‌ السلام بصفين:

مُنعَ اليوم أن أذوقَ رقاداً *** مالكٌ إذ مضى وكان عمادا

يا أبا الهيثم بن تيهان بأني *** صرتُ للهمِّ معدناً ووسادا

إذ غدا الفاسقُ الكفورُ عليهم *** إنه كان مثلها معتادا

أصبحوا مثل من ثوى يومَ أحدٍ *** يرحمُ اللهُ تلكمُ الأجسادا

11 ـ ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت الأنصاري

من بنات الإسلام والإيمان هي ابنة الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت بن عمارة بن الفاكهة بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن عباد بن عامر الأوسي، أبو عمارة، وهو ممن شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد جعل رسول الله شهادته كشهادة رجلين، لذلك سمّي (ذا الشهادتين)، وقد شهد خزيمة مع الإمام علي (عليه ‌السلام) صفين واستشهد فيها فقالت ابنته ضبيعة ترثيه وتشيد بوقفته البطولية مع أمير المؤمنين (عليه السلام):

عيني جودي على خزيمةَ بالدمعِ *** مع قتيلِ الأحزانِ يوم الفراتِ

قتلوا ذا الشهادتين عتوّاً *** أدركَ اللهُ منهم بالتُراتِ

قتلوهُ في فتيةٍ غيرَ عُزلٍ *** يسرعونَ الركوبَ للدعواتِ

نصروا السيدَ الموفّقَ ذا العد *** لِ ودانوا بذاكَ حتى المماتِ

لعنَ اللهُ معشراً قتلوهُ *** ورماهم بالخزيِّ والآفاتِ

12ـ أم سلمة هند بنت أبي اُمية

هي أم المؤمنين هند بنت أبي اُمية سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. زوجها الأول أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي. أنجبت له: سلمة، وعمرو، ودرة، وزينب. ثم تزوجها رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وهي من اُمهات المؤمنين بعد خديجة بنت خويلد. مهاجرة جليلة ذات رأي وعقل وكمال وجمال، وقد عُرفت بالجلالة والاخلاص لأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم ‌السلام)، وكانت أم سلمة من المُنكرين على عائشة خروجها لحرب أمير المؤمنين وقد نصحتها كثيراً ووعظتها وأنذرتها وذكرتها بأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهناك محاورات طويلة جرت بينهما ذكرتها المصادر لكن عائشة خالفت نصيحة أم سلمة وعصت أمر الله ونبيه فقالت أم سلمة في نهيها لعائشة من الخروج لحرب الإمام علي (عليه ‌السلام):

نصحتُ ولكن ليس للنصحِ قابلُ *** ولو قبلتْ ما عنّفتها العواذلُ

كأني بها قد ردّت الحربُ رحلَها *** وليس لها إلّا الترجُل راحلُ

وقالت أم سلمة في ترك عائشة لنصيحتها وندمها بعد ذلك:

لو أن معتصماً من زلةٍ أحدٌ *** كانت لعائشة العُتبى على الناسِ

كم سُنةٍ لرسولِ اللهِ تاركة *** وتلو آي من القرآنِ مدراسِ

قد ينزع الله من ناسٍ عقولهمُ *** حتى يكون الذي يقضي على الناسِ

فيرحمُ الله اُم المؤمنين لقد *** كانت تبدّلُ أيحاشاً بإيناسِ

اضف تعليق