q
إسلاميات - ثقافة إسلامية

يتيم الجواد

فجعنا برحيل الجواد من آل الشيرازي بعد زيارته لجده الحسين (عليه السلام) اثر حادث مؤسف. فكان وقع هذا المصاب صعبا ومؤلما على أهله وأسرته، حيث هزت حتى البعيدين عن هذه الاسرة، ولكن لا اعتراض لقضاء الله وحكمه ونقول كما قال المرتضى من آل الشيرازي: اللهم رضا بقضائك.

خلّف الجواد خمسة أيتام.. صقل روحهم بحب أهل البيت (عليهم السلام).. وعلمهم رغم صغر سنهم طاعة الله.. وبذر في نفوسهم النقية شعائر الامام الحسين (عليه السلام).

السيد محمد حسين اكبر أبناء الجواد وهو ذو العشر سنوات من العمر لم يستطع أن يصدق لباس اليتم الذي البسه الدهر بغتة.. يدير نظراته يمينا وشمالا ليرى مكان والده خاليا.. بدموع حزينة.. ونشيج متقطع.. وقلب يحترق ألما... ولوعة تنعكس على مرايا القلب.. سأل جده المرتضى عندما رآه: هل أصبحتُ يتيما؟

مسح جده بيده على رأسه وردّ عليه ليخفف عنه وطأة اليتم وقساوته وفي الوقت نفسه يعطيه درسا في الصبر وتحمل المسؤولية قائلا: لقد أصبحت كبيرا ومسؤولا عن أخوتك وأخواتك...

أبى أن يصدق ذلك اذ ان الابن يحس بالقوة والفخر والاطمئنان والأمان لوجود أبيه، ولكن لا وجود لهذه الاحاسيس من الآن فصاعدا.. لتحل محلها احاسيس اليتم.. ردد كلماته بحزن: السيدة رقية بنت الامام الحسين (عليه السلام) مع انها كانت ابنة امام معصوم لم تتحمل ألم وقسوة اليتم وفارقت الدنيا على رأس أبيها، فكيف بي وانا مازالت صغيرا..

بنظرات أبوية رحيمة رغم قلبه الذي يعتصر الما على ولده ورغم عظم المصاب يعطي لهذا اليافع درسا آخر في التلقين الإيجابي، أجابه جده: لقن نفسك 100 مرة يوميا انت كبير... يجيبه: لا أستطيع فانا مازلت صغيرا... يعيدها عليه: بل 200 مرة... لقنها مرارا حتى تصدق أنك كبرت، يجيبه مرة أخرى: امنيتي الوحيدة ان أرى ابي مرة واحدة...

يريد الجد أن يهدئه ويصبره حتى يتقبل الحقيقة فقال: إذا أحد ائتمنك على مال عندك وبعد ذلك قال لك أعطني ذلك المال هل تعطيه ام لا؟ إن أباك كان امانة عندنا والله سبحانه وتعالى أخذ أمانته واسترجعها.

ولكن لوعة الابن وحرقته لم تهدأ فزاده الجد: إحمد الله تعالى إن والدك توفى بعد زيارته للإمام الحسين (عليه السلام)، تصور لو انه مات بأسوء من ذلك فلو قتلوه الدواعش أو أسروه او عذبوه ألم يكن ذلك أسوء؟

احتضنه الجد بعد ذلك ليعطيه الامل في الحياة والمستقبل قائلا: اذن ادعو الله لمولانا صاحب الزمان بالفرج.. كل يوم.. كل جمعة والحّ عليه بالدعاء، فعند ظهور الامام (عجل الله تعالى فرجه) سترى أباك أيضا.

عند ذلك سينتهي يتمك ويتمنا جميعا. فعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: أشد من يُتم اليتيم الذي انقطع عن أمه وأبيه، يُتم يتيم انقطع عن إمامه ولايقدر على الوصول إليه....

والعبرة تكمن فيما ذكرنا كيف يتعامل المربين مع الأطفال ومراعاة مشاعرهم وعدم الاستهانة بها، وتوجيهها في الاتجاه الصحيح وخصوصا في الازمات والمصائب.

كما لابد للإنسان أن يربط نفسه وعائلته بأهل البيت (عليهم السلام) في دقائق الأمور وفي كل الأحوال وأصعبها لأن ذلك سيخلق منه انسانا نموذجيا يحتذى به.

وختاما أن يبحث الانسان في ظلمة المصائب وصعوباتها على بصيص أمل يستجمع به قواه ليواصل مسيرته في الحياة، وهل هناك أمل أقوى من ظهور الامام (عجل الله فرجه)؟

سيدي أيها المرتضى كما عهدناك وألفناك تمد يدك الأبوية الى القريب والبعيد لتساعده وتخرجه من يتمه المعنوي وترتقي به في عالم العلم والمعرفة، ستكون كذلك مع أيتام الجواد لنراهم علما من أعلام التشيع في المستقبل.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق