q

يمر الاقتصاد في الولايات المتحدة الاميركية بمرحلة جديدة، فالاقتصاد الذي بُني على الانفتاح والاتفاقيات مع الخارج، نجده اليوم ينضوي نحو الداخل ويحاول اعادة الحياة للسياسات الحمائية التي طالما كان ضدها منذ فترة طويلة، وهذا بدوره ماجعل العديد من الاقتصاديين والمتابعين للحدث الاقتصادي الاميركي يغيرون مسار توقعاتهم المستقبلية حول السياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة،ويرى صانعو السياسة بمجلس الاحتياطي يتفقون على أن إجراءات ترامب التحفيزية تزيد مخاطر التضخم، اذ أظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي أن كل صانعي السياسة النقدية بالبنك المركزي الأمريكي تقريبا يعتقدون أن الاقتصاد قد ينمو بخطى أسرع بفضل إجراءات التحفيز المالية في ظل إدارة ترامب وأن الكثيرين منهم يتوقعون وتيرة أسرع لزيادات أسعار الفائدة.

وأشار محضر الاجتماع كيف أن الآراء داخل مجلس الاحتياطي تتغير بوجه عام ردا على وعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتخفيضات ضريبية وإنفاق على البنية التحتية وتخفيف القواعد التنظيمية، وقد تعطي مثل هذه التغييرات دفعة للتضخم وربما تمهد لمواجهة بين رئيس يسعى إلى تعزيز النمو الاقتصادي ومجلس الاحتياطي الذي من مهامه منع نمو تضخمي للاقتصاد.

ورفعت اللجنة صانعة السياسة بمجلس الاحتياطي بالإجماع أسعار الفائدة الشهر الماضي بمقدار ربع نقطة مئوية وأشار أعضاء اللجنة إلى وتيرة أسرع مما كان متوقعا في السابق لزيادات الفائدة في 2017 . ونظر إلى ذلك على أنه رد الفعل الأولي للبنك المركزي على فوز ترامب في انتخابات الرئاسة.

لكن محضر الاجتماع أظهر أن صانعي السياسة قد يشيرون ِإلى مسار أكثر قوة لزيادات الفائدة إذا زادت الضغوط التضخمية. وأثناء حملته الانتخابية وعد ترامب بمضاعفة وتيرة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة و"إعادة بناء" البنية التحتية بالبلاد، وعقب زيادة الفائدة أبلغت جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الصحفيين أن انتخاب ترامب وضع البنك المركزي الأمريكي تحت "سحابة من عدم اليقين"، ويراهن المستثمرون في وول ستريت على أن المرة القادمة التي سيرفع فيها مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة ستكون في يونيو حزيران وأنه ربما يقرر زيادتين فقط للفائدة بحلول نهاية العام.

البنوك الأمريكية الكبرى تعترض على قاعدة "فولكر"

تعتزم البنوك الأمريكية الكبرى دفع الكونجرس هذا العام إلى تخفيف أو إلغاء قاعدة فولكر التي تحول دون استخدام أموال المودعين في المضاربة لحساب البنك في اختبار لمدى قدرة وول ستريت على ممارسة نفوذها في واشنطن من جديد.

وقد بدأت جماعات الضغط الاجتماع مع المشرعين عقب الانتخابات الأمريكية لمناقشة أمور من بينها إلغاء قاعدة فولكر التي جاءت في إطار قانون الإصلاح المالي المعروف باسم قانون دود-فرانك الذي سنه الكونجرس بعد الأزمة المالية وعمليات الإنقاذ المصرفية.

وذكرت جماعات الضغط إنها تعتزم تقديم أدلة لقادة الكونجرس تثبت تأثير قاعدة فولكر سلبا على الشركات والمستثمرين والاقتصاد الأمريكي.

ولسنوات طويلة دأبت البنوك الكبرى على الشكوى من قاعدة فولكر، لكن نفوذ القطاع تقلص كثيرا في واشنطن بعد الأزمة المالية. وتبنت الجهات التنظيمية التابعة لحكومة الرئيس باراك أوباما وأجهزة تنفيذ القانون موقفا صارما تجاه البنوك بينما انتهز المشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الفرص لانتقاد وول ستريت من أجل تحقيق مكاسب سياسية.

وترى البنوك الآن فرصا لإلغاء هذه الإصلاحات في عهد حكومة الرئيس المنتخب دونالد ترامب والكونجرس القادم بقيادة الجمهوريين والذي يبدو أكثر دعما لقطاع الأعمال وفقا لما تقوله جماعات الضغط، ويرى مؤيدو قاعدة فولكر إن المصارف التي تستفيد من الدعم الحكومي مثل التأمين على الودائع يجب ألا تضارب بميزانياتها، ويشير المؤيدون أيضا إلى أن مراهنات البنوك لحسابها باستغلال أموال المودعين زادت من حدة الأزمة وخلقت حالة من السلوك الجشع غير الأخلاقي في وول ستريت.

وسيحتاج تغيير قاعدة فولكر عبر الكونجرس إلى 60 صوتا في مجلس الشيوخ بما في ذلك تأييد ما لا يقل عن ثمانية ديمقراطيين، وترى جماعات الضغط إنها تنوي خطب ود بعض الديمقراطيين الداعمين لقطاع الأعمال، وينوي المصرفيون وجماعات الضغط أثناء تقديم حججهم لإلغاء القاعدة تجنب الحديث عن أرباح القطاع. وبدلا من ذلك يعتزمون تسليط الضوء على فكرة أن فولكر تقلل السيولة في السوق ومن ثم تؤثر سلبا على الشركات والمستثمرين والاقتصاد.

عمالقة النفط في أمريكا تقف بوجه الاصلاح الضريبي لترامب

تواجه شركات النفط الكبرى في الولايات المتحدة موقفا فريدا لحماية مصالحهم في مواجهة مقترح للجمهوريين لفرض ضريبة على الواردات بالنظر إلى أن إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب مرصعة بأسماء كبيرة في القطاع حساسة تجاه مخاطر ارتفاع أسعار البنزين.

ويتضمن الفريق الانتقالي لترامب الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل ركس تيلرسون والذي رشحه الرئيس المنتخب وزيرا للخارجية وريك بيري حاكم ولاية تكساس السابق الذي رشحه وزيرا للطاقة والمدعي العام لأوكلاهوما سكوت برويت الذي رشحه لرئاسة وكالة حماية البيئة.

وفي الكونجرس الأمريكي يرتبط الأعضاء الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء بعلاقات وثيقة مع قطاع الطاقة بما في ذلك رئيس لجنة الضرائب في مجلس النواب كيفين برادلي وهو جمهوري من تكساس.

ويريد الأعضاء الجمهوريون في مجلس النواب تبني إصلاحا ضريبيا سيخفض بشدة معدلات الضريبة على الشركات وينهي الضرائب على أرباح الشركات الأمريكية في الخارج.

لكن بندا يعرف باسم تعديل الحدود يثير جدلا. ورغم أنه يهدف لدعم الصناعات التحويلية الأمريكية من خلال إعفاء إيرادات الصادرات من الضرائب إلا أنه يثير قلق بعض الصناعات لأنه سيفرض أيضا ضريبة على الواردات.

ولأن مصافي النفط الأمريكية تستورد نحو نصف كميات الخام الذي تستخدمه لإنتاج البنزين ووقود الديزل ومنتجات أخرى يرى محللون إن التغيير ربما يؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين ومن المحتمل أن يقوض النمو الاقتصادي، وقد تتضرر أيضا شركات النفط المتكاملة مثل إكسون ورويال داتش شل وكونوكو فيليبس ويعتمد ذلك على موقفها كمستورد صاف.

ويتمثل الخطر في أن تلك الخطوة لحماية المصافي النفطية قد تفتح الباب لمساعدة قطاعات أخرى من بينها شركات التجزئة وشركات صناعة السيارات التي ستواجه أيضا ارتفاعا في النفقات إذا لم تتمكن من خصم تكلفة الواردات من دخلها الخاضع للضريبة، وقد يحرم ذلك تعديل الحدود من جمع إيرادات متوقعة بقيمة تريليون دولار للمساهمة في تمويل خفض الضرائب على مدى السنوات العشر القادمة.

ورغم ذلك يستبعد بعض الخبراء الاقتصاديين في القطاع زيادة نفقات الواردات ويقولون إن قيمة الدولار سترتفع استجابة لمثل تلك التغييرات الضريبية الشاملة مما يخفض في نهاية المطاف تكلفة الواردات. وهم يتوقعون أن تتكيف أسواق العملة مع ارتفاع أسعار النفط بخفض القيمة الدولارية للخام.

وتستفيد شركات النفط بالفعل من بضعة بنود في قانون الضرائب سارية منذ عقود والتي ستُلغى بموجب خطة الجمهوريين في مجلس النواب. لكنها من المنتظر ان تجني مكاسب تزيد عما ستخسره، وعلى سبيل المثال فإن الخفض الضريبي الحالي للإنتاج المحلي يتيح لمنتجي النفط خفض معدل ضريبة الشركات إلى 32 بالمئة من الحد الأعلى البالغ 35 بالمئة. وبموجب خطة الجمهوريين في الكونجرس ستنخفض ضريبة الشركات إلى 20 بالمئة في حين أن خطة ترامب تخفضها إلى 15 بالمئة.

هل تمنع تهديدات ترامب الشركات الاميركية من الانتقال الى الخارج؟

قد تشكل تحذيرات الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب بمعاقبة الشركات المتعددة الجنسيات في حال انتقالها الى الخارج مخاطر جديدة لها لكنها لن تؤثر على تلك التي تخطط لنقل الوظائف خارج البلاد.

وزار ترامب مصنع "كاريير" بعد حصول الشركة المتفرعة عن المجموعة العملاقة "يونايتد تكنولوجيز" على امتيازات ضريبية بقيمة سبعة ملايين دولار على عشر سنوات، للحفاظ على 1100 وظيفة في انديانا، وصرح ترامب بأنه لن تواصل الشركات مغادرة الولايات المتحدة من دون أن تكون هناك عواقب.

واكد الرئيس المنتخب "بامكان (الشركات) المغادرة من ولاية الى اخرى، والتفاوض على اتفاقات مع ولايات مختلفة الا ان مغادرة البلاد سيكون امرا صعبا للغاية، ولم يدل ترامب بتفاصيل حول خطته لممارسة ضغوط على الشركات للحفاظ على الوظائف داخل الولايات المتحدة، ولكن قد يكون الغاء العقود الحكومية احد تلك الوسائل.

وسيجعل ذلك الشركات التي تعمل في مجالات الدفاع والاعمال العامة والخدمات العامة عرضة للعقوبات بشكل خاص، ويذكر ان ترامب تعهد قبل انتخابه الحفاظ على وظائف العمال ضمن نطاق الأراضي الأميركية، وتعهد ان تكون الولايات المتحدة مكانا افضل للاعمال عبر اقتطاعات ضريبية وتبسيط القوانين.

لكن بعض الشركات اكدت ان تهديدات الرئيس المنتخب لا تكفي لارغامها على تغيير خططها.

وكانت شركة "كاتربيلار" اعلنت في 2015 اعتزامها اغلاق احد مصانعها في جوليت في ولاية ايلينوي، لصنع مضخات الغاز وصمامات، بالاضافة الى نقل 230 وظيفة الى المكسيك.

واعلنت شركة مونديليز العملاقة في مجال الصناعات الغذائية اعتزامها المضي قدما في خططها لنقل مئات الوظائف من مصنع البسكويت "اوريو" في شيكاغو الى المكسيك، واكدت لوري جوزيناتي المتحدثة باسم الشركة "لم نتواصل مع الادارة الجديدة"، واضافت ان مصنع شيكاغو "يبقى جزءا مهما من شبكة التصنيع الخاصة بنا" مشيرة ان شركتها تواصل صنع بسكويت اوريو في ثلاثة مصانع اميركية.

وفي موقع ليس ببعيد عن مصنع كاريير الذي استقبل ترامب في انديانا، تخطط شركات صناعية من ريكسنورد ومانيتووك لنقل انشطتها الى خارج الولايات المتحدة، وستغلق مانيتووك مصنعا في سيلرزبورغ في انديانا بسبب انخفاض الطلب على موزعات المشروبات الغازية التي تصنع هناك، بحسب متحدث، وسيتم نقل غالبية الوظائف ال87 الى تيخوانا شمال المكسيك.

واثارت خطط ترامب ردود فعل متباينة، واثنى رئيس اتحاد عمال السيارات دينيس وليامز على خططه، بينما رأى تحالف الصناعة الاميركية ان تقرير الجمعة حول الوظائف اظهر انخفاضا بقيمة 4000 وظيفة في قطاع الصناعة في تشرين الثاني/نوفمبر.

وذكر المرشح الديموقراطي السابق للرئاسة بيرني ساندرز ان مقترح ترامب كان خاسرا، لان الشركة ستقوم بالفعل بنقل 1000 وظيفة الى المكسيك، مؤكدا ان ترامب فشل في الابقاء على تعهده الحفاظ على كامل 2100 وظيفة، وبحسب ساندرز فان ترامب يهدد الوظائف الاخرى في الولايات المتحدة لانه اوحى لكافة الشركات الاميركية ان "بامكانكم التهديد بنقل الوظائف الى الخارج مقابل الحصول على مزايا ضريبية ملائمة للاعمال ومحفزات".

الخلاصة

يرى العديد ان سياسات ترامب وارآءه ماهي الا بداية لشرعنة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وفرض وصايتها على الاقتصاد الوطني، هذه الوصاية التي تركتها منذ زمن طويل لصالح الحرية الاقتصادية التي تمثل الركيزة التي يقوم عليها الاقتصاد الرأسمالي، ويرى أخرون ان هذه السياسة جاءت بعد نجاح الدولة في حل الازمة المالية العالمية لاسيما في الولايات المتحدة الاميركية، وهذا مااستند اليه ترامب، فزيادة الانفتاح والتبادل مع الخارج على حساب المُنتج والصناعة المحلية أضعف الاقتصاد المحلي الذي بدوره أصبح عاجزاً عن حل مشاكله الخاصة.

وهذا ماقد يعني بداية جديدة من حياة الرأسمالية التي لم تكن تعرفها او كانت عاللاقل تبتعد عنها وهي مرحلة رأسمالية الدولة، اي ان يكون للدولة دور في ادارة النشاط الاقتصادي والتأثير فيه.

اضف تعليق