q

يدخل الاقتصاد التركي هذه الفترة مرحلة من الانكماش والانحسار على صعيد النمو الاقتصادي وايضاً على مستوى العملة المحلية او الانتاج في القطاعات الاقتصادية، ويعود ذلك الى التقلبات السياسية والأمنية والظروف الاستثنائية التي تعيشها تركيا هذه الفترة، وكمحاولة لردم الصدع والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي، دعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المواطنين الى بذل مزيد من الجهود لدعم الليرة من خلال تحويل العملات الاجنبية الى العملة الوطنية، بعد ان اخفقت حملته في وقت سابق الشهر الحالي في تحقيق نتائج ملموسة، وقاد اردوغان جهودا على مستوى البلاد لدعم العملة المحلية.

اذ دعا السكان الى تحويل الاموال التي يخبئونها "تحت الوسادة" بعد ان خسرت الليرة نحو 20% من قيمتها خلال عام 2016، ومنذ اطلاقه دعوته في الثاني من كانون الاول/ديسمبر، سارع الاتراك في جميع انحاء البلاد الى دعم الليرة المتدهورة من خلال تقديم الحوافز لتحويل العملات الاجنبية، بينما حولت مؤسسات الدولة اصولها الى الليرة بما في ذلك صندوق دعم صناعات الدفاع.

وفي اخر خطوة ذكرت بلدية اسطنبول انها ستحول نحو 42 مليون دولار (40 مليون يورو) من الاصول بالدولار الى الليرة التركية، وقدمت بعض المؤسسات حفلات زفاف ووجبات كباب وقصات شعر وحتى شواهد قبور مجانية لكل من يحول عملة اجنبية الى الليرة، لكن خبراء الاقتصاد يشككون في ان تثمر هذه الجهود عن تحسين سعر العملة وسط الاضطرابات السياسية والمخاوف بشان الاقتصاد الهش، وسجلت الليرة ارتفاعا لفترة وجيزة ، الا انها عادت الى الهبوط لتصل الى 3,47 مقابل الدولار، اي بتراجع بنسبة 1,2%.

تحويلات بقيمة 172 مليون دولار لدعم العملة

حولت مؤسسة البريد والتلغراف التركية 172 مليون دولار من النقد الأجنبي إلى الليرة استجابة لدعوة الرئيس رجب طيب اردوغان لدعم العملة التركية وفقا لما نقله تلفزيون ان.تي.في.

وفقدت الليرة ما يصل إلى خمس قيمتها مقابل الدولار هذا العام متضررة من ارتفاع العملة الأمريكية والمخاوف بشأن حملة أمنية واسعة النطاق شنتها السلطات عقب محاولة انقلاب في يوليو تموز، وعوضت الليرة بعض خسائرها هذا الأسبوع وباتت منخفضة نحو 15 بالمئة منذ بداية العام.

وانضمت مؤسسة البريد إلى جهود غيرها من المؤسسات التركية كهيئة تنظيم سوق الطاقة التي قررت عقد عطاءات توزيع الغاز الطبيعي بالليرة بدلا من الدولار وبورصة اسطنبول التي بينت إنها حولت جميع أصولها السائلة إلى الليرة.

وهذا يدخل ضمن الجهود المكثفة لدعم الليرة، ومن ضمنها هو تدخل المصرف المركزي التركي في 24 ت2/نوفمبر 2016 للمرة الاولى منذ مطلع 2014 لدعم الليرة، التي فقدت نحو 10% من قيمتها ازاء الدولار خلال الشهر الحالي وتسجل الليرة التركية اسبوعيا تراجعا قياسيا مقابل الدولار نتيجة التشاؤم السائد بازاء الوضع الاقتصادي في تركيا بسبب تقلص النمو والتداعيات المرتبطة بالانقلاب.

وتدخل المصرف المركزي التركي للمرة الاولى منذ كانون الثاني/يناير 2014 داعما الليرة التركية التي فقدت نحو عشرة بالمئة من قيمتها ازاء الدولار خلال تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وكان يتم التبادل بها بنحو 3،45 ليرات مقابل الدولار، واذا كان تدخل المصرف المركزي ساهم لفترة قصيرة بارتفاع قيمة الليرة التركية، فان هذا التحسن سرعان ما تبخر اثر صدور قرار عن البرلمان الاوروبي دعا الى تجميد مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.

وما اكد عمق الهوة بين تركيا والاتحاد الاوروبي الشريك التجاري الاول لتركيا، تهديد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الجمعة بفتح حدوده مجددا امام توافد اللاجئين الراغبين بالانتقال الى اوروبا، الا ان مظاهر القوة هذه لم تستمر طويلا. فقد تدنت نسب النمو كثيرا وباشرت السلطات التركية حملات تطهير غير مسبوقة شملت كل من تشتبه بعلاقته بالانقلاب الفاشل، كما ان المستقبل السياسي للبلاد بات مرتبطا باستفتاء من المتوقع ان يجري في الربيع المقبل لتعزيز صلاحيات الرئيس.

ولا تبدو الارقام الاقتصادية جيدة في تركيا، فقد انخفض الاستهلاك بنسبة 2% خلال الفصل الثاني، ووصلت نسبة البطالة الى 11،3 %، وتراجع الانتاج الصناعي خلال ايلول/سبتمبر بنسبة 3،1% ما سيعني تراجع النشاط الاقتصادي في البلاد خلال الفصل الثالث من العام 2016 للمرة الاولى منذ عام 2009.

مشاريع مشتركة مع روسيا والصين وإيران

ذكر نور الدين جانيكلي نائب رئيس الوزراء التركي إن اقتراحات تركيا للتعامل التجاري بالعملات المحلية مع روسيا والصين وإيران لقت "قبولا سياسيا" وإن البنوك المركزية لتلك الدول تعكف بشكل مكثف على هذه المسألة.

ترغب تركيا في مزيد من التجارة بالليرة التركية بعد الهبوط الحاد في قيمة العملة إلى مستويات قياسية منخفضة مقابل الدولار في الأسابيع الأخيرة. وحث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الأتراك على تحويل النقد الأجنبي إلى الذهب أو الليرة للدفاع عن العملة، وإن بلاده تأخذ خطوات للسماح بالتجارة مع الصين وروسيا وإيران بالعملات المحلية في أحدث مسعى للحكومة لدعم الليرة التي تتهاوى.

وأضاف إردوغان أن رئيس الوزراء بن علي يلدريم سيطرح الأمر خلال زيارته المقبلة لروسيا، وطلب إردوغان من الأتراك بيع ما بحوزتهم من عملات أجنبية وشراء الليرة لوقف الاتجاه النزولي للعملة المحلية التي فقدت 20 بالمئة من قيمتها بسبب قوة الدولار والمخاوف جراء الحملة التي تشنها الحكومة بعد الانقلاب في 15 يوليو تموز، ومن ناحية اخرى خفضت الحكومة توقعاتها بالنمو الى 3,2% من 4,5% لهذا العام وسط الاضطرابات السياسية والهجمات الارهابية التي شهدتها البلاد العام الماضي واثرت على الاقتصاد.

تخفيضات ضريبية لتعزيز النمو الاقتصادي

صرح وزير المالية التركي ناجي إقبال إن بلاده قد تلجأ إلى المزيد من التخفيضات الضريبية المؤقتة لتعزيز النمو الضعيف بعد نتائج مخيبة للآمال في الربع الثالث، وتضرر اقتصاد تركيا جراء انقلاب عسكري فاشل في يوليو تموز وحالة الضبابية بشأن قانون الطوارئ الذي فُرض في أعقاب ذلك الانقلاب والذي دفع المستثمرين والمستهلكين إلى تخفيض إنفاقهم، وزادت المخاوف بفعل انخراط أنقرة بقوة في الصراعات في الجارتين العراق وسوريا.

وانكمش الإنتاج الصناعي 3.1 بالمئة على أساس سنوي في سبتمبر أيلول مما دفع الاقتصاديين إلى تخفيض توقعاتهم للنمو ليبدو معدل النمو المستهدف البالغ 3.2 بالمئة في 2016 بالغ الصعوبة، وأضاف ان الحكومة تحاول استخدام جميع الأدوات الممكنة بما في ذلك السياسة النقدية وإجراءات التحوط ضد المخاطر واجراءات السياسة المالية وستواصل تبني أي اجراءات إضافية لإعطاء الاقتصاد بعض الزخم.

وتستهدف الحكومة نموا بواقع 4.4 بالمئة العام القادم لكن ذلك يبدوا أيضا هدفا متفائلا حسبما يقول محللون وعلى وجه الخصوص إذا أجرت تركيا استفتاء على تغير الدستور لزيادة سلطات الرئيس في الربيع كما هو متوقع.

ويخشى المستثمرون من أن ينشغل حزب العدالة والتنمية الحاكم كثيرا بالترويج لذلك التغيير الذي لطالما انتظره الرئيس رجب طيب اردوغان للمضي قدما في خطط الإصلاح الاقتصادي.

كما أضاف إقبال أن بلاده جمعت 1.7 مليار ليرة (520 مليون دولار) إضافية إلى الآن بموجب إعفاء ضريبي جرى الإعلان عنه في الرابع من أغسطس آب ويسري حتى 25 نوفمبر تشرين الثاني.

وأفاد إنه جرت إعادة هيكلة ما قيمته الإجمالية 54 مليار ليرة من الضرائب إلى الآن بموجب البرنامج مما يعني أن ما ستجمعه الحكومة في النهاية من المرجح أن يسجل زيادة كبيرة. وبموجب الإعفاء من الممكن سداد الديون نقدا خلال 36 شهرا.

وإنه متفائل بأن إجراء يسمح للأشخاص بجلب الأصول التي يحتفظون بها في الخارج إلى تركيا للاستثمار في الشركات أو العقارات أو البنوك من دون فرض ضرائب على ذلك سيؤدي إلى تدفق "مبالغ ضخمة من المال للبلاد غير أنه امتنع عن الكشف عن حجم تلك التدفقات. وستستمر الخطة حتى نهاية 2016.

تدهور الانتاج الصناعي التركي وسط مخاوف حول النمو

سجل الانتاج الصناعي التركي تراجعا حادا في ايلول/سبتمبر مما عزز المخاوف بانكماش النمو في النصف الثاني من العام بعد محاولة الانقلاب في تموز/يوليو الماضي، حسبما افادت هيئة الاحصاءات الرسمية، واوردت هيئة "توركستات" ان الانتاج الصناعي المعدل لايام العمل تراجع ب3,1% في ايلول/سبتمبر 2016 بالمقارنة مع الشهر نفسه في العام السابق، واضافت الهيئة ان الارقام التي تم تعديلها لايام العمل والتاثيرات الفصلية سجلت تراجعا ب3,8% من آب/اغسطس و4,1% من ايلول/سبتمبر العام الماضي.

وكانت صلابة الاقتصاد التركي رغم الازمات المتعددة التي شهدتها المنطقة تعتبر ركيزة اساسية في شعبية الرئيس رجب طيب اردوغان، لكن محاولة الانقلاب اثارت بلبلة بين المستثمرين بينما نسفت الاعتداءات الارهابية الموسم السياحي للعام الحالي وعليه خفضت الحكومة توقعاتها للنمو للعام 2016 بكامله الى 3,2% كما ذكرنا أنفاً.

وعلق كبير المحللين الاقتصاديين لدى "بي جي سي بارتنرز" في اسطنبول اوزغور التوغ "من الواضح ان الانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو كانت له تبعات خطيرة على الانتاج، واضاف التوغ ان النمو في الربع الثالث "يمكن ان يكون سلبيا" بينما تلاحظ الحكومة مؤشرات تحسن في الفصل الرابع "لكن علينا الاقرار بانها ليس قوية.

اما كبير المحللين الاقتصاديين لدى "كيو ان بي فايننس بنك" غوكشي شيليك فاعتبر ان الاداء الضعيف في الفصل الثالث سينعكس على النمو في العام بكامله وادى الى خفض توقعات النمو للعام الى 2,1% بعد ان كانت 3%.

ويرى المحللون ان التراجع في ايلول/سبتمبر مرده جزئيا الى ارتفاع في اب/اغسطس مما ادى الى تحسن الانتاج الصناعي ب8,8% على مدى شهر عندما اندفع العمال من اجل تعويض الوقت الفائت اثر الانقلاب الفاشل، اما كبير خبراء الاسواق الناشئة لدى "كابيتال ايكونوميكس" في لندن وليام جاكسون فاعتبر ان بيانات الاحصاءات اظهرت ايضا وجود تحسن لكن "الميل في الاقتصاد هو نحو اداء ضعيف، وتابع جاكسون "يبدو من المرجح جدا ان يكون اجمالي الناتج الداخلي تراجع في الفصل الثالث".

وانعكست المخاوف حول اداء الاقتصاد ضغوطا على الليرة التركية التي خسرت 4,3% من قيمتها ازاء الدولار ، ويشعر المستثمرون بالقلق حول النمو وايضا حول مساعي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لاقامة نظام رئاسي وتوقيف عشرة نواب من حزب الشعوب الديموقراطي وما يمكن ان تؤدي اليه من زعزعة للاستقرار.

قطاع الفنادق في تركيا يخفض حجم العمالة

اذ ذكر تقرير إن الفنادق التركية خفضت العمالة نحو 40 بالمئة في حين أغلق بعضها خلال فصل الشتاء وتكافح أخرى لسداد الديون بعد عام صعب هبطت فيه معدلات الإشغال لأدنى المستويات في أوروبا، وتضرر قطاع السياحة الذي يضيف في الأحوال العادية نحو 30 مليار دولار سنويا إلى الناتج المحلي الإجمالي لتركيا جراء سلسلة من التفجيرات التي وقعت هذا العام من بينها هجوم تعرض له مطار اسطنبول الرئيسي ومحاولة انقلاب فاشلة في يوليو تموز.

وتعد تركيا من أكثر الدول التي يزورها السياح ومن بينهم العرب والروس والأوروبيون وشهدت هبوطا في متوسط إشغال الفنادق إلى 50.4 بالمئة في الأشهر العشرة الأولى من 2016 بحسب اتحاد الفنادق هناك، وأفاد تيمور بايندير رئيس اتحاد الفنادق في بيان إن إيرادات الغرف تراجعت 42 بالمئة على مدى الفترة نفسها مسجلة أيضا أكبر هبوط في أوروبا بينما شهدت بعض الفنادق معدلات إشغال عند 30 بالمئة فقط وهو ما يعني أنها كانت تعمل بخسارة، وتابع "باع بعض ملاك الفنادق شققهم لتلبية احتياجاتهم وسرح القطاع 40 بالمئة من عمالته."

وأظهرت البيانات الرسمية أن عدد الزائرين الأجانب لتركيا انخفض نحو الربع في أكتوبر تشرين الأول. وهذا أقل هبوط في سبعة أشهر مع تحسن عدد السياح القادمين من روسيا بعدما استعادت أنقرة علاقاتها مع موسكو، وتضررت اسطنبول بشدة بصفة خاصة هذا العام مع انخفاض معدلات الإشغال في فنادق المدينة بما يزيد على الربع في العشرة أشهر الأولى من العام، وهبط متوسط سعر الغرفة إلى 99.3 يورو (106 دولارات) من 124.1 يورو قبل عام.

ووصف بايندير وضع فنادق اسطنبول "بالمأسوي للغاية"، وإن كثيرا من تلك الفنادق ربما تقتدي ما فعلته بعض الفنادق في أنطاليا على ساحل البحر المتوسط فتغلق أبوابها في فصل الشتاء لخفض النفقات، وأضاف أن معظم الشركات تواجه صعوبات في سداد الديون التي اقترضتها لتلبية احتياجات زيادة كبيرة كانت مأمولة في عدد السياح، الا انه من المستبعد أن يلحق ذلك ضررا شديدا بالنظام المصرفي حيث شكلت الفنادق أقل من واحد بالمئة من إجمالي القروض المتعثرة في سبتمبر أيلول بحسب بيانات رقابية.

حلول الأزمة الاقتصادية في تركيا

وهنا قد يضع احدهم سؤالاً لأبد منه، وهو هل من بوادر للخروج من هذه الأزمة الخانقة؟ واذا ماكان الجواب نعم، فكيف ذلك؟ واذا ماكان لا، فماهو الحل للخروج منها؟

ولو افترضنا بأن الجواب هو نعم، فأن ذلك ممكن بالأعتماد على التأريخ الاقتصادي التركي وحتى لانعود للوراء كثيراً، فتركيا عادت من بعير بعد ان كانت الاقتصاد التركي يرزخ تحت وطأة التضخم والعجز وبشكل كبير، حتى كانت العودة ما بعد العام 2004، لاسيما بعد تسنم حزب العدالة والتنمية للسلطة، فضلاً عن ان الانقلاب الاخير بين مدى صلابة الشعب التركي ووقوفه حول السلطة في أحلك الظروف.

واما اذا كان الجواب، فأن السبيل للخروج من عنق الزجاجة او من هذا الوضع، هو رهن بالسياسة الداخلية والخارجية التركية ومسارها في المستقبل في ظل ظروف مابعد الانقلاب وكذلك معارك التحرير للموصل في العراق والحرب في سوريا، تدخلاتها وتصعيدها للمواقف مع العراق وسوريا ومواقفها مع الدول الاخرى، وبالتالي فأن جميع الحلول ممكنه، اذا مااستطاع اصحاب القرار في تركيا استخدامها بالشكل الأمثل.

اضف تعليق