q

على الرغم من مرور نحو ستة أشهر على رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، فإن الاتفاق النووي لم يحقق ما راهنت عليه طهران فيما يخص جذب للاستثمارات أو الاعتراف الدولي بدورها في المنطقة.، اذ توقع كثيرون اندفاعة قوية في مجال الاستثمار في ايران بعد الاتفاق الدولي حول ملفها النووي العام 2015 ورفع العقوبات لكن رغم وصول الاف الوفود الى طهران من اسيا واوروبا وغيرها، لا تزال الصفقات الكبيرة غائبة، وهذا ما يجعل من الاتفاق مع الشركة العملاقة الفرنسية توتال، مشروع بكلفة 4,9 مليارات دولار مدته 20 عاما لتطوير حقل للغاز البحري في إيران، اختراقا بالنسبة لهذا البلد، وكانت شركة السيارات الفرنسية "بي اس ايه" وقعت صفقة بقيمة 400 مليون يورو في حزيران/يونيو 2016 لتصنيع سيارات ومركبات من طراز "بيجو" مع شركة صناعة السيارات الإيرانية "خوسرو"، كما وقعت الشركة الفرنسية اتفاقية بقيمة 300 مليون يورو في تشرين الاول/أكتوبر لتصنيع سيارات من طراز "سيتروين" مع شركة "سايبا" الإيرانية.

من جهتها، اعلنت مجموعة "اكور" الفندقية أنها تعمل على 10 إلى 15 مشروعا في إيران، أملا في الاستفادة من ازدهار السياحة اثر توقيع الاتفاق النووي، اما الصفقات الرئيسية الاخرى فقد كانت للطائرات، لكن الاموال هنا تسير في الاتجاه الآخر على غرار المليارات التي تنفقها شركة الخطوط الايرانية لشراء 100 طائرة من نوع ايرباص و 80 من طراز بوينغ، كما ان هناك ما يسمى صفقات اولية أو "استكشافية" من شركات كبرى مثل رينو وهيونداي وشل، لكنها لم تترجم استثمارات فعلية حتى الان، وكان تقرير للأمم المتحدة نشر في حزيران/يونيو اكد ان اجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران العام الماضي بلغ 3,4 مليارات دولار فقط، أي اقل من 4,7 مليارات دولار تلقتها عام 2012 قبل العقوبات، وخصوصا ان الرئيس حسن روحاني اشار الى مبلغ 50 مليار دولار عندما وقع الاتفاق النووي.

وبالرغم رفع العديد من العقوبات الدولية بموجب الاتفاق النووي، فإن واشنطن ابقت العديد منها وخصوصا تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، وتجارب الصواريخ البالستية، ودور إيران في النزاعات الإقليمية، ويقوم المشرعون الأميركيون بتشديد هذه العقوبات، ما يسبب قلقا لدى العديد من الشركات الدولية ازاء احتمال مواجهة غرامات كبيرة أو منعها من العمل في الولايات المتحدة. كما كان الرئيس دونالد ترامب هدد بتمزيق الاتفاق النووي، وتواجه الشركات متاعب شتى محاولة معرفة ما إذا كانت أموالها قد تنتهي في أيدي كيانات خاضعة للعقوبات مثل الحرس الثوري. وهذه مهمة صعبة نظرا لمشاركته الغامضة في كثير من المجالات الاقتصادية الإيرانية، ولكن حتى من دون التهديد بفرض عقوبات، لا تزال إيران تشكل افاقا استثمارية محفوفة بالمخاطر بسبب الفساد المتفشي والبيروقراطية وقطاع مصرفي يعاني من ديون ضخمة وعملة متقلبة، ويخيف كل ذلك العديد من المستثمرين، والأهم من ذلك الحاجة الى البنوك العالمية لتمويل صفقات طويلة الأجل، وتامل إيران بأن تمنح صفقة توتال الثقة لشركات أخرى للمجيء وكذلك بالنسبة لاحد المصارف الدولية، ما سيطلق الاندفاعة التي طال انتظارها، لكن في الوقت الراهن، لا تزال الامور قيد الانتظار.

مساعي امريكية لعرقلة تطوير ميناء إيراني مهم

صرح مسؤولون هنود إن المصنعين الغربيين يحجمون عن توفير معدات لميناء إيراني تطوره الهند خشية أن تعيد الولايات المتحدة فرض عقوبات على طهران في ضربة لطموحات نيودلهي الاستراتيجية في المنطقة، ويقع ميناء تشابهار الإيراني على خليج عمان بمحاذاة الطرق المؤدية إلى مضيق هرمز ويمثل عنصرا محوريا في تطلعات الهند لفتح ممر للنقل إلى آسيا الوسطى وأفغانستان يتجنب المرور عبر غريمتها باكستان، وخصصت الهند 500 مليون دولار أمريكي لتسريع تطوير الميناء بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران عقب التوصل لاتفاق بين القوى العالمية وطهران لتقييد برنامجها النووي في عام 2015، غير أن مصدرين حكوميين يتابعان أكبر مشروع بنية تحتية للهند في الخارج قالا إن الشركة الهندية المملوكة للدولة المسؤولة عن تطوير ميناء تشابهار لم ترس بعد أي مناقصة لتوريد معدات مثل الرافعات.

وذكر المسؤولان إن مجموعة ليبهير الهندسية السويسرية وكونكرانس وكارجوتك الفنلنديتين أخبروا انديا بورتس جلوبال الهندية التي تطور ميناء المياه العميقة أنهم لن يتمكنوا من المشاركة في المناقصات المطروحة نظرا لأن بنوكهم غير مستعدة لتسهيل المعاملات التي تشمل إيران بسبب الضبابية التي تكتنف السياسة الأمريكية، وتسيطر هذه الشركات على سوق المعدات المتخصصة لتطوير أرصفة الموانئ ومرافئ الحاويات، وأفاد مسؤول إن أول مناقصة طُرحت في سبتمبر أيلول لكنها لم تجتذب سوى عدد قليل من العروض بسبب الخوف من تجدد العقوبات. واشتدت هذه المخاوف منذ يناير كانون الثاني، وجرى طرح بعض المناقصات ثلاث مرات منذ سبتمبر أيلول لأنها لم تجتذب عروضا.

وتتسبب الضبابية التي تكتنف السياسة الأمريكية بالفعل في تأخيرات طويلة للعقود التي تسعى إيران لإبرامها مع الشركات العالمية لتطوير حقولها النفطية وشراء طائرات لتحديث أساطيلها المتقادمة، وأدى رفع عقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن طهران لإعادة ربطها جزئيا بالمنظومة المالية العالمية الضرورية للتبادل التجاري، غير أن كبار المصرفيين العالميين المنكشفين على الولايات المتحدة ما زالوا يعزفون عن تسهيل الصفقات الإيرانية خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية الفردية الأضيق نطاقا التي لا تزال سارية خارج إطار الاتفاق النووي فضلا عن الضبابية التي تحيط باستمرارية تخفيف العقوبات الأوسع نطاقا.

وتسعى الهند لتطوير ميناء تشابهار منذ أكثر من عشر سنوات باعتباره مركزا لروابطها التجارية بالدول الغنية بالموارد في آسيا الوسطى وأفغانستان، وتواجه الهند صعوبات حاليا في الوصول إلى تلك الدول بسبب علاقتها المتوترة مع باكستان، ولم يتحقق تقدم يذكر في الميناء حتى الآن بسبب العراقيل البيروقراطية والمفاوضات الصعبة مع إيران واحتمال إثارة سخط واشنطن أثناء فترة الحظر المالي على طهران، الا ان تطوير الصين لميناء جوادار الذي يبعد نحو 100 كيلومتر عن تشابهار على الساحل الباكستاني كان من بين الأسباب التي دفعت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للكشف عن خطط استثمار ضخمة تتمركز حول الميناء الإيراني وعرض المساعدة في بناء سكك حديدية وطرق ومصانع أسمدة يمكن أن تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار، وحتى الآن وعلى الرغم من أن الهند تريد فتح خط ائتمان مبدئي بقيمة 150 مليون دولار لإيران لتطوير تشابهار إلا أنه لم يتم تدشينه بعد نظرا لأن طهران غير قادرة على القيام بدورها.

توتال توقع مع ايران اكبر صفقة في مجال الطاقة منذ رفع العقوبات

وقعت شركة الطاقة الفرنسية توتال اتفاقا بمليارات الدولارات لتطوير حقل للغاز في إيران، في اكبر صفقة طاقة منذ رفع العقوبات على هذا البلد العام الماضي، وذكر متحدث باسم الوزارة أنه سيتم توقيع الاتفاق الدولي لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس، وقد تم التوقيع على اتفاق مبدئي في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 في طهران، وتملك توتال حصة تبلغ 50,1% من المشروع البالغة قيمته 4,8 مليارات دولار. وتستحوذ الشركة الصينية على 30% وبتروبارس الايرانية 19,9%، وستدفع توتال مبدئيا مليار دولار للمرحلة الاولى من المشروع الذي يستغرق عشرين عاما، وكان من المتوقع ان يتم توقيع الاتفاق النهائي أوائل 2017، لكن الرئيس التنفيذي للمجموعة الفرنسية، باتريك بويانيه اعلن في شباط/فبراير 2017 ان المجموعة تنتظر لمعرفة سياسة ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب حيال ايران.

وتمثل هذه الخطوة عودة توتال الى ايران التي تمتلك ثاني اكبر احتياطيات للغاز ورابع اكبر احتياطيات للنفط في العالم، وتولت الشركة الفرنسية تطوير المرحلة الثانية والثالثة من حقل البارس الجنوبي في التسعينيات ولكنها تركتها 2012 عندما انضمت فرنسا لشركائها بالاتحاد الاوروبي في توقيع عقوبات على ايران بينها حظر البترول، ويحاول مسؤولو النفط الايرانيون جذب الاستثمارات الغربية وتحسين البنى التحتية القديمة في قطاع الطاقة، ومثل هذه الصفقات لا تخلو من الجدل في ايران، إذ يبقى امر استغلال الشركات الاجنبية في مطلع القرن الحادي والعشرين مسالة حساسة للغاية، وعارض التيار المحافظ خطوة مشاركة شركات اجنبية في استدراج العروض العام الماضي، الامر الذي ارغم وزارة النفط على أن تسمح للتكتلات الوطنية وبينها ما يديره الحرس الثوري ان تشارك فيها، وستتكلف المرحلة الاولى من حقل جنوب بارس نحو 2 مليار دولار وتتكون من ثلاثين بئرا وبئرين رئيسيين متصلين بمرافق المعالجة، في حين سيقوم الموقع تقريبا بضخ زهاء 50,9 مليون متر مكعب من الغاز الشبكة الوطنية لايران يوميا.

جهود لزيادة صادرات النفط إلى الغرب لتقترب من مستواها لآسيا

ذكر مصدر مطلع على صادرات النفط الإيرانية إن الصادرات إلى الغرب زادت في مايو أيار إلى أعلى مستوياتها منذ رفع العقوبات عن طهران في مطلع 2016 لتعادل تقريبا الكميات التي يجرى تصديرها إلى آسيا، وتزيد إيران، التي كانت ثاني أكبر مصدر للنفط في أوبك، إنتاجها منذ 2016 لاستعادة حصتها السوقية التي فقدتها لصالح منافسين في المنطقة بما في ذلك السعودية والعراق، وفي الوقت الذي واصلت فيه العديد من الدول الآسيوية شراء النفط من إيران خلال فترة العقوبات، أوقفت دول غربية الواردات لتنخفض الصادرات الكلية لإيران بواقع النصف إلى مليون برميل يوميا، وأضاف المصدر إن إيران صدرت نحو 1.1 مليون برميل يوميا إلى أوروبا بما في ذلك تركيا، لتصل الصادرات إلى مستويات ما قبل العقوبات تقريبا وبما يقل قليلا عن إمداداتها لآسيا البالغة 1.2 مليون برميل يوميا، وإن صادرات النفط إلى آسيا انخفضت في الوقت الذي كثفت فيه كوريا الجنوبية واليابان مشترياتهما من مكثفات النفط واشترتا خاما بكميات أقل، كما تأثرت الصادرات إلى آسيا سلبا بقرار الهند بخفض مشترياتها السنوية من إيران بمقدار الخمس في السنة المالية التي تنتهي في مارس آذار 2018.

وبعد رفع العقوبات، ضمت طهران عملاء جدد مثل ليتاسكو ولوتوس واستعادت عملاء على غرار توتال وإيني وتوبراس وريبسول وسيبسا وهيلينك بتروليوم، وجرى السماح لإيران العضو في أوبك بزيادة صغيرة في الإنتاج بموجب اتفاق جرى إبرامه في ديسمبر كانون الأول لتقييد الإنتاج، وإن مجموع إنتاج إيران من النفط في مايو آيار بلغ 3.9 مليون برميل يوميا، وأن إيران تنتج حاليا نحو 200 ألف برميل يوميا من خام غرب كارون الذي تخلطه طهران مع خامات إيرانية ثقيلة أخرى للتصدير، إن رفع العقوبات الغربية المتصلة ببرنامج طهران النووي يعني "صفحة ذهبية في تاريخ إيران"، بحسب وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال تقديمه مسودة الميزانية، كما يرى أنه يمثل "نقطة تحول بالنسبة للاقتصاد الإيراني"، وتدعم رأيه توقعات البنك المركزي الإيراني باستعادة نحو ثلاثين مليار دولار مجمدة حول العالم، أما وزارة الخزانة الأميركية فتقدر الرقم بخمسين مليار دولار.

كذلك فإن صندوق النقد الدولي يرى أن إيران قد تستطيع تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 5% في عام 2016-2017. ويقول روحاني إن بلاده بحاجة لاستثمارات أجنبية تتراوح بين ثلاثين وخمسين مليار دولار كي تصل إلى معدل نمو سنوي يبلغ 8%، أما في ما يتعلق بالتجارة، ففي نظر النائب الأول للرئيس الإيراني إسحق جاهنجيري فإن بلاده ستستطيع توفير نحو 15 مليار دولار سنويا في هذا القطاع.

اضف تعليق