q

في الوقت الراهن، وخصوصاً في ظل شيوع العولمة وبالتزامن مع ثورة المعلومات والاتصالات التي تعد إحدى وسائل شيوع العولمة بهذا الشكل السريع، ازداد تقارب الدول في أغلب المجالات وصولاً إلى حالة التكامل الدولي، والعراق ضمن هذا التكامل بصرف النظر عما اذا كان تكامل العراق كبيرا أو صغيرا وسلبيا أو إيجابيا، لان هذا ما سيثبت لاحقاً.

ويمكن توضيح التكامل الدولي من خلال أربعة مؤشرات تبناها تقرير التنمية البشرية وهي التجارة، حركة رأس المال، حركة البشر والاتصالات.

أن المؤشرات الأربعة أعلاه تعد بمثابة بوابة التعامل مع العالم الخارجي، فكلما تم إدارة التعامل مع هذه البوابات بالشكل الذي يخدم مصلحة البلد ويلبي طموحه وتطلعاته كلما يدل ذلك على إيجابية التكامل الدولي على البلد المنظم إلى هذا التكامل والعكس صحيح في حال أصبح التكامل الدولي يشكل عبئاً سلبياً على البلد المنظم إليه ولا بد على هذا البلد من إعادة النظر في إدارة التعامل مع بوابات العالم الخارجي حتى يتم تحقيق ايجابية التكامل الدولي عليه وهو المطلوب.

أبرز مؤشرات التكامل الدولي:

أولا: التجارة، ويقصد بها مجموع الصادرات والواردات من السلع والخدمات، ويحسب بالنسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي. وهو مؤشر أساسي من مؤشرات الانفتاح على التجارة الخارجية والتكامل الاقتصادي، ويدل على مدى اعتماد المنتجين المحليين على الطلب الخارجي والمستهلكين والمنتجين المحليين على العرض الخارجي (الواردات)، بالمقارنة مع حجم اقتصاد البلد (الناتج المحلي الإجمالي).

ثانياً: حركة الأموال، يعتمد هذا المؤشر على أربعة مؤشرات فرعية مستقلة وهي:

- الاستثمار الأجنبي المباشر الصافي الوافد، وهو مجموع رأس المال بالأسهم والمدخرات المُعاد استثمارها في الداخل، وغيرها من أنواع رأس المال الطويلة والقصيرة الأجل، ويُحسب بالنسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

- حركة رأس المال الخاص، صافي الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار بالحافظة المالية، ويُحسب بالنسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

- المساعدة الإنمائية الدولية الصافية الوافدة، هي القروض التي تُمنح بشروط ميسّرة (سداد أصل المبلغ) والمنح من الوكالات الرسمية، بقصد مساعدة البلدان في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، ويحسب من الدخل القومي الإجمالي للبلد المتلقي.

- التحويلات الوافدة، المُراد منها هي المكاسب والموارد المادية التي يحوّلها المهاجرون أو اللاجئون إلى ذويهم في بلد المنشأ أو بلد سكنهم قبل الهجرة أو اللجوء.

ثالثاً: حركة البشر، يستند هذا المؤشر إلى أربع مؤشرات فرعية مستقلة أيضاً وهي:

- معدل الهجرة الصافي، ويُقصد به نسبة الفرق بين عدد المهاجرين الوافدين وعدد المهاجرين النازحين من بلد معين خلال مدة محددة إلى متوسط عدد السكان خلال هذه المدة، وتحسب لكل 1000 من السكان.

- عدد المهاجرين الوافدين، نسبة المهاجرين الوافدين إلى البلد إلى مجموع سكان البلد، ويختلف تعريف المهاجرين الوافدين بين بلد وآخر، ولكنه يشير إلى عدد الأشخاص الذين ولدوا في الخارج أو المقيمين الأجانب (حسب الجنسية) أو يشمل الفئتين.

- حركة الطلاب الدولية، أي مجموع عدد الطلاب في التعليم العالي من الخارج (الطلاب الوافدون) الذين يدرسون في بلد معين يطرح منه عدد طلاب البلد في المستوى التعليمي نفسه الذين يدرسون في الخارج (الطلاب المهاجرون إلى الخارج)، ويُحسب بالنسبة المئوية من مجموع الملتحقين بالتعليم العالي في البلد.

- حركة السياحة الدولية الوافدة، عدد الزائرين الذين يدخلون لليلة واحدة أو يدخلون ويغادرون في اليوم نفسه عبر الحدود الوطنية، وغيرهم من السياح.

رابعاً: مؤشر الاتصالات، يعتمد هذا المؤشر على مؤشرين فرعيين مستقلين هما:

- مستخدمو الإنترنيت، أي عدد الأشخاص الذين يستخدمون شبكة الإنترنيت العالمية.

- الاشتراكات في الهاتف الجوال، أي عدد الاشتراكات في خدمات الهاتف الجوّال لكل 100 من السكان.

العراق في ظل مؤشرات التكامل الدولي

ذهب العراق بعد عام 2003 وبشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار ومن دون خطط مدروسة للارتماء بنفسه وبشكل مكره في فلك العولمة الذي تديره الرأسمالية المنفلتة، وأصبح جزء لا يتجزأ من التكامل الدولي، ويمكن توضيح مدى ارتباط العراق في التكامل الدولي من خلال المؤشرات أعلاه وكما يأتي:

أولاً: التجارة،

تشكل التجارة الخارجية في العراق تصديراً واستيراداً سلعاً وخدمات ما نسبته 50.4% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 510.6 (بالمليارات بمعادل القوة الشرائية بدولار 2011) في عام 2015، هذا يعني أن الاقتصاد العراق يعتمد على العالم الخارجي سواء استيراد السلع والخدمات أو تصديرها بهذه النسبة، ومادام العراق يعتمد على النفط بشكل كبير جداً مع ضعف الجهاز الإنتاجي المحلي، هذا يعني إن العراق يصدر المواد الأولية المحدودة وخصوصاً النفط ويستورد السلع المتنوعة.

ثانياً: حركة الأموال، حركة رؤوس الأموال في العراق حركة تكاد تكون مُصابة بالشلل الذي يعيق حركتها فيمنع الآثار الايجابية الاقتصادية والاجتماعية التي تتحقق في ظل زيادة نشاطها، وذلك الشلل جعل اندماج العراق مع التكامل الدولي ضعيف أو لصالح العالم الخارجي، وما يؤكد أصابتها بالشلل نسب المؤشرات أدناه

- الاستثمار الأجنبي المباشر الصافي الوافد، شكّل الاستثمار الأجنبي المباشر الصافي الوافد إلى العراق ما نسبته 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015.

- حركة رأس المال الخاص، شكلت حركة رأس المال الخاص بالنسبة للاستثمار الأجنبي بشقيه المباشر وغير المباشر ما نسبته 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015.

- المساعدة الإنمائية الدولية الصافية الوافدة، شكلت المساعدات الدولية الوافدة 0.6% من الناتج القومي الإجمالي في عام 2014.

- التحويلات الوافدة، شكلت نسبة التحويلات الوافدة من خارج العراق للداخل ما نسبته 0.16% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015.

ويمكن أن تعزى أسباب انخفاض نسب هذه المؤشرات الخاصة بحركة الأموال لسوء المناخ الاستثماري أي أن الاقتصاد العراقي اقتصاد غير جاذب للاستثمارات وغير محفز لاستيطان تلك الأموال وذلك بفعل الخروقات الأمنية وسيطرة الإرهاب والفوضى السياسية والبيروقراطية الإدارية وشيوع الفساد وانهيار البنى التحتية وغيرها.

ثالثاً: حركة البشر، مادام العراق يعاني من سوء المناخ الاستثماري فبالتأكيد ان أغلب سكانه وبالخصوص القوى العاملة سيرومون الهجرة نحو الخارج للحصول على فرص العمل من ناحية والتخفيف من الضغوط الداخلية من ناحية أخرى، هذا من جانب السكان المحليين، أما من جانب الأجانب أياً كانت جنسيتهم سيحجمون من الهجرة إلى العراق وذلك لنفس السبب وهو سوء المناخ الاستثماري، وكلا الجانبين يؤثران سلباً على تكامل العراق مع العالم الخارجي، ويمكن الإشارة إلى بعض مؤشرات حركة البشر في العراق أدناه

- معدل الهجرة الصافي، بلغ متوسط معدل الهجرة الصافي 3.3 لكل 1000 نسمة من السكان أي أكثر من ثلاثة أشخاص من 1000 شخص يهاجرون خارج العراق للمدة 2010-2015، مع العلم إن أغلب هذا العدد الذين تتوفر لهم الظروف المناسبة والسماح لهم سواء من قبل الحكومة أو من قبل دول المستقطبة، فلو سُمح من قبل الحكومة والحكومات المستقطبة بالهجرة واللجوء لارتفع العدد إلى أضعاف هذا العدد.

- عدد المهاجرين الوافدين، بلغ عدد المهاجرين الوافدين إلى العراق 1.0% من عدد سكان العراق في عام 2015، ويعتقد الباحث أن أغلب هؤلاء هم العراقيون المجنسون في خارج البلد، بالإضافة إلى السوريين كنتيجة لسوء أوضاعهم الداخلية، كذلك العمالة المستوردة من قارة أسيا وغيرها بسبب انخفاض أجورها.

- حركة الطلاب الدولية، لم تتوفر بيانات عن حركة الطلاب الدولية حسب تقرير التنمية البشرية. ويعتقد الباحث إنه لا يوجد طلاب أجانب يدرسون في العراق أصلا وذلك لضعف مستوى التعليم أصلاً.

- حركة السياحة الدولية الوافدة، بلغ عدد السواح القادمين من خارج العراق 892 ألف نسمة في عام 2014، وربما أكثر من هذا العدد خصوصاً في السنوات الأخيرة إذ أن الزيارات الخاصة بالمعتقدات الدينية والسياحة الترفيهية في شمال القطر، تتجاوز الآلاف.

نلحظ من خلال مؤشرات حركة البشر ان تكامل العراق مع العالم الخارجي في هذا المجال لا يزال لم يلبي مستوى الطموح، لان زيادة السواح في الداخل وزيادة العمالة المحلية في الخارج بشرط العمل على زيادة التحولات الوافدة، سيزيد من توفر العملات الصعبة وهذا ما يدعم الاحتياطي النقدي الذي يعد بمثابة إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، ولكن الأفضل العمل على احتواء الأيدي المحلية من خلال بناء قاعدة إنتاجية متينة تسهم في زيادة الصادرات والاحتياطي النقدي.

رابعاً: مؤشر الاتصالات، تعد الاتصالات إحدى وسائل التشبيك وزيادة تكامل الدول فيما بينها، إذ انها ستتيح للدولة أن تعرض كل ما تريد بيعه أو شراءه أو تسويقه...إلخ وما على الدول إلا أن تختار ما يناسبها وكذلك هي الأخرى تستطيع أن تسوق ما تريد تسويقه لجميع دول العالم، حكومات وشعوب وأفراد، ويمكن توضيح أهم مؤشرين في العراق أدناه.

- مستخدمو الإنترنيت، شكل مستخدمو الانترنيت في العراق 17.2% من السكان في عام 2015، وهذه نسبة منخفضة وتعبر عن ارتفاع حجم الأمية وعدم تغطية كل مناطق العراق بشبكة الانترنيت وانخفاض متوسط دخل الفرد لان من لديه دخل سيشترك في الشبكة.

- الاشتراكات في الهاتف الجوال، بلغ عدد الذين يستخدمون الهاتف الجوال 93.8 من كل 100 شخص من السكان في عام 2015، وهذا المؤشر يمثل علامة جيدة مقارنة ببقية المؤشرات أعلاه.

تجدر الإشارة إلى مسألة مهمة وهي إن ارتفاع نسب التكامل والتعامل مع العالم الخارجي لا تعني مسألة إيجابية دائماً وكذا الحال أن انخفاضها لا تعني أنها سلبية دائماً لان المسألة تتعلق بموقف الدولة، فمثلاً في مؤشر التجارة الخارجية قد يرتفع مؤشر التجارة مع العالم الخارجي وهذا ما يزيد من تكامل هذا البلد مع التكامل الدولي ولكن ربما يكون لصالح العالم الخارجي بفعل زيادة الاستيرادات مقابل انخفاض الصادرات، فالتكامل الايجابي عندما يكون لصالح البلد وليس لصالح العالم الخارجي خصوصاً بالنسبة للبلد الذي يمتلك الموارد الهائلة كالعراق، وللتوضيح هذه الفكرة نسوق المثل الآتي:

العراق واليابان يخضعان لمسألة التكامل الدولي اليوم ولكن ما الفرق بين البلدين؟ الفراق أن اليابان اكتسبت مزايا دخولها التكامل الدولي وكان لصالحها حيث أصبحت اقتصاداً محورياً ويعتمد العالم على اقتصادها وليس العكس وحتى وإن اعتمدت على العالم فهي دائماً ما تجعله يصب في مصلحتها، بينما العراق لا يزال تكامله مع العالم الخارجي لا يعود عليه بالآثار الايجابية بقدر ما يمثل استنزاف لثرواته إذ يعتمد على العالم الخارجي في أغلب ما يحتاج وهذا ما جعل اقتصاده اقتصاداً منكشفاً على العالم الخارجي واقتصاد تابع.

ولذا يكمن الحل في تحويل التعامل مع العالم الخارجي لصالح العراق أولاً وللعالم الخارجي ثانياً ولا يمكن تحقيق هذا الحل من دون الاهتمام بعدة نقاط وهي كما يأتي:

- بناء المناخ الاستثماري المشجع على جذب المستثمرين المحلين والأجانب وذلك من خلال توفير كل مقومات تشجيع الاستثمار كتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي وتخفيف الروتين الإداري ومكافحة الفساد وإعفاء المستثمرين من الضرائب وتخصيص أراضي لمشاريعهم الاستثمارية.

- الاهتمام بتحييد آثار النفط السلبية وتحويل إيراداتها لدعم الأنشطة الاقتصادية حتى يتم تفعيلها وزيادة إنتاجها لسد الطلب المحلي من ناحية وتصدير الفائض من ناحية أخرى.

- تقليص دور القطاع العام في النشاط الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص على قيادة الاقتصاد العراق نحو بر الأمان لان القطاع الخاص ذو كفاءة أكثر ويقلل هدر الموارد وغيرها.

- تطبيق الحكومة الالكترونية في وزاراتها ودوائرها لان هذا الأمر سيشجع الكل منتجين ومستثمرين ومستهلكين ومصدرين ومستوردين على القيام بأعمالهم بأسرع وقت وأقل كلفة.

- كل هذه النقاط أعلاه ستجعل العراق يزيد من تكامله مع العالم الخارجي بالشكل الذي يحقق مصالح العراق أولاً.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

..............................
المصدر:- تقرير التنمية البشرية 2016.

اضف تعليق