q

كانت الدول المركزية تحاول. منذ نصف الثاني من القرن التاسع عشر. البحث عن المواد الأولية في المستعمرات والبلدان المسماة بالجديدة، وذلك لغرض تلبية مستلزمات شركاتها الصناعية التي أخذت تنتج بوتائر متصاعدة.

وبدلا منه أن يكون هناك مركز واحد فقط. قفز إلى المرتبة الأولى مركزان أخران. إلى جانب الدول الصناعية الأخرى. ولقد سادت، منذ ذلك الحين، النزاعات بين المراكز حول مناطق النفوذ، الأمر الذي أدى إلى حدوث عدة حروب مسلحة وثورات والى سيطرة الاستثمارات الأجنبية المباشرة على علية اكتشاف المعادن في مختلف البلدان. لقد كان اكتشاف المعادن، وخاصة النفط، هدفا كبيرا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكن هذه الاستثمارات بدأت بتوسيع هيمنتها على قطاعات أخرى كالصناعات التحويلية والخدمات.

وقد شددت المراكز من عمليات اختراقها بعد الحرب العالمية الثانية ووصلت في نهاية القرن العشرين إلى بسط سيطرتها على اقتصاد دول برمتها والى احتلالها مركز القوة في البلدان التي لها وجود فيها. أن الشركات عبر الوطنية هي التي تحدد التبعية، وهي التي تستلب موارد البلدان غير المتقدمة وتعرقل تنمية القوى الإنتاجية المحلية.

وأن الخسائر الناجمة عن هذه العملية هي اكبر من الخسائر الناشئة عن التبعية التقليدية ومنها:

1) هيمنة الشركات عبر الوطنية على الإنتاج وعلى السوق المحلية.

2) زيادة فقر الدول غير متقدمة بسبب استلاب مواردها وتحويلها إلى الخارج.

3)البطالة.

4) صعوبة: أ) تحقيق التطور التكنولوجي، ب) تطوير الشركات المحلية العاملة في ميادين النشاط الإنتاجي المختلفة.

ومن خلال الحقائق المزيفة المنشورة في كافة إرجاء العالم من قبل الاقتصاديين وغيرهم، تظهر الاستثمارات الأجنبية المباشرة وكأنها بديل عن الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، أي بمعنى تحول القروض والتمويلات، مباشرة، إلى ديون. لكن الاستثمارات المباشرة تعمل كأكبر منشأ غير مباشر للدين الخارجي. وفيما يأتي الأسباب التي جعلت من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تساهم في تنامي الدين على نحو حتمي ومتفجر:

1) أن القطاع الصناعي يستورد سلعا رأس مالية ومدخلات بأسعار باهظة وذلك: أ) بسبب سيطرة شركات عبر الوطنية على السوق المحلية، ب) وبسبب التبعية التكنولوجية.

2) زيادة خدمة القروض والتمويلات الخارجية المتعاقد عليها لغرض استيراد السلع الرأسمالية والمدخلات المستخدمة في الصناعة وفي مشاريع البنية التحتية، وبدلآ من تقليص التبعية المالية بواسطة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، نجد أن هذه الاستثمارات تجعل من التبعية المالية أمرا لايمكن تحمله.

الانفتاح، الرأسمال الأجنبي، وتعميق التبعية

إن الانفتاح على الخارج فيما يخص التجارة والعلاقات الاقتصادية الأخرى يقود إلى الأزمة ويؤدي إلى:

1) أضرار لا يمكن إصلاحها في الهيكل الإنتاجي نتيجة للتكييفات التي تتم صياغتها من قبل صندوق النقد الدولي.

2) تعميق التبعية. فحتى الدول التي تتنافس في العديد من القطاعات، بما فيها النشطة في التجارة العالمية، تكون معرضة لأن تصبح منقادة نحو نطاق التبعية وخاصة الدول الصغيرة الحجم. ونظرا لارتفاع معاملات انكشاف هذه الدول للتجارة الخارجية، أي العلاقة بين الصادرات+الاستيرادات والإنتاج الإجمالي، فأنها ستكون مجبرة على فتح أسواق مالية مختصة بالاستثمارات في بورصات الأسهم والسندات الأخرى وبتسلم القروض والتمويلات الخارجية. أن الانفتاح المالي يضعف الدفاعات الوطنية إزاء ضغط الدائنين، مثل رفع معدل الفوائد والعمولات وعدم تجديد القروض.

أهداف وتأثيرات الاستثمار الأجنبي المباشر

إن الهدف الأول للشركات عبر الوطنية من تنفيذ الاستثمار الأجنبي المباشر هو احتلال الأسواق. أما تغلغلها في البلدان الطرفية وشبه الطرفية فقد انكشف من خلال الاستيردات أو من خلال الإنتاج المحلي للسلع التي يحل جزء منها محل السلع التي تضع الشركات عبر الوطنية يدها تقريبا على التكنولوجيا الداخلة فيها، وعلى القسم الأكبر من أسواقها العالمية. وبهذه الميزات النسبية، لم تواجه الشركات عبر الوطنية أية صعوبات في السيطرة على الأسواق صغيرة الحجم، التي يحتل فيها أصحاب احتكارات القلة والمحتكرون عموما مواقع أكثر قوة من تلك التي يحتلونها في المركز. إن العولمة أو العالمية هي تعميم لهذا الأسلوب. وتوجد أهداف أخرى متحركة للشركات عبر الوطنية منها:

(1) تحويل الموارد المالية إلى مقراتها أو إلى الملاذات المالية، عن طرق الأرباح التجارية التي تحققها في الصناعة والخدمات.

(2) الحصول على امتيازات المواد الأولية الستراتيجية.

(3) التقدم على بعض الشركات عبر الوطنية الأخرى في مجال الهيمنة العالمية.

(4) القضاء على إمكانية ظهور مراكز اقتصادية جديدة، ومعها الشركات المنافسة الجديدة، مثل اليابان، كوريا، وتايوان.

نقيض التجارة والتنمية

توجد اضاءت قلية في ما ينشر على نطاق واسع عن التجارة والتنمية وبما يسهم في تسليط الضوء على جذور الفساد في تبادل التجاري للدول النامية، ويعود ذلك بصفة أساسية إلى تجاهل تحليل تأثير الاستثمارات الأجنبية المباشرة، على نحو مناسب، في الصفقات التجارية الجارية مع الخارج- وقد تناول هذا الموضوع الكاتب هانز سينغر حيث قال (إن عدم الاهتمام بالتأثيرات السلبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة يبين مدى ضغط الأيديولوجي الذي يمارس على دور النشر وعلى المنظمات الدولية) وفي هذا الصدد نتطرق إلى النظرية الشهيرة لسينغر: والتي تثبت بأن ثمار التقدم التقني يمكن أن توزع سواء على المنتجين أو على المستهلكين وفي البلدان المتقدمة، فقد نجم عن التقدم التقني للفروع الصناعية زيادة في الدخل وفي عدد منتجي المواد الغذائية والمواد الأولية. وهبوط في الأسعار.

التبعية التكنولوجية

يطلق المدافعون عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة وعودا مزيفة مفادها أن هذه الاستثمارات ستكون بمثابة حجر الزاوية للتكنولوجيا . أن التكنولوجيا المدمجة في المكائن هي العنصر الأساسي والأغلى في هذه المكائن. لكن استيراد المكائن يعني دفع مبالغ كبيرة نظير هذه التكنولوجيا دون التقاطها، لأن تشغيل المكائن ليس مدخلا لاكتساب التكنولوجيا المتضمنة فيها وعندما يتم تسلم معامل كاملة لا يجري التعلم حتى حول كيفية صيانتها أو تصليحها أو إعادة إنتاجها أو ضبطها.فاكتساب التكنولوجيا، التي تشتمل على كل هذه القدرات، لا ينطبع إلا في العقول وفي كينونة الأفراد.لذلك، فان التطور التكنولوجي لا يحصل إلا إذا قامت الشركات التي تستخدم بإنتاج هذه التكنولوجيا أو شرائها من منتجي التكنولوجيا المحليين.وفيما يأتي الشروط اللازمة والكافية لتحقيق هذه الحالة:

1) أن يكون لشركات البلاد منفذا نحو أسواق البلاد إذ يستحيل تحقيق هذا الأمر إذا كان هذا البلد منفتحا أمام الشركات عبر الوطنية المقتدرة عالميا.

2) أن تستثمر الدولة أموالها في:أ) التعليم والتأهيل، ب) البحث والمختبرات التكنولوجية، ج) تشجيع هجرة الأفراد المؤهلين علميا إليها، د) الشركات الإنتاجية، والبنية التحتية.

التبادل التجاري والإرباح التجارية

تشير كل الأدلة إلى أن الإنتاجية في إنتاج الأغذية والمواد الأولية، في البلدان الصناعية والبلدان النامية، كانت تزداد بسرعة اقل من الإنتاجية في قطاعات الصناعة في البلدان الصناعية. وينبغي استبعاد الاحتمال القائل بأن التقلبات في الأسعار تعكس فقط انخفضا نسبيا في الإنتاجية، وذلك بسبب أن مستويات المعيشة في البلدان الصناعية – التي تتحكم بها الإنتاجية في القطاعات الصناعية – قد ارتفعت بشكل أسرع من مستويات المعيشة في البلدان النامية – التي تتحكم بها بشكل عام الإنتاجية في الزراعة وفي إنتاج المواد الأولية – خلال الستين أو السبعين سنة الأخيرة. ويمكن أن تصبح التجارة الخارجية مهمة جدا للبلدان النامية. وإذا ما عكس التبادل التجاري غير المتكافئ (من وجهة نظر هذه البلدان ) انخفاضا نسبيا في الإنتاجيات، فان هذا الانخفاض سيظهر أيضا في المعدلات النسبية للايرادات الحقيقة المحلية . وفي الحقيقة ، إذا ما حددت التغيرات في الإنتاجية التغيرات في التبادل التجاري، فان الضرر من وجهة نظر البلدان النامية سيتحدد في أن الإنتاجية في البلدان النامية ستكون قد أصبحت أعلى من الإنتاجية في البلدان الصناعية (فالإنتاجية العالية، نظريا، تعمل على تخفيض السعر) وستزداد إيرادات البلدان النامية بكمية أعلى من إيرادات البلدان الصناعية.

إن ثمار التقدم التقني يمكن أن توزع أما على المنتجين بشكل إيراد متنام، أو توزع على المستهلكين بشكل أسعار مخفضة جدا ولذلك يرى سينغر بأن الشكل الأول ينطبق على السلع المنتجة في البلدان الصناعية في حين ينطبق الشكل الثاني على السلع المنتجة في البلدان النامية. وبما أن المنتجين والمستهلكين في التجارة الدولية لا ينتمون إلى نفس الفئة من الأفراد، فان ارتفاع إيراد المنتجين نظرا لارتفاع إنتاجهم، يعد عبئا مطلقا بالنسبة للمستهلك في الخارج.

اليات تحويل الموارد المالية

إن التهميش من الداخل يعطي بعدا كبيرا للتهميش التجاري ويجعله من الناحية النوعية ذا أهمية كبيرة، وغير مقتصر على المتاجرة في المواد الأولية من الناحية والسلع الصناعية من ناحية أخرى. وهذا ناجم من كون التجارة الدولية تتم في جزئها الأكبر بين الشركات عبر الوطنية، وفي قسم كبير منها من خلال العمليات التجارية في الشركة الواحدة. إن الموضوع يتعلق بالسعر التحويلي، أي قيام الشركات عبر الوطنية بتثبيت الأسعار الحقيقة أو الوهمية لاستيرادات وصادرات السلع والخدمات. لذلك فلقد بلغت قيمة العمليات التجارية بين الشركة الواحدة وتابعتها في عام 1995، ترليوني دولار، أي 1\3 قيمة الصفقات التجارية العالمية من السلع والخدمات التي بلغت في حينها (1،6) تر ليون دولار.

بينما بلغت قيمة الصفقات التجارية بين الشركات عبر الوطنية المختلفة أكثر من ثلث هذا المبلغ (432) في الحالة الأولى، يكون تثبيت الأسعار طبقا لمصلحة الشركة عبر الوطنية الأم. وفي الحالة الثانية، تقوم الشركات بتعويض ما تفقده عن طريق التفاهم المشترك مع الشركات عبر الوطنية الأخرى التي تتبادل معها الصفقات التجارية.

عجز داخلي وخارجي

إن عمليات تحويل الإرباح للخارج تتطلب نفقات كثيرة. وأن صادرات السلع والخدمات بأسعار منخفضة تعني إيرادات منخفضة جدا. إذا، فان كلا الأمرين يخفيان الربح الحقيقي، وهكذا يبعدان الشركات التابعة للشركات عبر الوطنية عن دفع الضرائب. ويصبح إيراد ضريبة دخل الشخصيات القانونية، قليلا إلى الحد الذي يكون فيه الإيراد من الضريبة على دخل الشركات التابعة للشركات عبر الوطنية أقل بكثير من إجمالي إيراد ضريبة على دخل الشخصيات القانونية. كما أن الشركات ذات الرأسمال المحلي لا تحقق سوى نجاحات قليلة من أجل إرسال أموال إلى الخارج بشكل شرعي، ومع ذلك تدفع ضريبة دخل أكثر من ضريبة الدخل التي تدفعها الشركات عبر الوطنية، التي يكون العبء الضريبي عليها سالبا نظرا للإعانات التي تتلقاها في التصدير و(الاستثمارات)الصناعية، التجارية والمالية.

هل هي تصدير لرأس المال؟

تسود الخرافة في عالم اليوم على الحقيقة. وهذا الوضع تسدد تكاليفه بوساطة الأموال التي تنفق على الدعاية وعلى السيطرة على وسائل الاتصال الاجتماعية. إن وسائل الأعلام أما أن تعود ملكيتها إلى كبريات الشركات عبر الوطنية أو تكون خاضعة لسيطرتها. وهي بذلك تصور الاستثمارات الأجنبية المباشرة على إنها استثمارات في البلدان المستقبلة، وتقول أيضا بأن البلدان المركزية هي بلدان مصدرة لرأس المال.

حيث كان الاعتقاد السائد بأن رأس المال يصدر إلى الدول المستقبلة- وليس العكس- وتشيع بأن المراكز تنقل التكنولوجيا إلى الأطراف. لكن ما يحدث هو عكس هذا تماما، لأن المراكز تستطيع أن تظفر بالسلطة على السوق وعلى السياسة، التي تمارسها في الأطراف لغرض أن تجذب ليس العقول فحسب وإنما التكنولوجيا التي تنتجها هذه الأطراف على الرغم من قلة إمكانيتها. ويعود السبب في ذلك إلى أن إنتاج هذه الأطراف يكون خاضعا ومسيرا من الخارج. وإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تعمل، بالإضافة إلى عدم نقلها للتكنولوجيا، على كبح التنمية في البلدان المضيفة لها.

اضف تعليق