q

لقد كتب جون هوكنز قوانينه العشرة للنجاح قبل ان يلتقي بـــروديك وهي مديرة في شركة حجم اعمالها 300 مليون جنيه، وادرك ان انتهاز الفرص واصارها وتركيزها الذكي على الفكرة المبدعة وليس على الحجم المادي والنجاحات المتحققة، تجسد معظم هذه القوانين، كانت لديها فكرة احدثت شركة كاملة يمكنها ان تزدهر فيها، فثمة ممن لديهم افكار ولكن قلة منهم يستطيعون تحويلها الى منتجات، وتتمتع فكرتها بقيمتين اقتصاديتن مختلفتين، وقد كان بأمكانها بيع الفكرة ،مدركةً مايطلق عليه الاقتصاديون القيمة التبادلية، لكن الافكار غير المحمية تباع بأسعر زهيدة، هذا ان وجد شار لها اساساً، فبدلاً من ذلك قررت ان تستثمر هذه الفكرة كرأس مال ابداعي وان تجعلها تنجح.

رأس المال

هل يمكن اعتبار موهبة الابداع رأس مال؟ هل لها الخصائص نفسها، وهل تلعب الدور نفسه الذي تلعبه اصول رأس المال الاخرى مثل الارض والنقود والمعدات؟ واذا صح ذلك، فما هي اثاره؟

يعرف الاقتصاديون رأس المال على انه شيء ليس ذا قيمة فقط في الاستخدام الحالي، بل هو استثمار للمستقبل وعليه، فقد تطور مفهوم رأس المال بالتزامن مع مفهوم الفائدة، فرأس المال مستودع وهو ثابت وله استمرارية اما تأريخياً، فقد كان الشكلان الاساسيان هما النقود، عادةً تدعى رأس المال المالي، والمباني والمعدات وغيرها، رأس المال المادي وفي جميع الحالات فأن رأس المال هو نتاج لأستثمار في الماضي وتكمن قيمته في الاستخدامات المستقبلية، وليس من الضروري ان يكون كل من الاستثمار والانتاج الفعلي في ما بعد متقارباً في الزمن، ولا ان يقوم بهما الشخص نفسه. فالمال الموروث هو رأس مال، كما هو مصنع اسسه جيل سابق، ان رأس المال عامل رئيس في الانتاج، وهو جزء من الثالوث التاريخي الى جانب الارض واليد العاملة.

رأس المال عنصر لاغنى عنه لأي مجتمع، على حد تعبير المؤرخ فيرناند براوديل، ان "يتمسك بمستلزمات وبنزاعات التبادل، وبالانتاج والاستهلاك"، وقد ظهرت الكلمة للمرة الاولى في القرن الثالث عشر في المدن المزدهرة تجارياً في شمال ايطاليا نفسها التي اخترعت لاحقاً نظام ادارة الحسابات مزدوج القيد والتي اصددرت اولى براءات الاختراع، فبعد ان بنيت هذه الكلمة على المرادف اللاتيني لكلمة(رأس)، من المرجح ان تكون لها صلات تعود الى عبارات مثل (العاصمة)، ولكن الارتباطات غير واضحة، وسرعان ما صارت تستخدم كشبه مرادف بكلمات اخرى تدلل على الثروة والاصول والتمويل والاصول الرئيسة، وايضاً الممتلكات والبضائع التي يمكن المتاجرة بها، وفي كتاب رأس المال يقول كارل ماركس "يعود التأريخ الحديث لرأس المال الى نشوء التجارة العالمية والسوق العالمية في القرن السادس عشر".

وقد اظهر براوديل ان كلمة رأسمالي اتت لاحقاً، في القرن السابع عشر، وان الرأسمالية ككلمة لم تظهر ابداً بشكل منتظم حتى اواخر القرن التاسع عشر، وكل كلمة لها شخصيتها الدلالية، فرأس المال هي الكلمة الاكثر حيادية بشكل عام، وهي تصاحب اي اقتصاد تجاري، اما كلمة رأسمالي فكانت تشير في الاصل الى اولئك الافراد الذين يستغلون راس المال بصورة دائمة، وكما قال جون ستيوارت ميل، فأن وظيفة الرأسمالي كانت الابقاء على كل او بعض الارباح في هذه السنة لدعم مخرجات السنة التالية بدلاً من انفاقها على اهرامات او على غير ذلك، كما يلاحظ، ولكن الكلمة تطورت الى توصيف بطابع ازدرائي بشكل متصاعد على طبقة خاصة من الاشخاص تضع مكاسبها المالية فوق اي اعتبار.

تطور طبيعة الاصول

ان طبيعة هذه الاصول وقيمتها النسبية تتغير بأستمرار بما يعكس التطورين الاقتصادي والاجتماعي، اي الانتقال من مرحلة الصيد الى الزراعة، وتوسع المجتمعات الريفية والزراعية، ونمو التجارة والتصنيع والخدمات ونشوء مجتمع المعلومات، فكل من هذه التغيرات تطلب نوعاً جديداً من رأس المال، فالصيادون يحتاجون الى الاسلحة للحصول على الفريسة على المدى القصير، اما المزارعون فيحتاجون الى ارض يملكونها، وكان رأس المال المادي الاكثر قيمة لدى ايطاليي القرن الثالث عشر هو سفنهم ومستوداعتهم، وقد شجع آدم سميث مزارعي القرن الثامن عشر الاسكتلندين على ان يعتبروا محاصيلهم رأس مال لهم، سواءً ان يعيدوا زراعة الحبوب منتجين بذلك حبوب اكثر في العام المقبل، او ان يقوموا بمبادلتها بآلات تجعلهم ينتجون المقدار نفسه بفعالية اكبر، وكانت الصناعات التحويلية وخاصة واسعة النطاق منها تتطلب الوصول الى المال والمواد الخام كالمياه والفحم.

لقد ادت احتياجات رأسمالها المتنامية الى نشوء رأسماليين متفرغين بشكل دائم وقيامهم بتشذيب هذه الافكار عن رأس المال المالي والمادي كعاملي انتاج، ووفقاً لألفريد مارشال وجون كينز وغيرهما فأن نمو الاقتصاد قد اتى في اغلب الاحيان عبر تراكم هذين النوعين من رأس المال(المالي والمادي)، وهم يرون ان المنافسة كانت تعتمد على مراكمة رأس المال، وهو مانتجت عنه اقتصاديات الحجم التي خفضت تكاليف انتاج كل واحدة مع نمو حجم الانتاج وعلى زيادة التخصص.

منذ خمسينيات القرن العشرين لم يفتأ نمو صناعات الخدمات- وابرزها صناعات البحث والتطوير والتصميم والخدمات المالية والاعلان والتسويق ومعالجة البيانات- من ان يتطلب نوعاً اخر من الاصول، فبالنسبة الى هذه الصناعات، لم تكن المنافسة تعتمد على ايجاد اسواق جديدة، او على تخفيض تكاليف المواد الخام، بل على الابتكار والتوزيع وعلى ويادة القيمة غير المادية، وعند توصل مور الى قانونه حول سرعة تطور الرقائق، كان يفكر ليس في لقتصادات الحجم، ولو انها كانت حاضرة ايضاً، بل بكيفية تعلم الناس كيف يؤدون مهامهم بمزيد من المهارة وبمزيد من السرعة، فاكبر استثمارت هذه الصناعات قيمة، ومصدر التميز التنافسي الرئيس لديها هو البشر.

سعر القيمة

ان الشركات لاتقلل من شأن اصولها الفكرية في حساباتها لأنها تريد صونها، بل لان احداً لم يجد حتى الان طريقة لأعطاها قيمة مالية، او على الاقل ليس بطريقة يقبلها المحاسبون، فالمحاسبون لايقبلون سوى الاصول والالتزامات التي يمكن اعطاها قيمة مالية، فللمال قيمة مالية واضحة، الا انه لايبدو مثالاً غير عادي في هذا السياق، وعادةً ما يقيم رأس المال المادي وفقاً لتكلفة شرائه الاصلية او كلفة استبداله، وتعمل التشريعات الوطنية على املاء كيفية تصريح الشركة عن اصولها المالية في حساباتها، الى ان العديد من اشكال رأس المال المادي لاتحسب تكلفتها ببساطة وفقاً لسعرها الاصلي او تبديلها، ومثلاً تلك السفن والصوامع المليئة بالذرة، فهذه الانواع من الاصول لاتقبل الاتجار سواء عند وجود سوق واعداد كافية مما يسميه الاقتصاديون "الباعة والشراة ذو الرغبة"، وقد تكون الطريقة التي يتم تسعيرها بها صعبة الاداراك.

استخدم بعض الاقتصاديين نظريات جايمس توبين الحائز على جائزة نوبل، والذي كان يرغب بقياس قيمة الشركة مقابل تقييمها في سوق الاسهم، فأخذ قيمة الشركة في السوق وقسمها على كلفة الاستبدال لجميع اصولها، وعرفت النتيجة على انها توبين كيو، وقال توبين ان قيمة كيو يجب ان تكون واحدة لأن على المساهمين منطقياً، ان يدفعوا لحصصهم اكثر من المطلوب لكي يشغلوا الشركة، الا ان هدفه كان يتمثل في ان يبين ان قيمة كيو قلما تكون واحد، فهي عادة ماتكون اعلى واحياناً تكون اقل، فالقيمة الاعلى تعني ان الشركة تبلي بلاءً حسناً، ولو ان توبين قد اشارة الى ان المستثمر العقلاني يجب ان يرد على قيمة كيو العالية ببيع حصصه، الامر الذي من شأنه ان يخفض سعر الحصة، واذا تجاوزت قيمة كيو الواحد تجاوزاً كبيراً فأن الشركة قد تكون قادرة على فرض رسوم احتكار.

ففي اواسط التسعينيات من القرن العشرين بدأت بعض نظريات رأس المال الفكري بأستخدام توبين كيو كمقياس بديل للقيمة الخفية، الا ان ليف ادفينسون، وتوماس ستيوارت وغيرهما من المحللين يترددون بأستخدام هذه الطرائق لأنها حساسة اكثر من اللازم اتجاه نزوات سوق الاسهم.

يمكن قياس بضعة عناصر في رأس المال الفكري بمفردها، وبغض النظر عن تقييمات سوق الاسهم، وثمة الكثير من الطرائق المقبولة لقياس حقوق الملكية الفكرية ولو انها عادةً ما لا تقيس سوى العائدات المعروفة او الاكيدة ضمن فترة الترخيص الحالية وتتجاهل العائدات على المدى البعيد الا انها قليلة على كل حال، فمعظم تقييمات البنية التحتية، كنظم معلومات الادارة واخواتها الجديدة، اي ادارة المعرفة، ومع انها تعد من بين المكونات عند قياس تكلفة استبدال المعدات لايمكنها تقييم المحتويات او المنافع التي تعود بها على المؤسسة، وهو ما يعيدنا الى مرأب السيارات لدى ادفينسون الذي يعد السيارات ولا يأخذ في حساباته المعرفة بوجهة السفر.

تنكر معظم الطرائق احد مبادئ رأس المال الفكري الذي يفيد ان ملكية رأس المال هذا تعود بمنافع اضافية تتجاوز العائدات المالية المباشرة، فعلى سبيل المثال، اذا كان منتج مسرحي ينفق 6000 جنيه على انتاج مسرحية ويبيع مايساوي 6000 جنيه من البطاقات، فأن الحسابات المالية ستظهر اصولاً معدومة والتزامات معدومة، الا ان المنتج قد راكم معارف تقنية قيمة من مهارات وكفاءات وعلاقات ستحسن فرص نجاحه في المرة القادمة سواء اكان فكرياً ام مالياً.

يرى توماس ستيورت ان رأس المال الفكري في جوهره لا يمكن اخزاله في مقادير او قيم مالية، وهو يعارضم معظم المحاولات الساعية الى شمله في الحسابات المالية، ويقول ان مثل هذه المحاولات ستعكر المياه المالية، والاهم من ذلك على حد قوله، هو تأكيد اهميته المالية العامة بما يسمح بتعريفه وتتبعه وادارته، من دون التساؤل عن كل مرحلة عما يمكن ان تبلغه قيمته المالية بدقة.

اضف تعليق