q

نفيد كلهر

 

انطلقت سوق الصكوك الإسلامية في إيران في العام 2011، مع قيام شركة "ماهان" للطيران بطرح صكوك إجارة في بورصة "فرابورس" غير الرسمية لتمويل عملية شرائها لطائرة ركّاب من طراز "ايرباص". لكن، وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس حسن روحاني ترى في تحوّل التمويل نحو سوق رأس المال، وسيلةً للتخفيف من العبء عن كاهل المصارف المحلية التي تعاني من نقص السيولة، لم تسر الأمور كما هو متوقّع. لقد أصبحت الحكومة والبلديات والشركات التابعة للدولة الجهة الدائنة الأكبر في الأسواق المالية الإيرانية. في الواقع، 88 في المئة من الديون المستحقّة في أسواق الأوراق المالية، ومجموعها 450 تريليون ريال إيراني (13.8 مليار دولار أميركي)، صادرة حالياً عن فاعلين دولتيين.

تشير البيانات الرسمية إلى أن حصّة الشركات الخاصة لا تتعدّى عشرة في المئة من إجمالي التمويل في أسواق الديون، في حين تستحوذ المؤسسات والشركات التابعة للدولة على النسبة المتبقّية. قال علي رضا توكلي كاشي، مدير المؤسسات المالية الحديثة في بورصة "فرابورس"، لأسبوعية "تجارت فردا" الرائدة في تغطية شؤون الأعمال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إن تكاليف التمويل المرتفعة هي من العوائق الأساسية التي تحول دون قيام الشركات الخاصة بزيادة السيولة النقدية التي تطرحها في أسواق الديون. في هذا السياق، لفت إلى أن كلفة التمويل عن طريق السندات في بورصة "فرابورس" تتراوح من 21 إلى 25 في المئة، مضيفاً إلى أنها تُعتبَر "كلفة باهظة بالنسبة إلى عدد كبير من الشركات الخاصة".

يُعتقَد أن عجز الموازنة الحكومية هو المحفّز الأساسي وراء الزيادة في أعداد الصكوك الإسلامية المطروحة للبيع في البورصات. سلّط محمد رضا بوربراهيمي، رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى، في كلمةٍ ألقاها أمام الندوة المالية والإسلامية الثانية في جامعة الزهراء في الأول من كانون الثاني/يناير الماضي، الضوء على أن الأولوية أُعطيت في التمويل لشركات الدولة بدلاً من الشركات الخاصة، ما أدّى إلى زيادة معدلات العائد في أسواق الديون.

كما أنّ الاستدانة الشديدة من جانب الشركات الخاضعة لسيطرة الدولة تسبّبت بتدنّي حصة الشركات الخاصة في إصدار الصكوك الإسلامية. فإصدار السندات الحكومية يمارس تأثيراً مناوئاً على الشركات وما تعرضه، لا بل إن الإيرادات المرتفعة التي تسدّدها الحكومة حالياً لبيع صكوكها تجعل الشركات الخاصة في وضع أشدّ هشاشة إلى حد كبير، ما يحول دون قدرتها على استخدام السوق لمصلحتها. وقد أثار هذا الأمر حفيظة اللاعبين في السوق والخبراء، فهم يعتبرون أن هذه السياسة التي تعتمدها حكومة روحاني تلحق الأذى بالوضع العام لأسواق الديون الوليدة وبعافيتها. ويشيرون إلى أن استخدام الصكوك بدافع تلبية المقتضيات التمويلية في المدى القصير يتعارض مع جوهر هذه الأسواق التي صُمِّمت فعلياً من أجل أغراض التمويل في المدى البعيد.

تُعزى هذه المعضلة في شكل أساسي إلى النداءات المتزايدة التي يطلقها المصرفيون من أجل الحصول على السيولة. إذا أخذنا في الاعتبار القيمة السوقية لأسواق الديون – التي تُقدَّر بنحو 8.4 مليارات دولار – والقيمة السوقية لسوق المال، لا مجال للمقارنة مع الصكوك الإسلامية. لذلك، لا يبقى هناك متّسع من الحيّز أمام الكيانات الخاصة لاستخدام إمكانات أسواق الديون. علاوةً على ذلك، ليست أسعار الفوائد المرتفعة في أسواق الديون جاذبة ولا سليمة اقتصادياً بالنسبة إلى الشركات الخاصة. بناءً عليه، تتفادى تلك الشركات اللجوء إلى أسواق الرساميل للحصول على التمويل، وتسعى بدلاً من ذلك للحصول على قروض من مصارف مدعومة من الحكومة، أو تتقدّم بطلبات للحصول على قروض بأسعار فوائد مخفّضة من صندوق الثروة السيادي الإيراني المعروف بـ"صندوق التنمية الوطني".

في الواقع، بلغ إجمالي التمويل عن طريق إصدار الصكوك خلال العام السابق بحسب التقويم الإيراني (العام المنتهي في 19 آذار/مارس 2016)، زهاء مئتَي تريليون ريال إيراني (6.1 مليارات دولار)، مسجّلاً زيادة بمعدّل ثمانية أضعاف تقريباً في القيمة بالمقارنة مع العام السابق. تسلّط هذه الأرقام الضوء على أن القطاع العام كان المستفيد الأساسي من الصكوك الإسلامية، بسبب غياب الضمانات المناسبة لهذه الأدوات المالية، والتعقيدات البيروقراطية، والخلاف حول جدوى مخططات التوسّع، فضلاً عن العائدات المرتفعة.

لقد اضطُرَّت وكالات التصنيف الائتماني الريادية مثل "موديز" وفيتش" إلى التوقّف عن تصنيف إيران بسبب العقوبات التي فُرِضَت على البلاد على امتداد عقود طويلة، الأمر الذي دفع بالشركات الإيرانية الساعية إلى بيع الديون في سوق الاستدانة الداخلية إلى التحوّل نحو الجهات الضامِنة المحلية في محاولة للحصول على الموافقة الضرورية من منظمة البورصة والأوراق المالية التي تُعتبَر الهيئة الناظمة للسوق. في هذا الوضع، تتحرّك الجهات الضامِنة لتأمين سداد الكوبونات والقيمة الأساسية للأوراق المالية المطروحة في الوقت المحدد وفي تاريخ الاستحقاق لتفادي أي تخلّف محتمل عن السداد من قبل مُصدِري السندات.

تبيّن أن الآلية المطلوبة للحصول على موافقة منظمة البورصة والأوراق المالية على الجهات الضامنة المحلية، هي مضيعة للوقت. لفت حبيب رضا حدادي، الرئيس التنفيذي لمصرف أوميد للاستثمار، في مقابلة مع الصحيفة الاقتصادية الرائدة "دنيا الاقتصاد" في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، إلى أن الإجراءات البيروقراطية الخاصة بالاكتتاب في صكوك المرابحة التي طرحها صانع السيارات "سايبا"، استغرقت أكثر من تسعة أشهر. يُشار إلى أن "سايبا" هو ثاني أكبر صانع للسيارات في إيران. لقد اعتبر حدادي أن الحل الوحيد القابل للحياة من أجل معالجة هذه المشكلة يتمثّل في إنشاء وكالات محلية للتصنيف الائتماني، مشدّداً على أنه من شأن مثل هذه المؤسسات أن تنفي حاجة مُصدِري السندات إلى تقديم جهات ضامنة إلى منظمة البورصة والأوراق المالية للموافقة عليها.

واقع الحال هو أن القدرة على الاقتراض والحصول على أذون من منظمة البورصة والأوراق المالية لإصدار سندات لم تكن قط مهمة سهلة. في غياب وكالات التصنيف، تفرض منظمة البورصة والأوراق المالية أن يتولى مصرفٌ أو اتحاد مصارف رعاية سداد الديون من جانب الجهة المُصدِرة للسندات. بطبيعة الحال، تتقاضى المصارف رسوماً مقابل هذه الخدمة، ما يؤدّي بالتالي إلى زيادة كلفة إصدار سندات الشركات، ولا يعود لدى الشركات غير الحكومية مصلحة في دخول هذه السوق.

وترتدي مسألة الآفاق الاقتصادية المستقبلية في إيران أهمية بالدرجة نفسها. في حين لا تزال الأزمة التي أثارها التراجع الائتماني الحاد مستمرة في المنظومة المصرفية، وتترافق مع الالتباس حول مستقبل التجارة الدولية والآفاق المتردّية للنمو الداخلي في القطاع الصناعي – أقلّه في المدى المتوسط – تعجز الشركات عن إقناع السلطات المسؤولة عن إصدار تراخيص بيع الديون بجدوى خططها التوسّعية.

بيد أن قرار منظمة البورصة والأوراق المالية إنشاء وكالات التصنيف الائتماني الأولى بالتعاون مع شركات أجنبية معروفة قد يمهّد الطريق أمام تسهيل التمويل للشركات غير الحكومية عبر سوق الديون. بالفعل، صادق أعضاء مجلس إدارة منظمة البورصة والأوراق المالية على التعليمات لإنشاء هذه الوكالات في نيسان/أبريل 2016. إذاً، على الرغم من التحدّيات الكثيرة التي تواجهها الشركات الخاصة في الوصول إلى التمويل في أسواق الديون، يبدو أن هذه الأسواق تسلك طريقها نحو آفاق أفضل.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق