بات الفن السابع في ايران يشكل احد مظاهر القوة الناعمة على الصعيديين الفني والثقافي، ليشكل سلاحا سينمائيا حديثا جعل السنيما في مصاف الدول العملاق في هذا المجال، وذلك من خلال حصد الجوائز المحلية والعالمية وصناعة الافلام المتميزة كفيلم النبي محمد (ص)، الذي يتوقع تحقيق إيرادات قياسية في إيران، وأخرج فيلم (محمد رسول الله) مجيد مجيدي الذي رشح لجائزة أوسكار لأفضل مخرج وأنتجته السلطات الإيرانية بتكلفة 40 مليون دولار في أضخم إنتاج سينمائي إيراني حتى اليوم، ليصبح أكثر الأفلام كلفة في تاريخ السينما الإيرانية، حيث صور في جنوب طهران ومدته ساعتين، وسيعرض الفيلم في 143 قاعة سينما بإيران، في ما سيقدم في افتتاح مهرجان "مونتريال السينمائي"، ويأمل المخرج أن يلفت انتباه موزعين أوروبيين.
ويقول المخرج الايراني ان هدف الفيلم هو اسقاط الصورة العنيفة التي يظهر فيها الدين الاسلامي، وقال مجيد مجيدي بالفارسية خلال مؤتمر صحافي في مونتريال قبل الافتتاح الرسمي للمهرجان "ان صورة الاسلام في الوقت الحاضر هي للاسف صورة اسلام راديكالي، عنيف ومتعصب، وهو ما لا يتفق مع مفهوم" هذه الديانة.
وندد المخرج ب"اعمال الارهاب الوحشية" التي تنفذها "مجموعات ارهابية تحت غطاء الاسلام" في اشارة الى التنظيمات الجهادية في العراق وسوريا واجزاء اخرى من العالم، مؤكدا ان الاسلام "ديانة سلام وصداقة ومحبة"، وشرح مجيد مجيدي لدى عرض الفيلم على الصحافة ان عمله الذي يروي طفولة النبي منذ ولادته وحتى سن الثالثة عشرة، كان ثمرة ابحاث مطولة اجراها "مع مؤرخين شيعة وسنة".
في المقابل عرض بعض رجال الدين وخاصة في السعودية هذا الفيلم، لكنها في الوقت نفسه لم تقدم ولا مفتي الأزهر معلومات أوفر عن أسباب معارضة بث هذا الفيلم، باستثناء أنه يقلل من قيمة الرسول أو يقوم بتمثيل ملامح وجهه، وهو الأمر الذي نفاه المخرج الإيراني، والذي أكد أنه استخدم تقنيات التصوير ثلاثية الأبعاد لكي لا يظهر وجه الرسول محمد، كما نفى مجيد مجيدي أن تكون لديه أية نية في تشويه صورة الرسول محمد، بل بالعكس، فهو يريد الترويج لديانة إسلامية متفتحة على الآخرين وغير عنيفة مختلفة عن تلك الصورة التي تسوقها الجماعات الإرهابية والجهادية كتنظيم "داعش".
على صعيد مختلف فعلى الرغم من القيود التي تفرض السلطات في الداخل وطبيعة المجتمع الايراني المحافظ على العاملين في قطاع السينما الى ان ابداعاتهم مستمرة ومتميزة، حيث استطاع بعض رواد الفن السابع ان يتركوا بصماتهم واضحة في المحافل الدولية عبر مشاركاتهم السينمائية الاخيرة.
فعلى الرغم من منعه من التصوير ومغادرته إيران، تمكن المخرج جعفر باناهي من التحايل على القيود المفروضة عليه عبر جولة سينمائية على متن سيارة "تاكسي" ثبتت فيها كاميرا صغيرة، لم يمنع السجن ثم الإقامة الجبرية ومنع السفر والتصوير، كاميرا المخرج الإيراني الكبير جعفر باناهي من الطواف في شوارع طهران على متن "تاكسي" تلتقط وتنتقد واقع البلاد، ويعرض "تاكسي" منذ بضعة أيام في القاعات الفرنسية حيث لاقى ترحيبا كبيرا من الجمهور والنقاد، "لا شيء يمكن أن يمنعني من صنع الأفلام".
وكان باناهي أوقف سنة 2010 بعد أن حاول مواكبة وتوثيق الاحتجاجات التي اندلعت في إيران ضد إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في العام 2009، وقال المخرج في تصريحات لمهرجان برلين "السينما هي طريقتي في التعبير وسبب وجودي، لا شيء يمكن أن يمنعني من صنع الأفلام"، وأثارت العقوبات ضد باناهي تنديدا عالميا وخصوصا في الوسط الفني حيث تترك له مهرجانات شهيرة كرسيا خاليا للإشارة إلى التضامن معه.
من جهته يسعى المخرج الايراني المنفي محسن مخملباف، المناهض بشراسة للرقابة المفروضة في بلده الذي "عانى فيه العنف طوال حياته"، الى توجيه "رسالة تسامح" عن طريق فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان "الرئيس" ويتطرق الى قضية الانظمة الديكتاتورية، وأوضح المخرج البالغ 57 عاما والمقيم في لندن في مقابلة مع وكالة فرانس برس على هامش زيارته باريس للمشاركة في اطلاق فيلمه الجديد ان "فيلمي اشبه بالرواية القصصية، لقد استوحيت من الربيع العربي والحركات السياسية الايرانية ومن الثورة التي حصلت قبل اكثر من ثلاثين عاما في ايران. لكنني اختصرت كل هذا بقصة واحدة".
وعليه يرى الكثير من المتخصصين في الفن السابع ان السينما الإيرانية اصبحت من أفضل التصنيفات الدولية على هذه الصعيد الفنية خاصة في الاونة الأخيرة، فعلى الرغم من الرقابة الصارمة وقمع بعض كبار صناع السينما الإيرانيين، ناهيك عن كونها باتت تشكل قوة ناعمة مضادة لكل من يشويه الدين الاسلامي ويحاول قولبة الاسلام واظهاره بمظهر السلبي، مما يشير الى ان الصراعات بمختلف انواعها ستمضي تحت سطوة القوة الناعمة بكل انواعها.
فيلم محمد رسول الله ايقونة عالمية
في سياق متصل نقلت مجلة حزب الله لاين عن مجيدي "قررت إنتاج الفيلم للتصدي للموجة الجديدة من الخوف من الإسلام في الغرب، التفسير الغربي للإسلام ملئ بالعنف والإرهاب"، ومدة الفيلم 171 دقيقة وهو الجزء الأول من ثلاثية ويركز على طفولة الرسول، ولن يظهر وجه الرسول على الشاشة وفقا لقيود إسلامية محافظة، وتظهر الكاميرا جسم الفتى الذي يؤدي دور الرسول فقط من ظهره أو من خلال ظله. بحسب رويترز.
واستخدمت لعرض آراء الرسول طريقة تصوير بكاميرا ثابتة للمصور السينمائي الإيطالي فيتوريو ستورارو الحائز على جائزة أوسكار، ولم يكشف عن هوية الصبي الذي أدى دور محمد في الفيلم، ولم تنل هذه التحفظات رضا بعض علماء الأزهر وهو أكبر مؤسسة للسنة في العالم الإسلامي ومقره مصر، وطالب الأزهر إيران بوقف عرض الفيلم، وقال عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر لرويترز "هذا أمر محسوم أصلا، لا يجوز شرعا تجسد الأنبياء"، وأضاف "لا يجوز شرعا أن يقوم شخص يقوم بأدوار متناقضة متضاربة.. تارة نراه سكيرا حتى الثمالة وتارة نراه زير نساء وتارة نراه على غير خلق ثم يقوم بتجسيد نبي أو ولي أو صحابي.. هذا لا يجوز"، وتابع العواري "هذا ما انتهت إليه جميع المجامع العلمية المعتبرة وعلى رأسها مجمع البحوث الإسلامية (التابع للأزهر)... فلا يجوز بحال من الأحوال تجسيد الأنبياء والمرسلين ولا الصحابة المبشرين بالجنة".
وقال سامي يوسف وهو أحد أشهر المطربين الإسلاميين في العالم والذي قام بأداء أغنيات في الفيلم متحدثا لرويترز "أنا على ثقة من أن من ينتقدون الفيلم في الأزهر وغيره لم يشاهدوه حتى الآن، يعارضون الفيلم لأن مصدره إيران"، وقال يوسف إن من "العار" أنه لم ينتج حتى الآن سوى عملين كبيرين يجسدان حياة محمد مقارنة بعدد كبير من الأعمال عن حياة عيسى وغيره من الأنبياء.
محرمات منذ القدم، ولطالما أثار تجسيد النبي محمد توترا غاضبا إذ يوصم من يقوم بذلك من المسلمين بالتجديف، ونشرت رسوم كاريكاتيرية في صحيفة دنمركية في 2005 وتلتها احتجاجات غاضبة مات فيها عشرات الأشخاص وتخللتها هجمات على سفارات ومقاطعة بضائع، وقتل متشددون مسلمون بالرصاص 12 شخصا في مكاتب صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية في يناير كانون الثاني الماضي وقالوا إنهم يثأرون لنشرها رسما يجسد النبي محمد.
وأفتى الزعيم الأعلى الإيراني الراحل داعيا المسلمين لقتل الكاتب سلمان رشدي في 1988 بعدما صدر كتابه (آيات شيطانية) وهي رواية اعتبرت مسيئة في تناولها للإسلام ورسوله، والعمل الجديد (محمد رسول الله) هو فقط ثاني فيلم روائي طويل عن الرسول. والفيلم الأول واسمه (الرسالة) أنتج في 1976 للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد وفيه لعب الممثل الشهير الراحل أنتوني كوين دور حمزة عم الرسول.
ولم يجسد ذلك الفيلم وجه الرسول على الشاشة لكنه أغضب بعض المسلمين، وقتل العقاد في 2005 في تفجير انتحاري بالعاصمة الأردنية عمان، ولا يعرف إن كان للهجوم علاقة بالفيلم، وقال المغني يوسف "لا يمكنك أن تدرس حياة الرسول ولا تقع في حبه وحب شخصيته، لو أن الفيلم ساعد الناس حول العالم على معرفة نبينا بشكل أفضل والتعرف على سماحته... فسنكون قد أنجزنا مهمتنا".
وأضاف "الفيلم "محمد رسول الله" تم تصويره في إيران بشكل أساسي. مشاهد مكة تم تجسيدها في مساحات واسعة وبأدق التفاصيل. المشاهد التي تظهر فيها الفيلة صورت في جنوب أفريقيا بعد رفض الهند السماح لصناع الفيلم بذلك خشية رد فعل الدول الإسلامية على الفيلم"، وزار الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي موقع تصوير الفيلم في إشارة دعم قوية، وطرح الفيلم في 143 دار عرض بإيران في نفس اليوم بينما يعرض في افتتاح مهرجان مونتريال السينمائي، وقالت إحدى دور العرض في طهران طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب قانونية إن الفيلم هو الأكثر شهرة الآن.
فيما اثار فيلم "محمد رسول الله" الذي يروي طفولة النبي محمد بعد عرضه في ايران في صالات اكتظت بالمشاهدين، تظاهرة لمعارضين للنظام الايراني قبل عرضه في الافتتاح الرسمي لمهرجان افلام العالم في مونتريال. بحسب فرانس برس.
واتهم المعارضون البالغ عددهم نحو خمسين، مخرج الفيلم الايراني مجيد مجيدي ب"الخيانة" ومنظمي مهرجان مونتريال للسينما "بمساعدة الدعاية" الايرانية، ونددت فخرية جواهري المعارضة للنظام التي تؤكد انها اعتقلت اربعة اشهر في سجون طهران وتقيم في المنفى في كندا منذ 2007، بفيلم "دفع تكاليفه القادة الايرانيون... من اجل ان يظهروا للعالم انهم يكنون مشاعر طيبة".
وتجري الوقائع بصورة رئيسية في حي من مكة المكرمة اعيد بناؤه في جنوب طهران وغالبا ما يصور من خلال نظرة النبي، ولو ان القسم الاول من الفيلم يجري قبل ولادته، في القرن السادس ميلادي، ويظهر محمد الشاب مرتديا على الدوام ملابس بيضاء من دون ان يظهر وجه الممثلين الذين يؤدون دوره، سواء طفلا او صبيا او فتى، وهو ما يهدف بحسب المخرج الى "احترام عقيدة قديمة بين المسلمين تقضي بعدم تجسيد النبي محمد".
وقبل بضع ساعات من عرض الفيلم في افتتاح مهرجان مونتريال، اطلق الفيلم في صالات طهران حيث لقي اقبالا كثيفا بحسب مجيدي الذي توقع ان يكون "اكبر نجاح في تاريخ السينما الايرانية"، وبدأ عرض الفيلم في 140 صالة سينما في ايران بعد كان مقررا بسبب مشكلة في انظمة الصوت، غير ان المخرج اوضح ان هذا التأخير تقرر حتى يتزامن خروج الفيلم في دور السينما الايرانية مع افتتاح مهرجان افلام العالم في مونتريال، ويعتزم مجيد مجيدي خلال الحفل التاسع والثلاثين لمهرجان مونتريال الذي يستمر حتى السابع من ايلول/سبتمبر البحث عن موزعين في اطار السوق الدولية للافلام التي تجري بموازاة المهرجان.
رحلة تحدي الرقابة على متن "تاكسي" جعفر باناهي
إن كانت أفلام جعفر باناهي (54 عاما) تجوب المهرجانات الدولية، يبقى عمله ممنوعا في بلاده حيث تعتبره السلطات "دعاية ضد النظام"، ومنذ أن فرضت عليه الرقابة في 2011، أخرج جعفر باناهي ثلاثة أفلام سرا وهي "هذا ليس فيلما" و"برده" وأخيرا "تاكسي الذي فاز هذا العام بجائزة الدب الذهبي وهي الأعلى في مهرجان برلين الدولي.
ثبت باناهي كاميرا رقمية صغيرة على لوحة القيادة فسافرنا معه (وقد تقمص دور السائق) في سيارة الأجرة الجماعية مع جملة من الشخصيات التي تثير عبر الحوار البسيط العديد من التساؤلات العميقة حول المجتمع الإيراني، ومكانة المرأة، ومنظومة الأخلاق المعقدة السائدة في البلاد، وتتجاوزها إلى تفكير بشأن السينما التي تغمض عينها المتقدة الشاملة عين الرقيب.
ولم تخل الرحلة من الفكاهة عبر عبثية بعض المواقف. فنلتقي خلال الرحلة مدرسة ولص وامرأتين عجوزتين (تحملان حوض سمك) إضافة إلى بائع اسطوانات سري وطالب سينما وصديق قديم، وصرحت موزعة الفيلم إنغامي باناهي لفرانس24 "لا يمكن أن نقول له لا تصور أفلاما، فكأننا نطلب منه أن يتوقف عن الحياة، أن يخرج في التاكسي عبر المدينة ويلتقي الناس وينقلهم في السيارة-الفيلم بالنسبة له لقاء مع ما يهمه ومع السينما التي تعود صنعها: الحديث عن المجتمع والناس وعن الوضع في طهران وما يجري فيها اليوم، من الجيد والسيء، وعن المظاهر".
بساطة الشكل وعمق القضايا، ولعل أقوى الشخصيات ابنة شقيقة باناهي، في الفيلم وفي الحياة، هناء سعيدي. تحضر البنت فيلما مدرسيا وجب أن يخضع لشروط مستحيلة على غرار "أن تحمل الشخصية الإيجابية اسم إسلامي، وأن لا تلبس ربطة عنق إلخ". ففي اصطدام براءتها وخيالها الطفولي الذكي الذي يسعى إلى احتواء واقع ثري، بسخافة "الفيلم القابل للتوزيع" المطلوب من المؤسسة التربوية، مرآة عن سينما خالها الذي يتماهى مع نظرة الطفل ليبرز هراء الخطوط الحمراء، وفي غياب جعفر باناهي عن مهرجان برلين، تلقت هناء الجائزة نيابة عنه.
وقال عنه رئيس لجنة التحكيم في مهرجان برلين الأمريكي دارن أرونوفسكي "القيود غالبا ما تدفع الرواة إلى التفوق في عملهم" وأضاف "كتب جعفر بناهي رسالة حب إلى السينما"، ويقول بائع الاسطوانات السري لـ"سائق التاكسي" (وهو مخرج سري) أنه سبق وزوده بعديد الأفلام من بينها "حدث ذات مرة في الأناضول" للمخرج التركي نوري جيلان، ويطرح بذلك باناهي فشل الرقابة في قمع الفن ويثبت أن الأفلام تجد دائما طريقها إلى جمهور.
وعبر مثل هذه الحوارات التي تبدو سطحية في الظاهر وترد على لسان شخصيات موضوعية شكلا، يثير المخرج العديد من القضايا الهامة في المجتمع الإيراني. فينتقل خلاف ينشب بين شاب وامرأة يقلهما التاكسي حول عقوبة الإعدام، إلى التساؤل عن مصدر العنف: فهل هو اللص الجائع أم المجتمع الذي يجوعه ثم يحكم عليه بالموت؟.
ويأخذ التاكسي معه امرأة وزوجها المصاب في حادث إلى المستشفى، فيشرع الأخير في تسجيل وصاياه الأخيرة التي تتمثل في منح زوجته جميع أملاكه لحمايتها من إخوته، في تناول لمسألة حق المرأة في الميراث، وغيرها من المسائل الأخرى التي تبحث تضييق الحريات والحرمان من الحقوق في إيران.
أما الراكبة الأخيرة فهي محامية شهيرة منعها النظام من العمل، لا يذكر باناهي اسمها لكننا نفهم أنها نسرين ستودة. وفي 2012، منح الاتحاد الأوروبي جعفر باناهي جائزة ساخاروف لحرية الفكر، ومنحت الجائزة أيضا لمواطنته نسرين ستودة التي تعرضت بدورها لملاحقة السلطات.
وفي نهاية الفيلم-الحيلة، تعوض بعض الكلمات على شاشة سوداء الجينيريك المعتاد، وتقول الرسالة إن السلطات منعت الجينيريك لأنه لا يوافق شروط "التوزيع"، فينتابنا شعور مقلق بأننا شاركنا في الخديعة وأن الفيلم الذي يبدو جولة عفوية في شوارع طهران، هو سيناريو عميق وشديد الوقع حيك من تحت أنف السلطات.
محسن مخملباف يوجه رسالة تسامح للديكتاتورية
الى ذلك يسعى المخرج الايراني المنفي محسن مخملباف، المناهض بشراسة للرقابة المفروضة في بلده الذي "عانى فيه العنف طوال حياته"، الى توجيه "رسالة تسامح" عن طريق فيلمه الجديد الذي يحمل عنوان "الرئيس" ويتطرق الى قضية الانظمة الديكتاتورية، وأوضح المخرج البالغ 57 عاما والمقيم في لندن في مقابلة مع وكالة فرانس برس على هامش زيارته باريس للمشاركة في اطلاق فيلمه الجديد ان "فيلمي اشبه بالرواية القصصية، لقد استوحيت من الربيع العربي والحركات السياسية الايرانية ومن الثورة التي حصلت قبل اكثر من ثلاثين عاما في ايران. لكنني اختصرت كل هذا بقصة واحدة".
وتدور احداث فيلم "الرئيس" الذي بدأ عرضه في فرنسا وسويسرا، في بلد خيالي يشهد نهاية حكم ديكتاتوري جراء انقلاب عنيف، وبعد تحوله المطلوب الاول في بلاده، يفر الديكتاتور بصحبة حفيده البالغ خمسة اعوام ويتنكران بزي موسيقيين في الشارع، حيث يكتشف هذا الطاغية معاناة الشعب وعمق مشاعر الكراهية ضده. بحسب فرانس برس.
وقال مخملباف وهو مخرج عدد كبير من الافلام من بينها "قندهار" و"سلام سينما"، "انني انجزت هذا الفيلم لتوجيه رسالة سلام وتسامح، لأنني عانيت العنف المرتبط بالثورة والحرب طوال حياتي"، واضاف المخرج المقيم قسرا في المنفى بسبب التهديدات بالقتل "اننا عشنا سبع سنوات من الحرب بين ايران والعراق، لقد امضيت اربع سنوات ونصف السنة في السجن، تعرضت للتعذيب عندما كنت في سن السابعة عشرة"، لافتا الى ان الحكومة الايرانية حاولت قتله اربع مرات على الاقل.
الى "انني اكتشفت ان المشكلة ليست فقط في الحكام الديكتاتوريين لكن ايضا في الثقافة وفي النظام الديكتاتوري والثوار الذين هم بغالبيتهم من المتأثرين بثقافة العنف"، وقد شارك محسن مخملباف المولود في طهران سنة 1957، بشكل فاعل في التظاهرات المناهضة لحكم الشاه في ايران ما دفع ثمنه اعتقالا وسجنا، قبل اختياره التفرغ للاخراج السينمائي بعد الثورة الاسلامية سنة 1979.
لكن بعد محاولات عدة لتحدي الرقابة المشددة على الاعمال الفنية من جانب السلطات، اضطر المخرج الايراني الى مغادرة بلاده سنة 2004 والعيش في المنفى بداية في افغانستان من ثم في طاجيكستان قبل الانتقال الى باريس وبعدها لندن، وقد اخرج مخملباف حوالى ثلاثين فيلما منذ الثمانينات، كما ان زوجته وابنتيه يمتهنن ايضا الاخراج السينمائي.
وبعد عشر سنوات من المنفى، اصبح المخرج الايراني على قناعة بأن "وطني هو هذا الكوكب"، لكن في الوقت عينه، "انا ايراني حتى لو كنت اصور افلاما في جورجيا واسرائيل وافغانستان او غيرها"، وفق مخملباف الذي ابدى "امله" في العودة يوما ما الى بلاده وأعرب عن تفاؤله ازاء مستقبل السينما الايرانية على رغم الرقابة.
وأكد المخرج ان "الامل موجود ازاء هذه السينما اكثر منه تجاه الديكتاتورية في ايران. سيأتي يوم نتخلص فيه من هذا النظام، لكن سيبقى لدينا تاريخ حافل للسينما الايرانية"، وتبذل الحكومة الايرانية "قصارى جهدها لمحاربتي لكنها لا تنجح في ذلك"، بحسب مخملباف الذي منعت افلامه وكتبه في ايران لكن بعض اعماله لا تزال منتشرة في السوق السوداء لاقراص الـ"دي في دي" وعلى القنوات الفضائية او على موقع "يوتيوب".
ورأى مخملباف ان الرقابة في ايران "خسرت من سلطتها بفضل الانترنت"، اذ بات بالامكان "انجاز افلام وارسالها بالبريد الالكتروني، من الممكن انجاز افلام بواسطة الهاتف المحمول ولن يستطيع احد مراقبة ذلك"، ومن بين الامثلة على هذا الوضع المخرج الايراني المنشق جعفر بناهي الممنوع من العمل في بلاده والذي نجح رغم ذلك في انجاز افلام بطريقة شبه سرية ونال هذا العام جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عن فيلمه "تاكسي".
وقال مخملباف في مقابلته مع وكالة فرانس برس "يمكنكم انجاز افلام بطريقة سرية" لكن الامر "معقد"، واضاف "بفضل اسمه وشهرته، لا يمكنهم (السلطات الايرانية) فعل شيء ضده، لكن اشخاصا اخرين يواجهون ضغوطا ولا يستطيعون انجاز افلام، واسمهم ليس جعفر، الكثيرون منهم موجودون في السجن ولا احد يعلم بذلك".
مهرجان بوسان للسينما
على الصعيد ذاته فاز فيلمان ايراني وكازاخستاني بجوائز في مهرجان بوسان (كوريا الجنوبية) للسينما وهو الاكبر في آسيا، وفاز فيلم "مميرو" (الخالد) للمخرج الايراني هادي محقق وفيلم "وولنت تري" (شجرة الجوز) للكازاخستاني يرلان نورمحمدوف في فئة "مواهب جديدة" التي تكافئ مخرجي فيلم اول او ثان. وسيحصل كل من الفائزين على مبلغ 30 الف دولار. بحسب فرانس برس.
و"مميرو" فيلم مؤثر حول رجل لديه ميول انتحارية فيما حفيده مصمم على ان يثبت له ان الحياة تستحق ان تعاش، اما فيلم "وولنت تري" فيتناول بفكاهة العلاقات ضمن جماعة صغيرة، ويتسلم المخرجان جائزتهما في الحفل الختامي لمهرجان بوسان الدولي للفيلم.
اضف تعليق