q

قد يفتح انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي الباب للعديد من التغيرات والتأثيرات على منطقة الشرق الأوسط برمتها، ومنها انسحاب بعض الدول من الجامعة العربية، أو الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، أو انسلاخ بعض الأجزاء من الدول العربية واعلان دول مستقلة، خاصة وان هناك تداعيات في بريطانيا نفسها قد تنعكس على المنطقة، منها الانسحاب البريطاني بعد أكثر من 40 عام من العضوية في الاتحاد الأوربي، كذلك إعلان اسكتلندا أنها سوف تنضم استفتاء ثاني للاستقلال عن المملكة المتحدة، لأنها لا تريد الانسحاب من الاتحاد الأوربي، كذلك إظهار نتائج الاستطلاع إن دولا أخرى قد تنهج نفس النهج البريطاني بالانسحاب من الاتحاد، خاصة التي تضم أحزابا يمينية متطرفة مثل فرنسا وايطاليا وهولندا، ولو عدنا إلى منطقتنا العربية لوجدنا إن العديد من الظروف مواتية لحدوث نفس النتائج التي حدثت في أوربا، منها:

1- إن بعض الدول العربية أصبحت متضررة بشكل كبير من تواجدها في الجامعة العربية، بل وصل الأمر في بعضها إلى إن تكون الجامعة العربية سببا في تدميرها بالاشتراك مع أمريكا والدول الأوربية، كما حصل في احتلال العراق عام 2003، واشتراك الجامعة العربية بشكل كبير في قرارات مجلس الأمن ضد العراق، من عام 1990 إلى 2003، كذلك دعمها لحلف الناتو في ضرب ليبيا عام 2011، وإسقاط نظام الحكم فيها، اشتراكها في الحرب ضد اليمن، وطرد سوريا من الجامعة العربية، مع أنها من المؤسسين لها، ثم تأمرها على المقاومة الإسلامية وخاصة ضد حزب الله ودعمها إسرائيل من خلال اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، كذلك دعوتها للسلام مع إسرائيل، وضياع الحقوق الفلسطينية، وأخيرا أصبحت اكبر منظمة مرتشية في تاريخ العالم، فقد أصبحت ألعوبة بيد الدول العربية الغنية كالسعودية والإمارات وقطر، وأصبحت القرارات تتخذ على أساس تقديمك الرشا وليس مبادئ المنظمة.

2- بقاء العراق ضمن الجامعة العربية قد يعرض وحدته الإقليمية للخطر، خاصة وان بعض قومياته المؤثرة ترفض اعتبارها جزءا من الوطن العربي، وخاصة الكرد، حتى إن المادة الثالثة من الدستورية، قد نصت إن "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها وجزء من العالم الإسلامي"، إذ لم تنص صراحة بان العراق جزء من الأمة العربية كما نصت الدساتير العراقية سابقا، بل بسبب معارضة بعض القوميات تم وضعه نص لا يمت صلة بين العراق والوطن العربي، كما إن مواقف الجامعة منذ 1990، هي اغلبها ضد العراق، خاصة وان عملية صنع القرار فيها مسيطر عليه من قبل مصر ودول الخليج العربية، وأصبحت الدول المؤسسة الأساسية مثل العراق وسوريا واليمن وغيرها تأتي بالدرجة الثانية من الأهمية بل لا يؤخذ برأيها في بعض الأحيان.

3- أسس مجلس التعاون الخليجي عام 1980، وذلك لتعاون بين دوله ضد التهديدات الخارجية والداخلية، والتزام تعاون وثيق بين دوله غي القرارات الدولية والإقليمية، وان تكون صوت واحد، وشكل قوات درع الجزيرة، إلا إن دول الاتحاد بقي في العديد من القضايا تتصرف طبقا لمصالحها، وليس هناك تعاون وثيق بين دوله، فمثلا رغم احتلال إيران لجزر الإمارات منذ عام 1970، إلا إن لا زالت العلاقات الإماراتية والإيرانية قوية جدا، كما إن توتر العلاقات بين السعودية وإيران، يقابله تعاون وثيق بين إيران والعديد من دول الخليج الأخرى مثل عمان وقطر والإمارات، كما إن بعض دول الخليج اتخذت مواقف محايدة من العديد من القضايا في المنطقة مثل أحداث سوريا واليمن ولم تدعم مواقف الدول الأخرى في الاتحاد التي انغمست بقوة في الصراع السوري واليمني كالسعودية وقطر والإمارات، إذ وقفت عمان موقف مبدئي ولم تشترك أو تدعم السعودية في عدوانها ضد اليمن أو تدخلها في سوريا، أو تدعم السعودية في الخلاف مع إيران، لهذا يرى العديد من الخبراء إن عمان قد تكون الدولة المرشحة للانسحاب من الاتحاد وقد تنهي هذا الاتحاد، خاصة وإنها الدول الخليجية الوحيدة التي بقيت علاقاتها قوية مع بريطانيا في الخليج، على عكس الدول الأخرى التي فضلت الحليف الأمريكي على البريطاني.

4- إن الجامعة العربية تحمل بذور فنائها في داخلها، فمنذ تأسيسها عام 1945، كانت أداة بيد الدول الكبرى، ولم تتخذ أي موقف وطني في مناصرة قضايا العرب أو الاستقلال، أو موقف واضح من القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي رفضت فيه كل قرارات الأمم المتحدة من حل للقضية الفلسطينية، وخاصة قرار التقسيم عام 1948، وقرار عام 1967، فهي الان تتراجع وبدون خجل وتريد فقط دويلة فلسطينية على حدود عام 1967، في الضفة وغزة والقدس الشرقية، وتعترف في إسرائيل، وبهذا فهي قد خانت القضية وصفت رموزها، لهذا بعد هذا الموقف يرى بعض العرب إن الجامعة أصبحت شريك في ضياع فلسطين، وشريك في دمار العالم العربي، لهذا فان بقاءهم فيها ليس له ما يبرره أو ذا فائدة أصلا.

5- مجلس التعاون الخليجي هو الأخر أصبح أداة بيد السعودية تريد إن تسير به حسب سياساتها في المنطقة، لهذا فان دول الخليج الأخرى باستثناء البحرين لحساسية الموقف فيها، لا تريد اليسر مع السعودية، إذ نرى مثلا إن الإمارات رغم اشتراكه في حرب اليمن إلا أنها قد اكتفت أخيرا بالبقاء في الجنوب في المكلا، بعد عزل رئيس الوزراء الموالي لها (خالد بحاح) ومحاولة السعودية الاستئثار باليمن، كما إن قطر هي الأخرى لها خلافات عميقة مع السعودية سواء حدودية أو حول دعم الإخوان المسلمين في العالم العربي، والكويت هي الأخرى قد نأت بنفسها عن السعودية، وأصبح حماية الاستقرار الداخلي أولوية لها على قضايا المنطقة الأخرى.

6- عودة بريطانيا بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط، إذ إن احد أسباب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي هو للخلاص من القيود الأوربية عليها، لان مصالحها تتركز في الشرق الأوسط، فهي دولة استعمارية قديمة في المنطقة وكانت مسيطرة على اغلب دوله حتى وقت قريب، كما إن الأحداث الأخيرة في المنطقة وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وثورات الربيع العربي عام 2011، قد فتحت الباب أمام بريطانيا للعودة إلى نفوذها السابق في المنطقة، لهذا فان التنافس بعد الانسحاب سوف يكون على أشده بين دول الاتحاد الأوربي وبريطانيا، وهو سيكون على شاكلة الصراع الأوربي على المستعمرات في السابق، ما قد يجر المنطقة إلى صراعات جديدة إضافة إلى الصراع الموجود أصلا.

7- حدوث انسلاخ بعض الأجزاء من الدول العربية، وإعلان نفسها دول مستقلة، خاصة وان هذه الأجزاء في حركات انفصالية قوية مثل دارفور في السودان، والصحراء الغربية في المغرب، أو هي شبه مستقلة مثل إقليم كردستان في العراق، بل إن بعض الدول العربة مهددة بالتفتيت مثل ليبيا واليمن وسورية، لان الأوضاع فيها من الصعوبة ضبطها السيطرة عليها، ودول أخرى معرضة للتفتيت مثل السعودية ومصر، لان هذه الدول قد دعمت الإرهاب لذلك فان عودة الإرهاب إليها سيكون تحصيل حاصل.

إن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وان كان شأنا داخليا أوربيا بحتا، إلا إن تداعياته الدولية والإقليمية سوف تتوالى على المنطقة العربية، وخاصة العراق، فلبريطانيا مصالح عديدة في المنطقة وخاصة العراق، الذي يعاني من صراعات سياسية حادة، وامن مضطرب بشكل كبير، من إرهاب يضرب المدن إلى سيطرت داعش على عدة مدن عراقية، لهذا فان بريطانيا هي الأخرى تسعى لان يكون لها موطئ قدم في العراق وخاصة في مناطقه الجنوبية، إذ إن تركز البريطانيين في البصرة بعد الاحتلال عام 2003، لم يكن صدفة بل من خلال سياسة مدروسة، ومنها محاولة فصل البصرة عن العراق، خاصة وان هناك أصوات عديدة تطالب بتشكيل إقليم في البصرة، وهذه الجهات لها دعم خارجي إقليمي ودولي قوي جدا، خاصة وان تزامن استقلال اسكتلندا من المملكة المتحدة سيكون سابقة أخرى قد تدفع عدد من الأجزاء في المنطقة العربية لإعلان الاستقلال، مثل مطالبات إقليم دارفور في السودان وإقليم كردستان في العراق والصحراء الغربية، والمنطقة الشرقية في السعودية، بل وقد يشمل الأمر سورية أيضا، لان هدف بريطانيا هو تفتيت العالم من خلال نقل تجاربها له.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق