q

يبدو أن الوضع في الخليج قد بدأ يتجه نحو التبدل في مراكز القيادة خصوصاً فيما يتعلق بوضع المملكة العربية السعودية التي بدأت تفقد قدرتها على التحكم بقرارات بعض الدول التابعة لمجلس التعاون الخليجي، فعلى الرغم من أن الوضع داخل المملكة يتجه نحو التغيير في السياسات الخارجية، إلا أن المملكة في نفس الوقت فقدت رمزيتها السياسية في قيادة دول الخليج. وهذا مايعني أن هنالك ملامح تحول جديدة في الإستراتيجيات الخارجية لهذه الدول، وبالشكل الذي ينسجم مع المعطيات الجديدة التي تحكم منطقة الخليج.

السعودية.. مجهولية المستقبل وفقدان الذات

منذ أن بدأ التغيير في قواعد الحكم التي تحكم وراثة العائلة المالكة في السعودية والجميع يتحدث عن فوضى عارمة قد تعصف بالمملكة بعد وفاة الملك سلمان بن عبد العزيز. إذ يتحدث سايمون هندرسون الباحث في معهد واشنطن، عن أن طبيعة العلاقات بين الأحفاد لاترتقي إلى مستوى القناعة الذي كان يسود الأبناء مما قد يجعل السعودية تتجه الى نزاعات داخلية تفرزها الإختلافات والتناقضات التي تحكم الأحفاد وعلاقتهم بالأبناء. خصوصاً إذا ماأخذنا بعين الإعتبار وجود جناح لايستهان بقوته يدعو إلى ملكية دستورية تحكم المملكة.

ومن أجل إقناع المجتمع السعودي بالتغيير القادم بدأت محاولات محمد بن سلمان ولي ولي العهد بالتغيير في الاستراتيجية السعودية من خلال رؤيته للمملكة عام ٢٠٣٠، إذ يطرح قضايا تتصل بالإقتصاد والجغرافيا قد تغير من دور السعودية على المستوى الخارجي. ورغم كل التغيرات الداخلية إلا أن قدرة القادة الجدد في السعودية مرهونة بكيفية إقناع المنافسين لهم داخل العائلة المالكة وهو مايحتاج إلى تنازلات وتوافقات تجبر المملكة على أن تكون ضعيفة نحو الخارج، فالتوافقات الداخلية سوف تجعل المملكة أمام تنازلات تجاه بقية القوى الخليجية، لاسيما وأن هذه القوى تمتلك قنوات خلفية مؤثرة داخل المملكة.

الخليج المتعدد التوجهات

لم تعد القناعة الفردية داخل دول مجلس التعاون تحكم مشهد القرارات الخارجية كما كان الأمر في السابق، فالتناقضات التي تهيمن على طموح القوى الصغيرة كقطر والإمارات عادةً ماتعرقل تطلعات دول أخرى داخل مجلس التعاون. فضلاً عن سلطنة عمان التي تفضل الحيادية والتوازن في معظم خياراتها نحو الخارج. وعلى الرغم من التوافق الضمني بين الإمارات والسعودية إلا أن طموح الإمارات المتجدد يقف أمام أي توجه سلبي تدفع به السعودية، فتراجع الامارات عن المشاركة في عاصفة الحزم أثر بشكل كبير على توجهات السعودية بشأن اليمن. فالمواقف في اليمن تعدد إلى أكثر من موقف وأفقد مجلس التعاون الخليجي رؤيته بسبب تعدد المبادرات الفردية من قبل دولة.

أما بشأن التعامل مع إيران كتهديد للأمن الخليجي فيبدو أن القنوات الخلفية التي تقوم بها قطر ورغبة الكويت والإمارات بالحفاظ على علاقات إيجابية مع إيران أضعف قدرة دول الخليج في مواجهة إيران، إذ ظلت المواجهة المباشرة فقط عند السعودية والبحرين التي لم تستطع التأثير بقنواتها الدبلوماسية وغيرها على قرار الإتفاق النووي. إن هذا الواقع يؤشر على تنامي نزعة فردية لدى دول المجلس تجعلها غير قادرة على التماسك، سيما إذا ما إرتبط الأمر بالمنافسة بين هذه القوى.

مستقبل القيادة في الخليج

إن نجاح أي دولة داخل مجلس التعاون الخليجي بحاجة الى معطيات عديدة وموارد للقوة تتمكن من خلاله منافسة المملكة المهيمنة على الخليج، ولذلك قد يبدو لأول وهلة أنه من الصعب استبعاد السعودية من أي دور قيادي للخليج بسبب العمق الاستراتيجي والوزن السياسي الذي تمتلكه بالمقارنة مع دول الخليج الأخرى.

إن مايضمن فاعلية أي قوة داخل مجلس التعاون الخليجي يبقى مرتهناً بضعف قدرة المملكة في التأثير بقراراتها الاستراتيجية خاصةً القرارات ذات الشأن الخارجي أو قرارات الحرب والتعامل مع القوى الرئيسة في المنطقة.

وأمام هذه الفرضية يمكن أن يلاحظ وجود إتجاهين يتحكمان بأبعاد القيادة الخليجية القادمة وهما: الاتجاه السلفي الذي يسعى أن يفرض هيمنته داخل المجتمع الخليجي رغم السياسات المعلنة بضرورة محاربته، إذ يلاحظ مقياس قوة السعودية من خلاله، فالسعودية سيرتهن مستقبل تأثيرها الاقليمي معه، فالضغوط على الأحفاد بضرورة إستمرار التحالف مع السلفية مقابل الدعوات داخل الولايات المتحدة بإضعاف نفوذهم داخل المملكة أو إيقاف الدعم المقدم لقادتها. ويستهدف هذا الإتجاه تبعية دول الخليج، غير أن نفوذها الحقيقي داخل المنطقة يتحقق من خلال إستمرار تحالفها مع آل سعود.

أما الإتجاه الثاني فهو الإخواني الذي يمتلك تأثير واضح داخل قطر والذي يستهدف الهيمنة على قوة الخليج من خلال تقوية التحالف القطري التركي. غير أن هذا الإتجاه أصبح ضعيفاً بعد نجاح السيسي في حكم مصر.

وبين هذين الإتجاهين يمكن ملاحظة إحتمالين سيهيمنان على الوضع في الخليج: الأول حيث إستمرار هيمنة السعودية على الوضع الخليجي والتأثير على جميع الأطراف بحكم نفوذها ورمزيتها السياسية، علاوةً على النفوذ السلفي داخل الخليج الذي سيشكل ضاغطاً على مؤسسات صنع القرار، ويقترن هذا الإحتمال كذلك بنجاح ولي ولي العهد محمد بن سلمان في تنفيذ إستراتيجيته بعد التحرك على قوى جديدة داخل المنطقة تعزز من موقع المملكة في المنطقة كالحالة مع جمهورية مصر. أما الاحتمال الثاني فهو زيادة فاعلية المحور القطري التركي الذي سيدفع بإتجاه تمديد نفوذه داخل الخليج بعد تراجع الدور السعودي لاسيما إذا ماتعرضت المملكة الى خلافات داخلية بسبب صراع الأحفاد والأبناء. وهو مايمثل المستقبل الأكثر ترجيحاً لكن بحاجة الى فترة زمنية مشروطة بقوة أبناء الملك عبد العزيز خارج السلطة. إلى جانب تمكن الاخوان المسلمين من تجاوز أزمتهم في تركيا بعد محاولة الإنقلاب والفوضى التي تعم تركيا منذ منتصف تموز من هذا العام.

ومابين هذين الإحتمالين قد يكون الوضع الخليجي أكثر إنفلاتاً فالأزمة في البحرين، والحياد العماني والطموح الإماراتي المتصاعد، والفوضى المحتملة في المملكة السعودية قد تجعل فرص التعارض والتصادم بين هذه الدول محتملة كذلك، خاصةً إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أدوار القوى الإقليمية الأخرى والوضع في اليمن الذي لم يحسم بعد، الأمر الذي يجعل الخليج في حالة من الفوضى تقترب في شكلها من أنموذج الربيع العربي في الدول العربية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

اضف تعليق