q
انهيت المهمة العسكرية في سوريا، والاهداف التي ذهبنا من اجلها تحققت، بوتين ينطق بهذه الكلمات مجددا اعلان النصر في سوريا، ومذكرا الدول التي توعدته بافغانستان جديدة بان روسيا اليوم قوية وليست روسيا الاتحاد السوفيتي العجوز، في كلمة ألقاها أثناء جلسة منتدى \"فالداي\" الدولي للحوار في منتجع سوتشي...

انهيت المهمة العسكرية في سوريا، والاهداف التي ذهبنا من اجلها تحققت، بوتين ينطق بهذه الكلمات مجددا اعلان النصر في سوريا، ومذكرا الدول التي توعدته بافغانستان جديدة بان روسيا اليوم قوية وليست روسيا الاتحاد السوفيتي العجوز.

في كلمة ألقاها أثناء جلسة منتدى "فالداي" الدولي للحوار في منتجع سوتشي، الذي عقد الخميس قال بوتين: "باعتقادي إننا حققنا جميع الأهداف التي طرحت صوب أعيننا أثناء بدئنا العملية في الجمهورية العربية السورية"، موضحا أن روسيا في تلك الفترة كانت تهدف إلى منع "التفتت النهائي لأراضي سوريا، على غرار الصومال، وتدهور مؤسسات الدولة في البلاد، وكذلك تسلل جزء كبير من المسلحين إلى أراضي روسيا الاتحادية والدول المجاورة لنا التي لا توجد بيننا حواجز جمركية بل هناك في الواقع نظام الدخول والخروج بلا تأشيرات".

كلام الرئيس بوتين ليس بالجديد لكنه تذكير للقوى الكبرى والإقليمية بان موسكو قادرة على فرض شروطها وهذا الواقع امامكم فانتبهوا، وتعاملوا مع روسيا كدولة كبرى وليست دولة صغيرة كما قالها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ووصفها بانها دولة إقليمية.

في الواقع لم يأتي بوتين الى سوريا من اجل محاربة الإرهاب فقط، انما جاء لابراز عضلاته واسلحته الحديثة، وإعلان النصر على الإرهاب خطوة صغيرة امام المراحل التالية من الصراع المعقد في سوريا، فهذه الدولة التي قال بوتين ان تدخله فيها حافظ على مؤسساتها لا تزال مهددة بالتفكك.

هناك تركيا والولايات المتحدة الامريكية وايران وحزب الله، لهم أدوار كبيرة في الصراع ولم تنتهي سجالاتهم السياسية والعسكرية بسهولة، والى جانب هذا المثلث المتازم تاتي إسرائيل لتحشر انفها بين الخصوم. كل هؤلاء يشعرون ان لهم الحق في التدخل، وكل هؤلاء اعلنوا النصر أيضا ولا يريدون الانسحاب من الميدان.

بالنسبة الى تركيا فيجد بوتين ان تواجدها في المناطق الشمالية لسوريا مهم للتحكم ببعض الجماعات السنية المسلحة، والحصول على ضمانات من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وهي المعادل النوعي لواشنطن التي تدعم الاكراد.

الولايات المتحدة الامريكية هي العائق الأكبر لفرض هيمنة موسكو على سورية، ولم يترك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أي مناسبة للتذكير بان التواجد الأمريكي غير شرعي أولا، ويسهم في نشر الجماعات الإرهابية بالمنطقة خاصة في العراق وأفغانستان، والنجاح الحقيقي الذي يجب ان يتحقق في سورية هو دفع القوات الامريكية الى الخروج بدون قتال، او بصفقة سياسية كبرى، وهو امر مستبعد في الأمد القصير، لان روسيا لا تملك ما تقايض به.

الملف الأكثر تعقيدا من التواجد الأمريكي في سورية، هو السجال الإيراني الإسرائيلي على الحدود وفي وسط الأراضي السورية، لا يريد بوتين حشر نفسه في هذا الملف كثيرا، وإقناع ايران بالانسحاب من سوريا كما تريد إسرائيل ليست مهمة بوتين، حيث اعلن ذلك صراحة خلال مؤتمر "فالداي". فالقيصر لا يريد للطائرات الإسرائيلية ان تحول اجوائ سوريا الى مجال للتدريب على شن الغارات، ولا هولا يريد لإيران ان تكون المتحكم في الجيش السوري والمؤسسات الحساسة في الدولة. وما بين منع التوسع الإسرائيلي وكبح جماح ايران هناك حاجة الى سياسة اكثر قوة وحكمة في نفس الوقت.

بالنسبة الى روسيا فان اسرائيل لا تزال جزءا من منظومة التحالفات الامريكية وبالتالي فهي تمثل مكانا للصراع بين الغريمين العظميين روسيا والولايات المتحدة. وعلى ضوء ذلك فلا تبدو العلاقات الروسية الإسرائيلية مميزة ولا سيئة، فكلاهما يتعامل بمنطق المصالح المتبادلة، وعلاقتهما غير ودية ينتابها أحيانا بعض التوتر والتباين في العديد من الملفات والتواجد الإيراني هو الأخطر فيها لا سيما بعد تسليم منظومات "اس300" الى سوريا.

يمكن لروسيا ان تستغل الملف الإسرائيلي لتعزز مكانتها في المنطقة العربية، الا ان هذه المقاربة محفوفة بالمخاطر، فالاحتكاك القوي بالاسرائيليين قد يكلفهم الكثير على المستوى الدولي، لا سيما اذا وجدت الولايات المتحدة ضرورة لحماية مصالح تل ابيب.

ان تنهي الحرب ضد جماعة مسلحة مثل داعش وقوى المعارضة في سوريا مسالة سهلة بالنسبة لدولة عظمى، لكن تفكيك الصراعات الجانبية التي افرزتها ازمة استمرت لسبع سنوات تحتاج الى استراتيجية بحجم اللاعبين الإقليميين والدوليين، فهل يملك بوتين هكذا استراتيجية ام انه سيعتمد على أخطاء خصومه كما فعل خلال الفترة الماضية؟

اضف تعليق