q

بعد زوال النظام الدكتاتوري تدخل الدول في مرحلة جديدة وهي مرحلة الانتقال الى الديمقراطية والنظام السياسي الديمقراطي، قبل ان تخطي خطوات اكثر تطورا لتكون في مرحلة التحول الديمقراطي بعد عقود من الدكتاتورية المقيتة.

ولأجل ذلك تحرص تلك الدول على وضع الاطر والاجراءات السليمة المؤسسة لعملية تحول ديمقراطي تضمن في المدى المنظور انبثاق نظام سياسي ديمقراطي ممثلا للجميع ومؤسسات ضامنة لحقوقهم بموجب القانون ومشاركتهم الواسعة في صنع القرار.

وابرز تلك الاسس والاجراءات هو المشاركة السياسية الهادفة سواء بالترشيح او بالانتخاب. ومع ان تلك الممارسة تكون جديدة على المجتمعات التي تنهض بعد كبت دكتاتورية مقيته الا انه، ومع مرور الوقت وبفعل الممارسة والتنشئة والتوعية، تصبح ثقافة سياسية عامة يؤمن من خلالها الناخب بأهمية صوته في اختيار من يمثله. وبذلك نبني ركن اساس من اركان العملية الانتخابية المظهر المهم من مظاهر النظام السياسي الديمقراطي.

واذا مافرضنا توفر ادارة انتخابية على قدر كبير من الشفافية والنزاهة والحيادية (الركن الثاني)، فإن النظام الانتخابي الذي يحدده قانون الانتخابات هو الركن الثالث للعملية الانتخابية الصحيحة والضامنة للتمثيل الحقيقي للافراد (الناخبين). وهذا الركن (النظام الانتخابي) هو المؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في الركنين الاخرين الناخب والادارة الانتخابية.

ومن الناحية العملية، في العراق لم يؤخذ بنظر الاهتمام ماسبق على المستوى الجمعي او على مستوى القوى السياسية. ولذلك –ولأسباب اخرى لامجال لذكرها الآن– لازال النظام السياسي العراقي يراوح مكانه ويعاني من اشكاليات كبيرة اضعفت كثيرا من شرعيته واصبح شعور عدم الرضا عن الاداء السياسي هو السائد بين الجمهور. ومافاقم من مشاكل النظام السياسي ان القوى السياسية المشاركة فيه تصر كثيرا على ضمان استمرار تمتعها بامتيازات السلطة من دون الاكتراث الى بناء نظام سياسي يضمن بناء مؤسسات الدولة على اسس من الشفافية والرقابة والمحاسبة والمشاركة والحكم الرشيد.

لذلك يشكل اقرار مجلس النواب لقانون الانتخابات سانت ليغو المعدل (1.7) مصداق لعدم الاكتراث ولا يجسد شعور السلطة التشريعية بأهمية وضع الاطر التشريعية اللازمة لتقويم مسار واداء النظام السياسي بعد ما يزيد من 14 عام من الاخفاق والفشل المتكرر، كما يعد تجاهلا للمطالب الجماهيرية بالإصلاح السياسي والقضاء على الفساد. وهو بالنتيجة اصرار على بقاء المنظومة ذاتها الحامية للفساد والضامنة لعدم محاسبة حيتانه.

كما ان ردة الفعل الجماهيرية على اقرار قانون الانتخابات اعلاه وحالة الرفض التي جوبه بها اعلاميا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تؤشر حالة خطيرة ستتجسد لاحقا بالمشاركة الهشة في التصويت وسيقتصر الامر على اتباع ومناصري القوى السياسية الكبيرة.

هذا القانون سيحرم القوى السياسية الصغيرة وحديثة النشأة من ان يكون لها دور في صنع القرار في الوقت الذي تشكلت فيه احزاب جديدة كثيرة وصل عددها الى اكثر من 200 حزب سياسي بعد دخول قانون الاحزاب حيز التنفيذ، كما انه يحرم المستقلين من الترشيح للانتخابات، الامر الذي يبعث على خيبة امل لتلك الاحزاب ويحد من المشاركة في صناعة القرار داخل مؤسسات الدولة التشريعية.

وفي اطارا انتقادها للأحزاب الصغيرة، تناست الاحزاب الكبيرة الحاكمة –والتي اصرت على اقرار القانون– انها لم تظهر بعد 2003 كأحزاب كبيرة دفعة واحدة بل تمكنت تدريجيا من تعظيم قوتها السياسية والمالية والعسكرية مستفيدة من وهن مؤسسات الدولة، واصبح لها اذرع من مؤسسات مجتمع مدني وقنوات اعلامية وغيرها ناطقة باسمها، هذا من جانب.

ومن جانب آخر طالما ادعت تلك القوى انها تدعو الى الاصلاح وداعمة للحكومة في برامجها الاصلاحية وجهودها في مكافحة الفساد عبر البرلمان، ولكن اصرارها على هكذا نظام انتخابي يؤشر العكس تماما ويدلل على انها تمارس الخداع والمراوغة مع الجماهير.

نعتقد ان هذا الاصرار سيقوض العملية الانتخابية ويفرغها من مضمونها، ويجعلها شكلية مجردة من اهدافها الموضوعية، وستشكل عبء على النظام السياسي والمجتمع، وستزيد من الانقسام الجماهيري الى طبقات قريبة من القوى السياسية الكبيرة ومنتفعة منها واخرى بعيدة عن تلك القوى. وهذا ما سيزيد من ضعف الانسجام الاجتماعي الذي تعرض للتخريب بفعل عوامل عدة سياسية واقتصادية واجتماعية واعلامية.

لذا يمكن قراءة الشعور العام لدى الجمهور بأن العملية الانتخابية القادمة لن تختلف عن سابقاتها طالما خضع النظام الانتخابي لمصالح الاحزاب الكبيرة الحاكمة. وبالتالي ستخضع تلك العملية تنظيميا واجرائيا لسلطة تلك الاحزاب والقوى عبر اتباعها في مفوضية الانتخابات. ومايدلل على تلك القراءة ان اليأس خيم على ردود الفعل الجماهيرية تجاه اقرار القانون وخداعهم لمرة اخرى في الانتخابات، وعليه تعد الاحزاب الكبيرة الحاكمة ذلك اليأس والخضوع بمثابة تفويض للاستمرار في خداعها للجماهير.

نعتقد ان مواجهة ذلك الخداع يتمثل بمطالبة فئات المجتمع كافة من منظمات مجتمع مدني ونقابات ومؤسسات دينية الطعن بقانون سانت ليغو المعدل والعمل على اقرار قانون يتماهى مع ماجاء بالدستور وهو نظام التمثيل النسبي في انتخابات مجالس المحافظات القادمة وتقسم المحافظة الى دوائر متعددة حسب الاقضية وعدد السكان في البطاقة التموينية.

كذلك نرى ضرورة وجود احصاء سكاني شامل يُستفاد منه على مستوى وضع السياسات العامة، وكذلك يوفر احصائية دقيقة لعدد سكان البلاد، وبالتالي سكان الدوائر الانتخابية للاستفادة منها في الانتخابات القادمة ولتلتغي مبررات عدم اعتماد نظام التمثيل النسبي، وتثبيت عدد الاعضاء الممثلين عن كل دائرة انتخابية.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق