q

انتهت الحرب مع ايران في 8/8/1988، حسب التوقيت العراقي، وكان الجيش بفيالقه السبعة، مرهقاً من الناحية المعنوية، بعد تعرضه لضغوطها طيلة ثمان سنوات مستمرة. وكانت مستويات ضبطه، تقل كثيراً عن مستوياتها بداية الحرب. وكذلك كانت سياقات تدريبه وتجهيزه التي تغيرت باتجاه السلب كثيراً ايضاً.

ومع هذا التغير شَعَر القادة العسكريون الميدانيون بفراغ من نوع خاص، أو انهم كمن فقد شيئا من سلطته، واكتشفوا بعد توقف القتال أن معالم الضعف "الهدم البنيوي لمؤسستهم" قد أصابت كل جوانب مهنتهم، وإن إصلاحها يستلزم جهوداً غير متاحة في وقتها، وترميم جوانبها يتطلب أموالاً غير ميسورة في حينها، والمحافظة على مكتسباتهم ووجودهم يقتضي المزيد من المال، فأصيبوا بصدمة زادت من تعقيد الوضع النفسي لعموم القوات المسلحة، وبدأ البعض منهم يتصرف بصيغ الميدان في ظروف سلام، وبضوابط الحرب التي يجيد فنها استعراضياً في أجواء استرخاء، فحال دون التسريع في إعادة البناء المهدم لمرحلة ما بعد الحرب، وساعدوا بأفعالهم وتقاريرهم وادعاءاتهم القوة والتمكن، على حصول حرب أخرى.

كانت هي حرب الكويت "الخليج الثانية"، التي قوضت ما تبقى من بنية القوات المسلحة في ظروف دولية تتجه في بعض جوانبها الى التسريع بعملية التقويض لبنى الدولة وقواتها المسلحة، خاصة وان الوضع السياسي بعد انتهاء الحرب مع ايران كان مضطرباً، يمهد الى حصوله أي التقويض.

فالعالم الغربي، وبينه امريكا تؤكد ضرورة هيكلة الجيش وتقليص اعداده، بما يكفي للدفاع عن حدود العراق. ودول الخليج التي كانت تدعم خزينة الحرب، توقفت عن الدعم وتحولت نحو المطالبة بديونها التي سبق وان اعطتها للعراق، كي يستمر في قتاله مع إيران، ويكونون هم بعيدين عن نيرانها...

تأكيدات ومطالبات، فسرتها القيادة العليا توجه لاستهدافها، فأوقفت خطوات الهيكلة للجيش، وعاودت التسلح والتوسع في التشكيل بطريقة هدم واضحة المعالم في وقت كان الوضع النفسي فيها مرتبكاً لما يقارب مليون عسكري منتسب قضوا فترة شبابهم بالقتال، تسرحوا لفترة قصيرة، فتشوا خلالها عن عمل يوفر لهم العيش، وقبل ان يجدوه، اصطدموا بتوجهات القيادة لإعادة تجنيدهم كاحتياط.

واصطدموا أيضاً بسوق العمل الراكد، والمصانع شبه المدمرة، وباستمرار بعض القادة العسكريين الميدانيين في التغريد بأنغام الحرب ومفرداتها في التضحية من أجل القائد الضرورة... صدمة أو مجموعة صدمات، حَرَفت كثير منهم عن الطريق القويم، وزادت من سرعة الهدم البنيوي للجيش بشكل غير مسبوق.

انها عوامل بطالة، وكساد، وعوز، وشحن نفسي، واحباط، اجتمعت مع عوامل السياسة، وخصائص القائد الاعلى الانفعالية، فأشعلت فتيل حرب ثانية في الخليج طرفها الأول في صفحتها الأولى الكويت وطرفها الثاني العراق، وفي صفحتها الثانية دول التحالف طرفاً والعراق طرفاً آخراً، كانت أقسى من الحرب مع ايران، وكانت نتائجها في مجال التهديم البنيوي، تمهيد لتدمير الدولة وسقوط النظام.

facebook.com/saad.alobaidy.92

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق