q
ثقافة وإعلام - صحافة

إيران وحزب الله والشعيرات

الأسد خط أحمر باق مع قليل من الإصلاحات!

استبقت إيران الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات في سوريا بتحذير سربه اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس من خلال حسابات مقربة من الحرس الثوري تداولت ما سمتها «رسالة إيرانية سورية بشكل عاجل عبر وسيط عربي إلى واشنطن في حال قيامها بأي حماقة غير محسوبة سيكون الرد مزلزلا وعلى جميع الاتجاهات والبلدان المجاورة».

وقيل ان الدولة لم تكن سوى سلطنة عمان التي سعت منذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئاسة إلى مد جسور التواصل بين واشنطن وطهران لنزع فتيل الأزمة المتوقعة بسبب الاتفاق النووي.

ويرى الإيرانيون أن عليهم اظهار المزيد من التشدد، مع الإدارة الأمريكية الجديدة، دون أن يغلقوا الباب نهائياً مع واشنطن، ليس فقط عبر الوسيط العُماني الذي نجح في السابق في تعبيد الطريق ليصبح سالكاً نحو الاتفاق النووي بل ومن خلال دول أخرى منها الكويت وسويسرا التي تقوم برعاية المصالح الأمريكية في طهران. وقبل ذلك كان العرض العسكري لحليف إيران القوي في سوريا حزب الله في بلدة القصيِّر رسالة في اتجاهات عدّة أكّدت قبل أيّ شيء آخر أنّ إيران موجودة في سوريا وذلك ليس عبر مستشاريها فحسب، بل عبر قوات حليفة أخرى أيضاً أهمها حزب الله.

هذا يعني في طبيعة الحال، أنّ ليس في استطاعة أي جهة، أكانت أمريكية أو إسرائيلية أو تركية أو حتى روسية خصوصاً، أو أي اتفاقات بين هذه الدولة أو تلك، تجاوز الوجود الإيراني في الأراضي السورية. فإيران شريك في أي قرار متعلّق بمستقبل سوريا بغض النظر عمّا كان يروج له البعض ويتمنونه أن يحصل بين روسيا وتركيا، وما يتمنونه أن يحصل في المستقبل بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، أو بين إسرائيل وكلّ من تركيا وروسيا، والأردن الذي دخل بقوة على الخط، وافتعل – من وجهة نظر إيرانية- توتراً جديداً مع طهران بسبب تصريحات أدلى بها العاهل الأردني الملك عبد الله لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية وجاء فيها: إن استمرار الاستيطان يزيد من مخاطر الإرهاب وقوة إيران، وزعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي.

ولم يشر الملك عبد الله مباشرة إلى العرض العسكري لحزب الله الذي جرى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكنه كان واضحاً في ذكر الحرس الثوري الإيراني الذي قال إنه صار قريباً من بلاده، وهي إشارة إلى زيادة حدة القتال في الأسابيع الأخيرة، في جنوب سوريا حيث تسعى الطائرات الحربية الروسية والجيش السوري والقوات الحليفة لسوريا، بدعم من المستشارين الإيرانيين إلى استعادة السيطرة على مدينة درعا، التي تقع على الطريق السريع الرئيس المؤدي إلى دمشق وتبعد بضعة أميال فقط شمال الحدود الأردنية.

وفي هذا الواقع تفسر طهران الاحتقان الدبلوماسي الجديد مع عمان، بالدعوات المستمرة لإقامة منطقة آمنة في الجنوب بحجة حماية المدنيين السوريين من النظام وحلفائه حزب الله والإيرانيين.

من هنا فان عرض حزب الله في القصيّر، ذات الموقع الاستراتيجي على الطريق الممتد بين دمشق وحمص، يراه المعارضون للوجود الإيراني في سوريا بأنه يرمز إلى سياسة تقوم على ربط دمشق بحمص كجزء من مشروع «سوريا المفيدة» الذي يقولون إن إيران ترى أنّ لديها حصّة كبيرة فيه تقوم على التحكّم بدمشق عبر وسائل عدة. من بين هذه الوسائل ربط «سوريا المفيدة» بحزب الله في لبنان.

ولا يمكن للمراقب أن يتجاهل أن عرض حزب الله المذكور في القصير كان رسالة أرادت إيران إبلاغها للإدارة في واشنطن أنّها لاعب أساسي في سوريا، وأنّ لا مجال لتجاهل ذلك بأي شكل. وأن لا شيء يمكن أن يحصل في سوريا من دونها، تماما كما عليه الحال في العراق.

أهداف ترامب

إيران وحزب الله يعتبران ما جرى لا يعدو كونه من الضغوط باستخدام ورقة التهويل بالخيار العسكري الهدف منه تهيئة الأجواء للقبول بوجود منطقة فاصلة بين فلسطين وسوريا تكون تحت سيطرة جبهة النصرة، والقبول بقيام حكم كردي ذاتي تحت الهيمنة الأمريكية وبقواعد عسكرية أمريكية، والقبول بتمدد الولايات المتحدة عبر الاْردن باتجاه البادية السورية، والقبول بقطع التواصل بين العراق وسوريا وهو ما يفسر تأخر معركة الموصل، ومحاصرة حزب الله في لبنان وإخراجه من سوريا، وقطع أي نفوذ له في العراق.

وفي البين يثقف الإيرانيون وحزب الله والقوات العراقية الأخرى عناصرهم على ما يلي من احتمالات حول أهداف الضربة الأمريكية وهي:

1- إعادة التساوي في موازين القوى بين الحكومة السورية والمعارضة بعد خسارة الأخيرة حلب خصوصاً عند الرأي العام وإن كان هذا الأمر غير ملموس على الأرض بشكل فعلي لاسيما أن إدارة ترامب أبلغت موسكو بالضربة قبل حدوثها.

2- رغبة الإدارة الأمريكية في إبراز فعالية واشنطن في الميدان السوري لكسب المزيد من الدعم الخليجي بعد تصريحات ترامب التي كانت تلمح بالتخلي عن المعارضة السورية التي قال إنها تنشر الفوضى في المنطقة.

3- توجيه رسالة لحلفاء الحكومة السورية خصوصاً روسيا بأن إدارة ترامب بوسعها القيام بأي شيء في حال أرادت ذلك لمنع القيام بأي إعاقة في مناطق عمليات واشنطن في محيط الرقة خصوصاً بعد التقدم الكبير للجيش السوري غرب نهر الفرات.

4- تأجيل مناقشة إمكانية فك الحصار عن مدينة دير الزور، عبر فتح طريق تدمر دير الزور لما يعود ذلك من ضرر على تقدم الأكراد باتجاه الرقة وعدم ترك خط انسحاب لداعش من محور الرقة باتجاه المناطق الشرقية.

بعد الضربة

أكثر من إشارة صدرت عن طهران حذرت من أن الغارة على سوريا تقوض العملية السياسية، وتزيد من التطرف، وكان التركيز واضحاً على أن أحداً في المنطقة لن يسلم منه، ولهذا أوفدت طهران على عجل اللواء قاسم سليماني إلى كردستان العراق بعد أزمة بشأن الاستفتاء على الاستقلال ورفع العلم الكردي في كركوك وهي من المناطق المتنازع عليها، وزار سليماني كلاً من السليمانية وأربيل، وظهرت زيارته وكأنها لتهدئة الأزمة بين الإقليم والمركز، لكنها كانت فرصة لعقد لقاءات جانبية مع شخصيات عراقية فاعلة ومؤثرة، يمكن التعويل عليها إذا اتخذت الأزمة السورية مساراً يشبه ما كانت عليه في العام 2013 عندما كان الحديث يدور حول تدخل عسكري غربي بقيادة أمريكا وبمشاركة تركيا والسعودية للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.

وتشير ردة فعل طهران بعد قصف الشعيرات إلى أنها تركت لموسكو كيفية التعاطي سياسياً مع الواقعة، ولكنها نجحت في الخروج بموقف موحد لحلفاء سوريا الذين أصدروا بياناً مشتركاً يشبه كثيراً ما سربه الحرس الثوري قبل يوم من الضربة، حدد فيه سقف الرد على واشنطن تلويحاً بأن الأسد خط أحمر.

بيان الحلفاء استخدم كلمة «العدوان» واعتبره تجاوزاً خطيراً واعتداءً سافراً على السيادة السورية، وأشار إلى ما يمكن أن يكون عليه الرد فيما لو تكرر، بالربط بين ما تقوم به أمريكا في شمال سوريا، وشمال غرب العراق، «ويجب ان يعلموا أننا نرصد كل خطواتهم وتحركاتهم ونتابعهم بدقة»، وهذا يفسر أيضاً زيارة سليماني إلى كردستان العراق والتي أعلن عنها الأكراد (حلفاء واشنطن) محاولين حصر أهدافها فقط بالأزمة مع المركز.

الإصلاحات

وإذ نقلت وسائل الإعلام عن إيران قولها وهي تندد بما يقال عن استخدام «الكيميائي في خان شيخون» وتأكيدها أنها أكثر الدول المتضررة من السلاح الكيميائي وتعارض أي استخدام له، ورفضها استخدام ما جرى كذريعة لتحرك أحادي الجانب ووصفته بأنه أمر خطير ومنافي للقوانين الدولية، فقد تجاهلت إبراز –ربما عن عمد– تصريح لافت للرئيس حسن روحاني في مؤتمره الصحافي الأخير في طهران دعا فيه الدول الغربية، لوقف دعم ما أسماه «المنظمـــات الإرهابية» قائلاً: «ينبغي أيضا على الدولة السورية إجراء إصلاحات».

تصريح روحاني عكس مرونة إيرانية غير عادية، في التعاطي مع الملف السوري برغم التشدد الذي يفترض أن تكون عليه طهران بعد تنسيق عسكري يقوم به أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الأميرال علي شمخاني مع وزراء دفاع روسيا وسوريا وإيران، وقبيل اجتماع روسي- سوري- إيراني عقد الجمعة على مستوى وزراء الخارجية أكد مجدداً متانة التعاون الثلاثي والاصرار على تحقيق دقيق بهجوم خان شيخون، ما يعكس ثقة هذه الدول بأن دمشق بريئة منه، والاصرار أيضاً على المواقف السابقة نفسها خصوصاً من الرئيس بشار ومن دوره بعد انتهاء ولايته في 2021 ولو بلغ ما بلغ.

* صحيفة القدس العربي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق