q

بعد فضيحة ويكيليكس وما تبعها من احداث يعيش العالم اليوم فضيحة جديدة ومختلفة، اثارت موجة من ردود الأفعال المتباينة حول العالم، حيث نشرت وسائل إعلام غربية تفاصيل مهمة عن وثائق مسربة من شركة "موساك فونسيكا" للخدمات القانونية التى تتخذ من بنما مقرًا لها وتعد إحدى أكثر الشركات التى تحيط أعمالها بالسرية. وقد كشفت هذه الوثائق التى تجاوز عددها لـ11 مليون وثيقة وباتت تعرف بفضيحة وثائق بنما، تورط مجموعة من الزعماء والقادة السياسيين في عمليات غسيل أموال وإخفاء ثروات. كما مست الوثائق كذلك الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وبعض المشاهير.

وكشفت الوثائق كما تنقل بعض المصادر، تورط 72 من رؤساء وساسة الدول الحاليين والسابقين، فى عمليات مالية مشبوهة بينهم الرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك، ونجله علاء مبارك ومعمر القذافي والرئيس السورى بشار الأسد وأبناء عمه. كما تطرقت الوثائق السرية إلى العلاقات التجارية والأصول غير المعلنة وغير الشرعية لكل من الرئيس الأرجنتينى ماوريسيو ماكرى، ورئيس وزراء العراق السابق إياد علاوى، ورئيس وزراء أيسلندا، ورئيس أوكرانيا، ورئيس وزراء باكستان، ونجل الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفى عنان، ووالد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون.

كما كشفت تورط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تهريب 2 مليار دولار إلى الخارج، بمساعدة صديقه عازف التشيلو سيرجي رولديوجين، وبنك روسيا، بعض من تلك الأموال تم إخفاؤها في جزيرة بالقرب من شمال مدينة سان بطرسبرج، والتي أقيم فيها حفل زفاف ابنته كاترينا بوتين في عام 2013. كما تشير الوثائق أيضا إلى تورط 8 على الأقل من القيادات الحاكمة فى الصين فى إدارة أموالهم بطرق سرية، بالإضافة إلى تورط 23 شخصية عالمية بسبب علاقاتهم التجارية المشبوهة من كوريا الشمالية، وزيمبابوى، وروسيا، وإيران، وسوريا، جميعهم كانوا عملاء بمكتب المحاماة البنمي.

وتعد هذا التسريب الأكبر في التاريخ، إذ يفوق ما سربه موقع ويكيليكس. فقد كشفت الوثائق النقاب عن 214000 جهة وشخص، من بينها شركات ومؤسسات. وتغطي المعلومات التي تضمها الوثائق الفترة منذ عام 1977، وحتى شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي. وتمثل رسائل البريد الإلكتروني الجزء الأكبر من الوثائق المسربة، لكن كشف النقاب أيضا عن صور لعقود وجوازات سفر.

ويرى بعض الخبراء ان نشر مثل كهذا وثائق وبهذا الحجم الهائل ربما تكون لها اهداف خاصة، تسعى الها بعض الجهات والدول في سبيل فضح واسقاط الخصوم، مؤكدين في الوقت ذاته على ان العالم اليوم يعيش في اجواء حرب جديدة ومختلفة يمكن تسميتها بحرب التسريبات والفضائح، وقد أكد ضابط الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن، كما نقلت بعض المصادر لصحيفة جازيتا الروسية أن وثائق تحقيقات بنما في الفساد تُعَد أكبر عملية تسريب في تاريخ الصحافة العالمية. أما الهدف فقيل إنه ضرب الرئيس الروسي بوتين وقادة دول عربية وأجنبية ورسالة أمريكية للجميع أن الولايات المتحدة لا تزال تقود العالم. وتقول الصحفية الأمريكية فريدا جيتيس في تحليل لها عن هذه الوثائق، البعض سيحاول التقليل منها، وإنكارها، ويخبرك أن الأمر لا يعدو مجرد سوء تفاهم، سيقولون إنها زوبعة في فنجان، أو ربما ينعتونها بالمؤامرة الكبيرة، لكن لا تصدقوا كل ذلك.

وتضيف في التحليل المنشور على شبكة سي إن إن تعليقا على وثائق بنما رجال بوتين سيحاولون وصف الأمر كما لو كان هجوما شخصيا على رئيسهم، ولكن تسليط الوثائق الأضواء على مئات من الشخصيات العامة يجعل ادعاءات نظرية المؤامرة خاوية. فوثائق بنما تكشف تفاصيل حول مخالفات محتملة في ديمقراطيات وأنظمة استبدادية وديكتاتورية على حد سواء، وتجعل ذوي النفوذ حول العالم يتصببون عرقا بلا شك. وتقول إن الأمر برمته بدأ منذ أكثر من عام، عندما اتصل شخص ما بصحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية، عارضا عليها جبلا من المعلومات المسربة من شركة يقع مقرها ببنما تدعى “موساك فونيسكا”، قيل أنها متخصصة في مساعدة الأثرياء وذوي النفوذ وإخفاء أموالهم في الظل. ونوهت سي إن إن لأن قوة التسريبات (2.5 تيرابايت، و11.5 مليون وثيقة) تنحني أمامها خجلا تسريبات ويكليكس وإدوارد سنودن، وإنها زلزال، يستمر توابعه على مدى شهور مقبلة أو حتى سنوات، وقد تكون وثائق بنما بداية نهاية عالم الأسرار.

ملفات سرية

في هذا الشأن فقد كشف تحقيق صحفي ضخم شاركت فيه أكثر من مئة صحيفة حول العالم ضمن "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" أن 140 زعيما سياسيا من حول العالم، بينهم 12 رئيس حكومة حاليا أو سابقا، إضافة إلى أسماء بارزة في عالم الرياضة، هربوا أموالا من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية. ومن بين الشخصيات التي ورد ذكرها في التحقيق الدائرة المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولاعبا كرة القدم ميشيل بلاتيني وليونيل ميسي، إضافة إلى شركات مرتبطة بأفراد من عائلة الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي يرفع لواء مكافحة الفساد في بلاده، والرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو.

وتم تسريب هذه الوثائق جميعها من مكتب المحاماة البنمي "موساك فونسيكا" الذي يعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 عاما والذي بحسب هيئة الإذاعة البريطانية لم يواجه طيلة هذه العقود الأربعة أي مشكلة مع القضاء. وأوضح "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، ومقره واشنطن، على أن الوثائق (وعددها نحو 11.5 مليون) تحتوي على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة عابرة للبحار (offshore) في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم.

وأضاف الاتحاد أن هذه الوثائق حصلت عليها أولا صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية قبل أن يتولى هو توزيعها على 370 صحافيا من أكثر من 70 بلدا من أجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر حوالى عام كامل. وأطلق على الوثائق المسربة اسم "أوراق بنما" نسبة إلى شركة المحاماة البنمية التي تم تسريبها منها. وأعلنت الحكومة البنمية أنها "ستتعاون بشكل وثيق" مع القضاء إذا ما تم فتح تحقيق قضائي استنادا إلى الوثائق المسربة. بالمقابل ندد مكتب المحاماة بعملية التسريب التي طالته، معتبرا إياها "جريمة" و"هجوما" يستهدف بنما.

وبحسب صحيفة "لا ناسيون" الأرجنتينية، والتي شاركت في التحقيق، فإن الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري كان عضوا في مجلس إدارة شركة مسجلة في جزر الباهاماس، لكن الحكومة الأرجنتينية أكدت الأحد أن الرئيس "لم يساهم أبدا في رأسمال هذه الشركة" بل كان "مديرا عابرا" لهذه الشركة. بدوره قال مدير الاتحاد جيرار ريليه لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إن "هذه التسريبات ستكون على الأرجح أكبر ضربة سددت على الإطلاق إلى الملاذات الضريبية وذلك بسبب النطاق الواسع للوثائق" التي تم تسريبها.

ولا تنحصر الأسماء الواردة في التسريبات بعالم السياسة بل تتخطاه إلى عالم الرياضة وتحديدا الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". فأربعة من الأعضاء الـ 16 في الهيئة التنفيذية للفيفا استخدموا، بحسب الوثائق المسربة، شركات أوفشور اسسها مكتب موساك فونسيكا. ووردت في هذه الوثائق أيضا أسماء حوالى 20 لاعب كرة قدم من الصف الأول بينهم خصوصا لاعبون في فرق برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد، وفي مقدم هؤلاء ليونيل ميسي. وبحسب "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" فإن ميسي هو شريك مع والده في ملكية شركة مقرها في بنما. وورد اسم النجم ووالده للمرة الأولى في وثائق مكتب المحاماة في 13 حزيران/يونيو 2013 أي غداة توجيه الاتهام إليهما بالتهرب الضريبي في أسبانيا. بحسب فرانس برس.

ومن نجوم عالم الكرة الواردة أسماؤهم في الوثائق برز أيضا اسم ميشيل بلاتيني الذي استعان بخدمات مكتب المحاماة في 2007، العام الذي تولى فيه رئاسة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لتأسيس شركة في بنما. وتعليقا على هذه المعلومات قال بلاتيني في بيان إن المرجع في هذه القضية هو "إدارة الضرائب في سويسرا، بلد إقامته الضريبية منذ 2007". وتشمل الوثائق معاملات جرت على مدى أكثر من أربعة عقود (1977-2005) لشركات تولى تسجيلها مكتب المحاماة البنمي، ومن بينها معاملات أجراها يان دونالد كاميرون والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والذي توفي في 2010، وأخرى أجراها موظفون مقربون من الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز.

تحقيقات عبر العالم

الى جانب ذلك تحركت السلطات عبر العالم بعد نشر تسريبات تكشف عن التهرب الضريبي وإخفاء ثروات زعماء دول ومسؤولين. وتبين هذه الوثائق كيف ساعدت الشركة بعض زبائنها في غسيل الأموال والتحايل على العقوبات والتهرب من الضرائب. ومنذ نشر التسريبات الأولى، فتحت دول، من بينها النمسا وهولندا وأستراليا، تحقيقات في القضية. وتشتبه معطيات الوثائق في غسيل أموال، بقيمة مليار دولار، على يد شبكة تضم مقربين من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وتبين الوثائق أيضا أن رئيس وزراء إيسلندا، سيغموندور غونلوغسون، له فوائد غير مصرح بها، متعلقة بثروة زوجته. ويقول جيرارد رايل، مدير المجمع الدولي للصحافة الاستقصائية، الذي نسق التحقيق، إن الوثائق غطت النشاط اليومي لشركة موساك فونسيكا، خلال الأربعين عاما الماضية. وأضاف: "أعتقد أن هذه التسريبات هي أكبر ضربة تلقتها الشركات الخارجية، بالنظر إلى حجم الوثائق".

ووردت في الوثائق أسماء صهر الرئيس الصيني، شي جينبينغ، والرئيس الأوكراني بيتور بوروشينكو، والرئيس الأرجنتيني، موريشيو ماكري، ووالد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون. وقال حسين نواز شريف، ابن رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، الذي ورد اسمه وثلاثة من إخوته على أنهم يملكون عقارات عن طريق شركات في الخارج، إن "ذلك لا يخالف القانون". وقالت هيئة الدخل والجمارك في بريطانيا إنها تلقت معلومات كبيرة عن شركات في الخارج، وإنها ستحقق فيها، وطالبت من المجمع الدولي للصحافة الاستقصائية أن يشاركها جميع المعطيات التي لديه.

وقالت هيئة ضبط الأسواق في النمسا إنها تحقق ما إذا كان مصرفان خرقا القانون المتعلق بغسيل الأموال، بعد ورود اسميهما في التسريبات. وقالت وزارة المالية الفرنسية إنها طلبت الوثائق الأصلية للتسريبات لإجراء تحقيقاتها. أما مصلحة الضرائب في أستراليا فقالت إنها تحقق مع 800 شخص وردت أسماؤهم في الوثائق. وقال متحدث باسم الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، الذي وردت أسماء أبنائه على أنهم ملكون شركات في الخارج، إن "هذه الممارسة ليست مخالفة لأي قانون"، مضيفا أنهم "مواطنون أذربيجانيون بالغون".

وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن الأدلة "ملفقة"، وإن الرئيس بوتين ضحية "تضليل إعلامي". وتكشف التسريبات عن غسيل أموال بقيمة مليار دولار على يد شبكة يديرها مصرف روسي، وتضم مقربين من الرئيس بوتين. ويتعلق الأمر بمصرف "بنك روسيا" الذي يخضع لعقوبات أمريكية ومن الاتحاد الأوروبي، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. وتبين الوثائق كيف يعمل المصرف، إذ تمر الأموال عن طريق شركات خارجية، اثنين منهما ملك لاحد أصدقاء بوتين المقربين، واسمه سيرغي رالدوغين. وتشير التسريبات إلى أن رالدوغين كسب مئات الملايين من الدولارات في شكل فوائد من صفقات مشبوهة.

وقال متحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن تقارير إعلامية تزعم وجود صلات بين الرئيس ومعاملات خارجية (أوفشور) بمليارات الدولارات تهدف إلى تشويه سمعة زعيم الكرملين قبل الانتخابات الروسية. وأضاف المتحدث ديمتري بيسكوف "الهدف الرئيسي لهذه المعلومات المضللة هو رئيسنا خاصة في سياق الانتخابات البرلمانية المقبلة وفي سياق منظور أطول أمدا- أعني الانتخابات الرئاسية التي تحل بعد عامين." وأضاف "وصل رهاب بوتين هذا الذي ينتشر في الخارج إلى مرحلة أصبح فيها فعليا من المحرمات قول شيء طيب عن روسيا أو عن أي أعمال أو إنجازات تحققها روسيا بل يتعين قول أشياء سيئة ... الكثير من الأشياء السيئة جدا وعندما لا يكون هناك ما يقال يتعين تلفيق شيء. هذا واضح تماما لنا." وقال بيسكوف إن التقارير "لا تحتوي على شيء ملموس أو جديد" بشأن بوتين.

من جانب اخر سعت الحكومة البريطانية إلى تحويل الأنظار عن أي انتقاد لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون بسبب ورود اسم والده الراحل ضمن قائمة لعملاء مؤسسة قانونية في بنما وهي ملاذ ضريبي. وقالت الحكومة إنها ستحقق في أمر البيانات المسربة. وورد اسم إيان والد كاميرون وأعضاء في حزب المحافظين الحاكم بين عشرات الآلاف من الأثرياء والمشاهير ضمن وثائق مسربة من مؤسسة موساك فونسيكا ومقرها بنما. وأظهرت الوثائق أن عملاء المؤسسة تورطوا في تهرب ضريبي وغسل أموال.

ويمثل التسريب ضربة لرئيس الوزراء البريطاني الذي انتقد علنا التهرب الضريبي. وفي عام 2012 ذكرت وسائل إعلام بريطانية أن والد كاميرون يدير شبكة من صناديق الاستثمار في المعاملات الخارجية لتعزيز ثروة العائلة. ولم يرد أي ذكر لقيامه بنشاط غير قانوني. وردا على سؤال عما إذا كان بإمكانها تأكيد أن الأسرة لم تعد تستثمر أموالها في هذه الصناديق قالت متحدثة باسم كاميرون "هذه مسألة خاصة." بحسب رويترز.

وقالت هيئة الإيرادات والجمارك البريطانية إنها طلبت نسخة من البيانات المسربة حتى يتسنى لها فحص المعلومات. وقالت جيني جرانجر المديرة العامة للإنفاذ بالهيئة في بيان "تلقينا بالفعل كما كبيرا من المعلومات عن شركات المعاملات الخارجية. "طلبنا من الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن يقدم لنا البيانات المسربة التي حصل عليها. سنفحص هذه البيانات عن كثب وسنتعامل معها بسرعة وعلى نحو ملائم."

استقالة وتحقيقات

الى جانب ذلك دعت رئيسة الحكومة الايسلندية السابقة يوهانا سيغوردادوتير، رئيس الوزراء الحالي الى الاستقالة بعد اتهامه في التحقيق الدولي حول ارصدة كبار المسؤولين في الملاذات الضريبية. وقالت سيغوردادوتير في رسالة نشرتها على فيسبوك ان "على رئيس الوزراء (سيغموندور ديفيد غونلوغسون) الاستقالة على الفور". واضافت "يجب ان لا يكون للناس رئيس للوزراء يخجلون به... اثبت رئيس الوزراء شكوكه بالعملة والاقتصاد الايسلنديين من خلال ايداع امواله في ملاذ ضريبي. ويبدو ان رئيس الوزراء لا يفهم ماذا تعني الاخلاق".

وسيغوردادوتير (اشتراكية-ديموقراطية) التي ترأست الحكومة الايسلندية بعد ازمة سياسية خطيرة في 2009، معروفة بنزاهتها واستقامتها. ويتبين من الوثائق التي كشف عنها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، ان رئيس اوزراء الحالي سيغموندور ديفيد غونلوغسون (وسط يمين) اسس مع زوجته شركة في الجزر العذراء البريطانية ليخفي فيها ملايين الدولارات. وكان غونلوغسون الذي انتخب في 2013 بناء على وعد بوقف الممارسات التي ادت الى توالي الازمات المالية في الجزيرة، اعلن منذ ذلك الحين ثقته بالتاج الايسلندي. بحسب فرانس برس.

وفي 2008، كانت ايسلندا اول بلد في اوروبا الغربية يطلب خلال ربع قرن قرضا من صندوق النقد الدولي. وهي تتخلص تدريجيا من عواقب الازمة المالية التي واجهتها في تلك الفترة. ويزعزع الكشف عن هذه المعلومات ايسلندا التي شهدت فائضا ماليا في سنوات الالفين. وقد وقع اكثر من 16 الف ايسلندي عريضة طالبوا فيها باستقالته، وستطلب المعارضة التصويت على حجب الثقة في البرلمان.

من جانب اخر اكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان ما كشفته التحقيقات الاولى عن الملاذات الضريبية سيؤدي الى تحقيقات في فرنسا وشكر الذين كشفوا هذه المعلومات، متوقعا ان تجني خزينة الدولة منها "موارد ضريبية". وقال هولاند ان "كل المعلومات التي ستسلم ستخضع لتحقيقات مصلحة الضرائب ولاجراءات قضائية". واضاف ان "كل التحقيقات ستجرى وكل الاجراءات ستنفذ وستجري محاكمات على الارجح".

وتابع الرئيس ان "معرفة هذه المعلومات نبأ سار لانه سيكون لدينا موارد ضريبية من الذين قاموا بعمليات تهرب". وقال انه في 2015 "ابلغ الذين قاموا بتهرب بضرورة اعادة عشرين مليار يورو (...) استعادت الخزينة 12 مليارا منها". واضاف "لذلك اشكر المبلغين واشكر الصحافة التي تحركت ولا شك لدي بان محققينا مستعدون تماما لدراسة هذه الملفات وهذا جيد من اجل الاخلاق ومن اجل ماليتنا العامة". وقال الرئيس الفرنسي "بفضل هؤلاء المبلغين اصبحت لدينا الآن معلومات. هؤلاء المبلغون يقومون بعمل مفيد للاسرة الدولية ويجازفون ويجب حمايتهم".

شخصيات عربية

في السياق ذاته كشف التحقيق الصحفي الذي نشره "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" على موقعه الإلكتروني، وأطلق عليه اسم "وثائق بنما"، عن عدد من شخصيات الزعماء والسياسيين العرب الذين هربوا أموالا من بلدانهم إلى ملاذات ضريبية أو شاركوا في شركات عابرة للبحار.

إياد علاوي: كان عضوا بارزا في حزب البعث العراقي حتى العام 1971، غادر البلاد إلى بريطانيا في نفس العام وأقام روابط قوية مع المخابرات الأمريكية والبريطانية. عاد إلى العراق وعين رئيسا للوزراء في العام 2004, كان شخصية بارزة على الساحة السياسية العراقية وتولى منصب نائب الرئيس في العام 2014. سجلت شركته البنمية العابرة للبحار في العام 1985 وحلت في العام 2013 ورحلت إلى إنجلترا وبلغ رأسمالها مليون ونصف المليون دولار, امتلك علاوي شركة أخرى عابرة للبحار في بريطانيا وسجل مصدر رأس المال كمدخرات شخصية.

علي أبو الراغب: كان رئيسا لوزراء الأردن في العام 2000، مهندس تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وكان على رأس شركة هندسية لمدة تجاوزت العشرين عاما. استقال من رئاسة الوزراء وعاد لعالم الأعمال العام 2003 حيث يشارك في إدارة عدد من أكبر شركات التأمين والتمويل الأردنية.

حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني: كان رئيسا لوزراء قطر العام 2007 ووزيرا لخارجيتها ومديرا لهيئة الاستثمار القطرية ويعد واحدا من أغنى أفراد الأسر المالكة في العالم. اختارته مجلة "التايم" كواحد من أكثر مئة شخصية تأثيرا في العالم العام 2012.

حمد بن خليفة آل ثاني: أمير قطر السابق، حكم بلاده في الفترة ما بين عامي 1995 و2013 وتنازل عن الإمارة لولده تميم. تمدد نفوذ بلاده وتعزز في منطقة الشرق الأوسط خلال فتره حكمه التي دامت 18 عاما.

سلمان بن عبد العزيز آل سعود :الملك الحالي للمملكة العربية السعودية، تولى الحكم في يناير/كانون الثاني 2015 بعد وفاة أخيه الملك عبد الله. كان وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الوزراء وحاكما للرياض من العام 1955 إلى العام 1960 ثم من العام 1963 إلى العام 2011. وعين وليا للعهد في العام 2012 .

أحمد علي الميرغني: توفي في العام 2008، كان الرئيس السوداني المنتخب ديمقراطيا في العام 1986 حتى أزيح عن الحكم في انقلاب عسكري بقيادة البشير، الرئيس الحالي، العام 1989. يعود نسب عائلته للرسول العربي محمد. نفي إلى مصر بعد الانقلاب وبقي فيها حتى وفاته. ظل يلعب دورا مهما ومؤثرا في "الحزب الاتحادي الديمقراطي" المعارض.

خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان: رئيس الإمارات العربية المتحدة وأمير أبو ظبي وأحد أغنى أغنياء العالم، بنى قصرا مكونا من سبعة طوابق فوق قمة جبل بجزيرة سيشيل مقابل مساعدات بلغت 130 مليون دولار لسلطات الجزيرة. تبرع بمبلغ 150 مليون دولار لمعهد علاج السرطان التابع لجامعة تكساس الأمريكية والذي أطلق اسم والد الأمير على أحد المباني التابعة له. مول أيضا بناء برج رعاية القلب والأوعية الدموية الحرجة في مستشفى جونز هوبكنز في ولاية ميريلاند. كما يحمل أطول برج في العالم اسمه، برج خليفة، تكريما لجهود الأمير في تنويع اقتصاد الإمارة المعتمد على النفط. صنع لنفسه أكبر يخت في العالم مزود بمهابط طائرات هليكوبتر، وحمامات سباحة، وصالة ديسكو وصالون مترام الأطراف على الطراز الفرنسي.

محمد مصطفى: مدير صندوق الاستثمار الفلسطيني، شخصية مقربة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ انقلاب حركة حماس عليه واستيلائها على قطاع غزة العام 2007. كان موظفا مرموقا في البنك الدولي ثم التحق بالحكومة الفلسطينية العام 2013 عندما أصبح نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيرا للاقتصاد الوطني، واستقال في العام 2015. كان مسؤولا عن إعمار قطاع غزة بعد حرب الخمسين يوما العام 2014. أطلقت عليه مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية لقب "أكثر رجال الاقتصاد الفلسطيني أهمية".

عبد السلام بوشارب: عضو بالبرلمان الجزائري ووزير الصناعة والمناجم الحالي في الحكومة الجزائرية. دخل عالم السياسة العام 1994 وكان وزيرا للصناعة العام 1996 ووزيرا للتوظيف العام 2000 ونائبا لرئيس الجمعية الوطنية العام 2012. وكان مديرا لاتصالات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في العام 2014 قبل توليه منصبه الحالي.

محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود: وزير الداخلية السعودي ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب، ولي العهد منذ العام 2015 ويعرف بأنه الشخصية الأذكى والأكثر نفعية ويركز عمله على تهديدات تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" ونجا من عدة محاولات لاغتياله منها محاولة تفجير انتحاري العام 2009 من تنظيم "القاعدة". ينظر إليه على أنه حليف قوي للولايات المتحدة رغم اعتراضاته على إصلاح النظام والحفاظ على حقوق الإنسان. انصب غضب الكثيرين على أدائه في التحقيقات الخاصة بمقتل عدة آلاف من الحجاج في تدافع بمنى بمكة سبتمبر 2015.

الأخوان رامي وحافظ مخلوف: كونا ثروة عظيمة مستغلين علاقاتهما وروابطهما الأسرية القوية بأسرة الأسد الحاكمة في سوريا، أولاد خال الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، رغم ابتعادهما عن الواجهة في العامين الماضيين. لأعوام طويلة كان على أي شركة أجنبية تريد الاستثمار في سوريا أن تمر عبر رامي الذي امتلك مفاتيح عدد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، مثل النفط والاتصالات. أخوه حافظ، برتبة لواء ورئيس جهاز المخابرات السوري، يظن أنه كان وراء إزاحة عدد من خصوم أخيه الأكبر الاقتصاديين. كان الأخوان أهدافا مميزة للغاية لسلسلة من العقوبات الاقتصادية طالت نظام الأسد بعد اندلاع العنف في سوريا. ترك حافظ منصبه في العام 2014 وسط شائعات عن اختلافه مع النظام ويعتقد بأنه هرب إلى روسيا البيضاء.

علاء مبارك: الابن الأكبر للرئيس المصري المتنحي حسني مبارك وأحد أغنى رجال الأعمال. ألقي القبض عليه برفقة والده وأخيه الأصغر جمال بعد ثورة يناير العام 2011. حكم عليهم في العام 2015 بالسجن ثلاثة سنوات بتهمة تبديد الملايين من أموال الدولة في عملية تجديد القصور الرئاسية. أطلق سراح الأخوين في أكتوبر 2015 لكنهما لا يزالان يواجهان عددا آخر من التهم على ذمة قضايا فساد. أما الوالد فهو لا يزال قيد الاحتجاز في أحد المستشفيات العسكرية. بحسب فرانس برس.

منير مجيدي: رجل أعمال حاصل على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة أمريكية، أصبح سكرتيرا شخصيا لملك المغرب محمد السادس في العام 2000, ثم عينه الملك بعدها بعامين رئيسا لشركة "سايغر" الشركة القابضة لجميع أسهم الأسرة المالكة في شركات مناجم وأراض زراعية وشركات اتصالات. يرأس منظمة ثقافية غير هادفة للربح تقوم بتنظيم مهرجان جماهيري للموسيقى العالمية (موازين) في المغرب. وكان رئيسا لنادي العاصمة الرباط لكرة القدم.

موساك فونسيكا

"موساك فونسيكا" الذي بات في صلب فضيحة "اوراق بنما"، هو مكتب محاماة بنمي يعمل بعيدا عن الاضواء وتضم لائحة زبائنه شخصيات بارزة وهو متخصص في قضايا التهرب الضريبي. وكشف عن الغموض الذي كان يحيط به حين اظهر تحقيق اجرته اكثر من مئة وسيلة اعلام على اساس وثائق سربت من هذا المكتب ان اكثر من 140 مسؤولا سياسيا او شخصية بارزة هربوا اموالا الى ملاذات ضريبية. ولم تعرف الطريقة التي سربت فيها الوثائق. فقد حصلت عليها اولا صحيفة تسود دويتشه تسايتونغ الالمانية قبل ان يتولى الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين توزيعها على 370 صحافيا من اكثر من سبعين بلدا من اجل التحقيق فيها في عمل مضن استمر حوالى عام كامل.

لكن من يدير هذا المكتب الذي يوجد مقره في احد مباني حي الاعمال في بنما؟ يورغن موساك احد مؤسسي المكتب الذي انشىء قبل ثلاثين عاما، ولد في المانيا عام 1948 قبل ان يهاجر الى بنما مع عائلته حيث نال اجازة في القانون. والده كان نازيا خدم في وحدات النخبة في الجيش الالماني خلال الحرب العالمية الثانية بحسب "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين" ومقره واشنطن، مستندا الى وثائق من الجيش الاميركي. وبحسب "ملفات سابقة للاستخبارات" فانه عرض التجسس لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه".

اما المؤسس الثاني لمكتب المحاماة فونيسكا فقد ولد في 1952 ونال ايضا اجازة في القانون في بنما لكنه تابع دراساته في معهد لندن للاقتصاد. وقال في مقابلة انه كان يفكر في ان يصبح كاهنا. وكان فونسيكا يدير شركة صغيرة قبل الاندماج مع موساك. وفتح المحاميان في بادىء الامر مكتبا في الجزر العذراء البريطانية. وبحسب الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين فان نصف الشركات التي انشأها هذا المكتب (اكثر من 113 الف شركة) كان مقرها في هذا الملاذ الضريبي.

لكن "موساك فونسيكا" فتح ايضا فرعا في دولة صغيرة في المحيط الهادىء هي نيو. وفي العام 2001 كانت عائدات الشركة في هذه الجزيرة مرتفعة الى حد انها ساهمت في 80% من الموازنة السنوية لنيو. ومنذ ذلك الحين، وبضغط دولي ارغمت الجزر العذراء البريطانية على التخلي عن نظام الاسهم بدون تسمية المالكين، وعاد موساك فونسيكا الى بنما كما تركز في ارخبيل انغيلا في الكاريبي. وانفقت الشركة المال في محاولة لمحو الاشارات على الانترنت التي تربطها بممارسات التهرب الضريبي وتبييض الاموال.

لكن عدة دول بدأت تتابع انشطتها عن كثب. وفي البرازيل تم ذكر اسمها في اطار فضيحة الفساد التي تهز البلاد وتطال شركة النفط العملاقة "بتروبراس" المملوكة للدولة. وفي الولايات المتحدة اعتبر قاض من نيفادا ان المكتب حاول عمدا اخفاء دوره في ادارة فرعه المحلي في هذه الولاية الاميركية. والشهر الماضي اعلن فونسيكا الذي كان مستشارا للرئيس البنمي خوان كارلوس فاريلا منذ 2014 انه سيذهب في اجازة. وقال انه اتخذ هذا القرار "للدفاع عن شرفه" فيما كانت الاتهامات في ملف البرازيل تتكثف. بحسب فرانس برس.

وقال رئيس مكتب المحاماة رامون فونسيكا مورا ان الكشف عن كل هذه الوثائق "جريمة" و"هجوم" يستهدف بنما. واضاف "هذه جريمة، هذه جناية"، مؤكدا ان "الخصوصية هي حق اساسي من حقوق الانسان وتشهد تراجعا متواصلا في عالمنا اليوم. كل شخص لديه الحق في الخصوصية سواء اكان ملكا ام متسولا". واضاف فونسيكا ان عملية التسريب "هجوم على بنما لان بعض الدول لا تروق لها مقدرتنا التنافسية العالية على جذب الشركات". وقال ان "هناك طريقتين للنظر الى العالم الاولى عبر القدرة التنافسية والثانية عبر فرض ضرائب". وتابع "هناك حرب بين الدول المنفتحة مثل بنما والبلدان التي تفرض ضرائب اكثر فاكثر على شركاتها ومواطنيها".

اضف تعليق