q

هل توجد علاقة بين الأمن والقيم؟، أم أن الأمن هو صناعة مادية بحتة تتخصص بها الحكومة وأجهزتها حصرا، أي السلطة التنفيذية، ولا علاقة لمنظومة القيم بصناعة الأمن من بعيد أو قريب؟، عندما نجيب بعدم وجود أية رابطة بين الاثنين الأمن والقيم، نكون كمن يدير ظهره لأهم ركيزة يستند إليها الأمن ونعني بها منظومة القيم، وفي هذا المجال يمكن أن نجزم بلا تردد، أن المجتمع بلا قيم هو مجتمع بلا أمن، وإذا صحّ هذا الترابط، ترى ما هو التأثير الذي يمكن أن تعكسه القيم على الجانب الأمني لمجتمع ما؟.

من الأمور المحسومة أن الأمن ذو شقّين، فهناك أمن داخلي وآخر خارجي، وليس مستغربا أن تأثير القيم ينعكس على الأمن الداخلي والخارجي، ويمكن أن يؤثر عليهما ضعفا وقوة وكما نوضح في وجهة النظر التالية، لو تحدثنا عن الأمن الداخلي، نسأل هل يمكن أن يتحقق أمن داخلي في مجتمع لا يحترم القيم الجيدة، بكلمة أخرى إذا تسيد منطق القوة والفوضى والأمزجة الشخصية هل يكون هناك دور للقانون؟ بطبيعة الحال الإجابة سوف تكون كلا.

ولكن السؤال الأهم هنا لماذا يضعف القانون ومتى، ولماذا يتسيد منطق القوة على منطق العدل والحق والإنصاف، هذه القيم الثلاثة من أهم القيم التي يرتكز عليها كيان المجتمع، فإذا تفوقت القوة على العدل والحق والإنصاف، سوف يتم تغييب هذه القيم ويضعف إن لم ينتفي دورها تماما في تنظيم علاقات المجتمع، وهكذا في غياب القيم تسود الفوضى، ويغيب الأمن الداخلي، ولذلك إذا أراد مجتمع ما أن يحصل على الأمن الداخلي عليه أن يحافظ على القيم التي تسود المجتمع، فكلما كانت هذه القيم محمية ومصانة كان المجتمع آمنا.

أما في مجال الأمن الخارجي، والمقصود هنا تأمين الدولة والمجتمع من التدخل الخارجي، فهناك ترابط وثيق بين الأمن الأول الثاني، أي لا يمكن أن يكون هناك أمن خارجي اذا ضعف أو غاب الأمن الداخلي، لهذا السبب تحرص الدول وحتى المجتمعات على حماية أمنها من الداخل وتقوية الأواصر الاجتماعية والعمل الدائم على طمر الفتن ومكافحة الاضطرابات، وتوحيد كلمة الشعب، في هذه الحالة ستكون رؤية وكلمة الشعب واحدة، وهذه الهدف الجوهري اذا تم تحقيقه، سوف يشكل عامل دعم حاسم لتحقيق الأمن الخارجي.

بمعنى أن الدولة القوية من الداخل، سوف يكون من الصعب اختراقها من الخارج، لذلك عندما يُراد اختراق دولة والتغلب عليها، تعمل الدول والجهات الخارجية على خلخلة أمنها الداخلي حتى تتمكن من اجتاحها خارجيا بطرق شتى.

كيف يتخلخل الأمن الداخلي؟

من هنا عندما تُعلن حالة الحرب بين دولتين، فإن كل منهما تبذل أقصى ما يمكن كي تخلخل الجبهة الداخلية للدولة الأخرى، حتى تضمن ضعفها من الداخل كي تنقض عليها من الخارج، لذلك هنالك ترابط قوي وواضح بين منظومة القيم والحفاظ عليها، وبين ترصين الأمن الداخلي والقدرة على ردع التدخل الخارجي.

إذ لا يمكن لمجتمع ما أن يكون قادرا على تحقيق الأمن الداخلي ما لم يكن له الرصيد الكافي من القيم الداعمة للمجتمع، فالجريمة على سبيل المثال بأنواعها هي نتاج لسوء القيم وضعفها، والمجتمع الذي تنتشر فيه الجريمة هو مجتمع غير آمن ودولة ضعيفة، كذلك لماذا تنتشر المخدرات في الشعوب المتخلفة؟ السبب واضح، أن هذه الشعوب ليس لها قاعدة قيم سليمة وقوية وراسخة تدعم أمنها الاجتماعي.

لذلك نلاحظ أن أكثر الدول المهزوزة داخليا هي تلك الدول التي تكثر فيها الجريمة والفساد وتعاطي المخدرات وكل الأفعال الشائنة، والسؤال هنا لماذا تنتشر مثل هذه الأفعال والجرائم والفساد في هذه المجتمعات؟ الجواب لأنها مجتمعات بلا قيم، أو في أحسن الأحوال هي مجتمعات تعاني من هزال منظومة القيم، ولذلك تكثر فيها مظاهر العنف ويسود فيها منطق القوة ويضعف فيها القانون، ليتم بعد ذلك تدمير الأمن الداخلي فيها.

وهل سيؤثر ذلك على صيانة الدولة والمجتمع خارجيا؟، الجواب نعم، لابد أن ينعكس ضعف الأمن الداخلي على الوضع الخارجي للدولة، وهذا يؤكد مرة أخرى أن ضعف القيم لا يؤثر فقط في ضعف الأمن الداخلي، وإنما ينسحب ذلك على الأمن الخارجي، وكل هذا يحدث بسبب ضعف منظومة القيم وانتشار الظواهر التي تسيء للنسيج المجتمعي وتسهم في خلخلة التماسك بين مكوناته، كما ينعكس ذلك بصورة او أخرى على الأداء الرسمي للدولة.

إذا لا توجد دولة مستقرة وهي ضعيفة اجتماعيا وأمنيا ولا تحمي منظومة القيم، من هنا إذا أراد مجتمع ما ان يكون مجتمعا متكاملا في دولة مصانة ومستقرة، عليه أن يحمي منظومة القيم الجيدة أولا من التدهور والاختراق، وهذه الحماية سوف تنعكس على المجالات كافة، وبعكسه سيكون عرضة للانهيار، دولةً وحكومةً وشعباً في وقت واحد.

مقترحات لصيانة الأمن والقيم

ربما يذهب بعضهم الى القول، أن قوة القانون يمكن أن تحقق الأمن، حتى لو كانت القيم الفاسدة هي السائدة في مجتمع ما، وقد يذهب هؤلاء أكثر في الرأي القائل، بأن تحقيق الأمن قضية (عملية) لا تحكمها القيم، بمعنى اذا كانت لدى الدولة أجهزة أمنية قوية فإنها ستكون قادرة على ضبط الأمن الداخلي.

إن الخوض في هذا الأمر يحتاج الى التركيز والدقة، فالقول بأن الأجهزة الأمنية القوية وحدها ستكون قادرة على صنع الأمن، هذا غير صحيح، ولنأخذ أمريكا مثلا، هل تنقصها الأجهزة الأمنية القوية، إذاً لماذا هناك خلل أمني اجتماعي في العديد من ولاياتها، الجواب هو ضعف القيم هو الذي يخلخل الأمن فيها.

واذا عكسنا السؤال وقلنا، هل يمكن للقيم القوية الراسخة وحدها أن تحقق الأمن الداخلي؟ الجواب هو نعم، اذا سادت قيم الخير أي مجتمع ورسخت فيه، فهو لا يحتاج حتى الى الأجهزة الأمنية وهناك أمثلة على هذا الجانب، فهناك دول تعتمد في حفظ أمنها الداخلي على نشر القيم الجيدة قبل أي شيء آخر.

من هنا تحتاج المجتمعات المتأخرة، أو تلك التي تسودها الاضطرابات، وتفتك بها الخلافات ويجتاحها ضعف الأمن الداخلي الى خطوات مهمة تساعدها على حفظ أمنها منها:

- التركيز على نشر القيم الإنسانية الى أقصى حد ممكن.

- إشراك الجهات والمنظمات المعنية في حملات توعية مستدامة لتكريس القيم الخلاقة.

- محاربة أنواع الفساد بتطوير منظومة القيم في المجتمع.

- تنظيف أجهزة ومؤسسات الدولة من الأنشطة التي تسعى لتدمير القيم.

- محاربة القيم الطارئة وشن حرب عليها وعلى كل من يتبناها ويروّج لها.

- الإيمان بأن الصراع قائم بين الخير والشر.

- عدم السماح لانتشار القيم الهابطة والدخيلة في النسيج المجتمعي.

- تشجيع قيم الكرامة والاعتداد بالنفس والإيمان بالعدالة والإنصاف.

- نبذ القيم التي تسعى لتفضيل الذات على غيرها بدون حق.

- مشاركة الجهد الحكومي والمنظماتي في حماية القيم ونشرها وتطويرها.

- مساهمة الخطباء ورجال الدين والمثقفين ودعاة الحرية والفكر في نشر القيم الخلاقة.

اضف تعليق


التعليقات

كوثر احمد
الجزائر
ماهي نتائج غياب الامن2017-02-01