q

اثار قرار السلطات الفرنسية بحظر لباس البحر المخصص للنساء المسلمات "البوركيني" جدلا واسعا بين الأوساط السياسية والاجتماعية في مختلف انحاء العالم، باعتبار ذلك يتعارض مع القيم التي تنادي بها القارة الاوربية كما انه يعد انتهاكا للحرية الشخصية التي تقرها جميع القوانين الدولية، فيما عده اخرون بانه اجراء وطني يعبر عن روح القوانين المحلية ويجب على الجميع الالتزام بهذه الإجراءات.

المشكلة في هذه القضية تنبع من الازدواجية في التعامل من جميع الأطراف سواء الرافضين او المؤيدين، فمن جانب السلطات الفرنسية كانت ولا زالت تسوق نفسها على انها دولة الحريات وام النهضة الاوربية وسيدة الديمقراطية، ومن جانب اخر فان من يعارضون القرار الأوربي ويعدونه انتهاكا صارخا للقوانين الدولية (ونقصد هنا السياسيين حصرا)، فانهم لا يطبقون من هذه القوانين الدولية حتى بالاسم في بلدانهم التي تعيش في ظلمات القمع والتنكيل وعدم الاعتراف بحريات الاخرين وحقوقهم.

الولايات المتحدة حضت رعاياها المقيمين أو المسافرين إلى فرنسا على احترام القوانين المحلية، من دون أن تعلق تحديدا على قرار حظر ارتداء لباس البحر الإسلامي (البوركيني) الذي اتخذته بلديات عدة على الساحل الفرنسي، وقدمت أمريكا نفسها بانها ام الديمقراطية وابوها حيث اكدت مرة أخرى عباراتها المطاطية والمتناقضة بالتزامها الحرية الدينية، غير أنها في المقابل حريصة على عدم اتخاذ موقف شاجب لقرار منع البوركيني على الشواطئ الفرنسية.

ووفق المعايير الامريكية التي تؤكد على أهمية احترام القوانين المحلية فالواجب ان تحترم القوانين المحلية في دول الشرق الأوسط وبالتالي عليها التزام الصمت أيضا امام الممارسات القمعية ضد المواطنين المحليين باعتبار ذلك جاء وفق القوانين المحلية ففي السعودية على سبيل المثال تقطع يد السارق وتنفذ عقوبة الإعدام بقطع الرأس، فهل يجب ان تصمت الولايات المتحدة ام ان لسانها سيكون أطول صواريخها التي تضرب أينما تشاء وكيفما تشاء!! انها الازدواجية في التعامل والتي جلبت للعالم الماسي والحروب حيث تشعر الشعوب النامية وحتى حكوماتها بانه مضطهدة من قبل الدول الكبرى.

نعرف كما يعرف الجميع ان النظم السياسية الحاكمة في اغلب البلدان الإسلامية لا تحترف بالحريات العامة وما يسمح به في إطار خدمة السطات الحاكمة فقط، وبالتالي فهي غير معنية بالدفاع عن حقوق المسلمين في فرنسا او الولايات المتحدة الامريكية، على قاعدة المثل القائل ان "فاقد الشيء لا يعطيه". لكن في المقابل لا يعني ان تتمادى الدول الغربية في قمع المسلمين واسلب حقوقهم لان الأنظمة السياسية الحاكمة في البلدان الإسلامية لا تحترم الحقوق العامة، فالكثير من المسلمين في تلك البلدان الغربية هم من المواطنين الأصليين او ممن يملكون الجنسية منذ سنوات طويلة وعلى الدولة ان توفر لهم الأجواء المناسبة لممارسة كافة طقوسهم وممارساتهم الخاصة بغض النظر عن كيفيتها.

ليس هذا فحسب، فالسلطات الفرنسية تقول ان لباس البحر الإسلامي بانه يتعارض مع المجتمعات الاوربية وانه يعبر عن رموز سياسية تثير حساسيات لدى البعض ولا نعرف بالضبط تفسير ذلك الا في إطار استهداف المسلمين بأساليب ملتوية، إذا ما اخذنا في الحسبان التعامل المزدوج مع غير المسلمين إذ تداولت وسائل الاعلام صورة لراهبات مسيحيات على شاطئ البحر بلباسهن الديني.

البعض يستغرب من هذه الممارسات الاوربية وكان القارة العجوز هي قبلة الدنيا في الحرية والديمقراطية ومن يؤمن بذلك فهو واهم تماما، فالديمقراطية الاوربية لا تختلف كثير عن الأنظمة القمعية في البلدان النامية الا بأساليبها الحديثة للتضييق على الناس وسلب حريتهم وكرامتهم، فكل المفاهيم الاوربية سائلة وغير محددة وحقوق الانسان يجب ان تتوافق مع المصالح الاوربية، حتى وان كان ذلك على حساب أرواح الاف الأطفال والمدنيين، وقد ينتقدنا البعض لأننا نساوي بين الأنظمة الغربية ونظيرتها في الدول المتخلفة لكن كل الدلائل تشير الى صحة ما نقول، والتقارير توثق وقوف الأنظمة الغربية مع المملكة العربية السعودية الراعي الرسمي للتطرف الوهابي، كما انها تقوم بحرب إبادة جماعية ضد الشعب اليمني ورغم ذلك لا يزال السلاح الأوربي هو المصدر الأساسي للترسانة الحربية السعودية.

لا نؤمن بالديمقراطية الغربية ولا شعاراتها الجوفاء وهذه الممارسات القمعية ضد المسلمين لا تقل فضاعة عن الدعم الكبير والمتواصل لأكبر دولة فاشية في العالم قامت على ارض مغتصبة وتمارس ابشع أنواع القتل بالمدنيين والأطفال والنساء الذين لا ذنب لهم سوى انهم يعيشون في ظل دولة إسرائيلية مدعومة من كافلة الأنظمة الغربية "الديمقراطية".

المشكلة في الدول الغربية انها تستطيع تبرير كل افعالها من خلال سيطرتها على مراكز القرار في العالم مدعومة بتدفق المحتوى الإعلامي العالمي، وبالتالي فان افعالها تكون محمودة وعلى الجميع احترامها بعد ابتكارها لأساليب انتاج وإعادة انتاج الوعي عبر وسائل الاعلام والدعاية المختلفة، لكن سنوات الهيمنة الإعلامية هذه لا تطول وصبر الشعوب المسحوقة بدأ ينفذ والتطرف في اوج نشاطه وهذه الممارسات الفاشية تزيد نار الحروب العالمية اشتعالا وايام اوربا ستكون اكثر ظلاما.

اضف تعليق