q

العراق أولا في مساعدة الغرباء

في اليوم العالمي للعمل الانساني

شيء مميّز أن يُخصَّص يوم عالمي لـ (العمل الإنساني) حيث قامت الأمم المتحدة بجعل يوم 19/8 من كل عام، يوما مخصصا للاحتفال والاحتفاء بالعمل الإنساني عبر العالم، والمفاجأة الأجمل في هذا السياق، أن يتم الإعلان عن تربع (العراق) على قمة الدول التي تقدم المساعدة للغرباء.

فكما تشير التقارير والأخبار التي نقلتها وسائل الإعلام المختلفة، أُعلن فوز العراق بالمرتبة الأولى على مستوى العالم في (التعاون مع الغرباء) وتذليل مصاعبهم والوقوف الى جانبهم وجاءت بعده الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثانية بعد ان كانت تتصدر المرتبة الأولى، كما ورد ذلك في النتائج السنوية بهذا الخصوص بحسب تقرير مفصل لمؤسسة العطاء الدولية.

ومن الغرابة بمكان أن تفوز بورما (الدولة الفقيرة) في المركز الاول للدول المعطية للمحتاجين رغم فقرها، كما نشرت ذلك وكالة النبأ الأخبار في تقرير لها يوم أمس جاء من ضمنه: (قد يبدو غريباً أن يُسأل المرء عن كرم بلده، لكن تقريراً سنوياً لمؤسسة العطاء الدولية وضع - بورما الفقيرة - في رأس قائمة الدول المعطية للمحتاجين.

وقبل الخوض في يعنيه (فوز العراق في هذه المرتبة) من معاني إنسانية عالية، سوف نمرّ بشيء من التفصيل في أهمية (العمل الانساني) وقدرته على تحويل العالم البشري المتوتر، الى عالم تقوده الإنسانية، ويسوده التعاون والتكافل ومعونة المحتاجين على تجاوز الظروف الصعبة، لكي يتمكن كل شخص موجود على سطح الكرة الأرضية أن يعيش بكرامة وأن يؤدي دوره الصحيح في رحلة الحياة.

ففي دولة مثل العراق تغص بالتفجيرات ويهاجمها الإرهاب من كل حدب وصوب، وتمزقها المفخخات والانتحاريون، من كان يتوقع بأن هذا الشعب المحاصر بالموت يستطيع أن يتصدر دول العالم في مد يد العون الى الغرباء.

إن هذه النتيجة (الكبيرة) من الناحية الإنسانية لا يمكن أن تمر مرور الكرام، لأن الشعب الذي يتمكن من تحقيق نتيجة كهذه على مستوى العمل الإنساني، لابد أن يكون قادرا على لملمة جراحه وتجاوز مشكلاته وترصين نسيجه الاجتماعي كي يصبح من أوائل الدول المتنعمة بالسلام والأمان والتعاون والتكافل ونشر ثقافة العمل الجماعي كسلوك وكمنهج حياتي مستدام.

العمل على تخفيف معاناة الإنسان

ليس جديدا أن نستمع الى من يحث على العمل الإنساني، وليس غريبا أن يسعى الناس في مساعدة المحتاجين، فقد دعت الأديان الى هذا المبدأ، ومنها الإسلام الذي حث على مبدأ (قضاء حوائج الناس) ووردت في هذا المجال أحاديث شريفة وروايات كثيرة تحض على التكافل والتعاون، فقد قال الإمام علي عليه السلام: خير الأخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه.

وحسنا فعل المعنيون الرسميون في العالم بتخصيص يوم عالمي لهذا النوع من العمل، حيث يصف بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة اليوم العالمي للعمل الإنساني بأنه تذكرة سنوية بضرورة العمل على تخفيف المعاناة.

وهو أيضا مناسبة للاحتفاء بالعاملين والمتطوعين في المجال الإنساني المرابطين في الخطوط الأمامية للأزمات، ولم يزل هذا اليوم منذ أول احتفال به يمثل يوما خاصا للإقرار بأفضال العمال في المجال الإنساني ممن لقوا حتفهم في أثناء أداء واجبهم الإنساني، كما أنه غدا مع مرور الوقت بمثابة حملة إنسانية عالمية سنوية للإعلاء من شأن الروح الإنسانية وحشد الناس ودعوتهم إلى العمل من أجل عالم أكثر تراحما وعطفا.

ومما يثلج الصدر أن يحقق العراقيون مرتبة متقدمة في مجال العمل الانساني ومساعدة الغرباء، فهذا يعني أن الشعب المستعد للتعاون مع الغرباء وتقليل المصاعب التي تواجههم، فمن باب أولى أنه قادر على تجاوز الفتن والخلافات التي يصنعها له أعداؤه، لكي ينشغل العراقيون بإعادة وجودهم والحفاظ عليه عبر تقديم العمل الإنساني وجعله ضمن منهج السلوك اليومي لهم.

فبحسب (وكالة النبأ الأخبار) نال العراق مركز الشرف باعتباره البلد الأكثر مساعدة للغرباء رغم الحروب والعنف والاضطرابات التي تمزقه منذ نحو 13 عاماً، ومن عجيب المصادفات أن ليبيريا، التي تمزقها الحرب الأهلية، جاءت في المرتبة الثانية بعد العراق في مجال مساعدة الغرباء، وأظهرت إحصاءات التقرير أن 78 في المائة من الناس قد قاموا فعلاً بمساعدة الغرباء. ما يعطي إشارات أمل على إمكانية تجاوز المشكلات العصيبة التي يعاني منها العراقيون والعودة الى رحاب الحياة مجددا.

وقد جاءت المفاجأة الكبرى حين حل العراق بدلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية في صدر قائمة الدول المرحبة بالغرباء والمساعدة لهم، موقع "نيو ويبسايت" علق على هذا بالقول: "من المدهش أن يتواصل العراقيون في إظهار سخائهم رغم التوترات الأمنية المستمرة" بسبب أعمال العنف ومسلسل الأعمال الإرهابية التي تفتك بهم.

إن بعض الإشارات التي قد تبدو بسيطة أو لا يعوَّل عليها في سياق الواقع الفعلي، يمكن أن تكون أدلة حاسمة على نتائج آنية ومستقبلة مهمة، فمثل هذا الفوز (الإنساني) للعراق، لا يمكن أن نعده حدثا عابرا، كونه يستند الى (ثقافة)، ومنهج سلوك يحض الانسان العراقي على احتضان الغريب وإبداء التعاون معه.

آفاق كبيرة للعمل الإنساني

هنالك مشكلة تواجه نشر التعاون والسعي في الوقوف الى جانب المحتاجين او الغرباء، يمكن أن نلخّص هذه المشكلة، في اهتمام الإنسان بنفسه وعدم التفكير بحقوق الآخرين، أو بما يحتاجونه، ومثل هذا الشعور سوف ينعكس على السلوك وسوف يعمق التفكير بالأنا، لدرجة أنه ينتمي الى الأنانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لذا فإن العقبة الأكبر التي تقف بالضد من نشر العمل الإنساني، عندما تُشاع ثقافة تفضيل الأنا على الآخرين.

إن العراق الذي استطاع أن يحقق هذه النتيجة المشرّفة في مجال التعاون مع الغرباء، حتما بمقدوره أن يساعد نفسه أيضا، وذلك من خلال نشر هذه الثقافة، وإعلانها، وترويجها، والتثقيف بها، داخل النسيج المجتمعي العراقي، وفي هذه الحالة سوف يُصبح (العمل الانساني) أمرا معتادا عليه، يقوم به الناس مثل قيامهم بأي عمل يومي اعتيادي آخر.

على أن تشترك في ذلك الجهات المعنية بهذا النوع من العمل، الرسمية منها والأهلية، ويمكن أن نضع في هذا السياق بعض الخطوات والمقترحات التي من شأنها المساعدة في هذا الجانب:

- العمل الإنساني ثقافة وتربية، تبدأ من البيت، مرورا بالمؤسسات والمنظمات المعنية.

- تنشئة الأطفال على هذا النوع من العمل في البيت والمدرسة وأماكن العمل.

- تنظيم حملات تثقيفية أهلية ورسمية ودينية في هذا المجال.

- ينبغي أن تتدخل وسائل الإعلام كي تنشر هذا النوع من السلوك والثقافة.

- المفكرون والخطباء والمثقفون وكل من يعنيهم هذا الأمر ينبغي أن يكون دورهم حاضرا.

- وضع البرامج العملية لنشر هذا النوع من الأعمال على نطاق واسع بين عامة الناس.

- لا يصح أن يكون الترويج بهذا النوع من العمل شكليا او دعائيا.

- من المهم جدا أن يبدأ الاهتمام تربويا ومنذ الصغر، فالأساس التربوي الصحيح لترسيخ هذا النوع من العمل يمثل حجر الزاوية.

- تعميق وعي الشباب المبدئي بأهمية العمل الإنساني وتشجيعهم على الاهتمام به.

- ربما يوجد من يتعامل مع الغرباء بشيء من التوجس والتردد، فينبغي التحذير من ذلك.

- لذلك يعد السلوك الذي يتعاون مع الغريب مؤشرا على تحلّي العراقيين بروح إنسانية تقوم على العطاء والاحترام والتعاون.

اضف تعليق