q

الى ماذا تنتمي الكلمة الحرة، وما هو جذرها، ومَنْ يتَّخذ منها منهجا وطريقا في الحياة، وما هي النتائج التي تتمخض عن التمسّك بالكلمة الحرة سلوكا وفكرا؟، في المقابل من الذي لا يرغب بها، ويعلن العداء لها قولا وفعلا، ولا يرى فيها شرطا أساسا لاستمرار الحياة بصورة افضل، فيناقضها، الى حدّ العداء والصراع المصيري أيضا؟.

عند الاجابة عن السؤالين المذكورين، لابد أن نخوض في عمق التناقض الحاصل بين (الكلمة الحرة ونقيضها)، حتى يمكن أن نتوصل الى فهم للجانبين المتقابلين بضديّة ازاء بعضهما الآخر،  على أن يتم تفحّصنا للأمر بصورة مستقاة من التجارب الماضية أولا، ومما يحدث في الواقع الآن، فعندما نضع الكلمة الحرة تحت مجهر التأويل والتفحّص أو الاستبطان او الشرح، فإن البادرة الاولى سوف تذهب بنا نحو مفهوم الحرية، وهذا يؤكد لنا أن الكلمة الحرة تنتمي دونما أدنى شك، لمبدأ عظيم ومجيد، قدمت البشرية من اجل ترسيخه مئات الآلاف بل الملايين من الضحايا والارواح والممتلكات النفيسة، وجرى ذلك في صراع فكري ودموي بين أصحاب الحرية ودعاتها، وبين أصحاب السلطة وسلاطينها وتوابعها وغوغائيها عبر التاريخ.

ولعل هذا الانتماء المشرّف يؤكد عظمة الكلمة الحرة وعلوّ شأنها، ودورها في ترويض النفوس والعقول الشريرة التي تنتمي للسلطة بكل أنواعها واشكالها، السياسة او الاقتصادية او الاجتماعية، فالسلطة تبدأ من مؤسسة العائلة الصغيرة، بسلطة الأب، وصولا وامتدادا الى سلطة القائد الأعلى، وما بين هاتين السلطتين مئات الانواع والاشكال من السلطات، كلها تنطوي على قطبين، الاول قطب العدالة والمساواة والخير على وجه العموم، والثاني قطب الظلم والشر، وكل ما ينضوي تحت خيمته، مما يسيء الى الانسانية بشتى الادوات والاساليب والسبل، هذه السلطات كلها اذا انحرفت وشطّت عن الجادة الصواب، تقف بالضد منها الكلمة الحرة، من اجل التصويب، ومن اجل إحقاق الحق، حتى لو كانت التكلفة غالية ونفيسة، وهنا تبدأ – كما حدث عبر التاريخ- عملية صراع لا يقرّ لها قرار بين نقيضين لا يمكن أن يلتقيا مع بعضهما، لاختلاف الاهداف والقيم والاساليب، فإذا كانت السلطة المتجبرة تتوشح برداء الدم والقتل والقوة الغاشمة، فإن الكلمة الحرة تتوشح برداء الحق والشجاعة.

وهكذا نحن أمام قطبين متضادين، أحدهما ينتمي للحرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، والآخر ينتمي الى السلطة بكل ما يعنيه هذا (الشر) الذي لابد منه، ولعل أصعب ما يواجه البشرية من اختبارات، تكمن في عدم قدرتها على التخلص من السلطة، بل لعل الانسانية تبقى ما بقي الانسان حيّا يتوالد على الارض، تحتاج الى السلطة كي تنظّم حياتها، ولكن المأزق يتمثل دائما بخروج السلطة عن حدودها، فغالبا ما يكمن في رحم السلطة وحش، يُصعَب ترويضه، وفي الوقت نفسه لا مناص للانسان من التعامل مع هذا الوحش لضرورات الحياة وديمومتها، وسلاح الانسان في هذا المجال هو الكلمة الحرة الشجاعة الجريئة مع الاحتفاظ دائما بسمة وصفة التوازن، حتى تبقى الكلمة الحرة في مأمن من الانزلاق نحو الانحراف والزيف.

إذاً اصحاب الكلمة الحرة هم دعاة الحرية، وهم الذين يرفعون علم التقدم والتطور والابداع، وهذا حق من حقوق الانسان لكي يصل الى صنع حياة كريمة توازي قيمة الانسان وحرمته، لذلك غالبا ما تكون هذه الكلمة في درجات عالية من السمو والقبول والاحترام، فتهفو لها قلوب الناس وعقولهم، وتصطف معها نصرةً للحق والعلم والحقيقة والجمال، على الطرف الآخر تقف السلطة المنحرفة، وادواتها، من الغوغاء الذين لا يعرفون قيمة الكلمة، فتراهم يستميتون للوصول الى اهدافه عبر التهريج والتلفيق واساليب اخرى كثيرة ترتكز على التسقيط والقمع وسلب الحريات كلها، حتى حرية الكلام والرأي تتم مصادرتها، فينشأ الصراع ويستمر بي ن طرفين لم يغب وجودهما عبر التاريخ والمسار البشري المتواصل.

فهناك الكلمة الحرة دائما، ومن يؤازرها ويصطف بقوة الى جانبها، وفي المقابل هناك السلطة (في حالة انحرافها) ومن يؤازرها من الغوغاء، ويبقى الصراع مستداما بين الجانبين، ولكن دائما تكون الغلبة للكلمة الحرة ومناصريها، ويكون الخسران والخذلان للسلطة الجائرة المنحرفة، هذا ما اخبرتنا به تجارب التاريخ البشري الطويل، وا أفصحت عنه الاحداث المنظورة والقريبة والآنية، فلا غلبة للظلم على الحرية، وليت يفهم هذا سلاطين العصر الراهن، أولئك السلاطين المتجبرين الذين لا يرون من الواقع إلا أنوفهم ومصالحهم وسلطانهم، وما عدا ذلك، فهم منغمسون في صراع مرير مع الحرية ودعاتها، والكلمة الحرة، التي لم يستطيع الغوغاء كبت صوتها على مر التاريخ. 

اضف تعليق