q

مأزق كبير وخطير نقف اليوم في مواجهته وجها لوجه، وبعض المآزق قد تكون ممكنة الحل، وبعضها تسهل معالجته، لكن ما نتحدث حوله هنا هو مأزق متعدد الرؤوس، وكل رأس فيه يمثل عقبة كأداء ربما تستعصي تماما على الحل، أو أنها تحتاج الى جهود مضاعفة للمعالجة، إننا هنا بصدد شريحة واسعة من المجتمع العراقي، ونعني بها شريحة الشباب والمراهقين أيضا، وهم يدخلون في متاهة (الفيس بوك)، مجردين من أسلحة الوعي والفكر الذي يشكل لهم درعا واقيا ضد الدمار الأخلاقي، ويمنحهم الضوء اللازم لكشف دهاليز المتاهة المظلمة.

لقد تكشَّف جانب من المأزق، الذي أخذ بالتصاعد التدريجي نحو النتائج المؤلمة، وربما المدمرة، فالشعب العراقي الذي يعاني من مشكلات سياسية واقتصادية كبيرة، غير مستع كي يواجه مشكلة اجتماعية أخلاقية خطيرة تخص حياة الشباب وطبيعة سلوكهم والأفكار التي يتلقونها، وسبل تعاملهم مع بعضهم، وطبيعة علاقاتهم المتبادلة، حتى لغة التخاطب فيما بينهم أخذت تنحرف نحو كلمات وجمل يشوبها الكثير من الغموض إن لم نقل التدمير الأخلاقي.

تكفي المتابع المهتم جولة استطلاعية في خفايا ودهاليز الفيس بوك، والكروبات الشبابية، وغرف الدردشة، وطبيعة الحوارات بين الشباب مع بعضهم، لكي تنكشف للمتابع الى درجة من درجات الحضيض التربوي الأخلاقي ينحدر هؤلاء الشباب والمراهقون، فمثلا هناك جمل وألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان، يتعاطاها الشباب والمراهقون فيما بينهم، تدل دلالة لا تقبل الشك على أن شبابنا يعانون من مشكلة أخلاقية فكرية خطيرة تهشم حياتهم وتدمر مستقبلهم.

ولكن هل نحن نبالغ فيما ذهبنا إليه، وهل نعطي الأمر أكثر مما يستحق من اهتمام؟، للإجابة عمن يظن بأننا نبالغ، أتمنى عليه أن يدخل بنفسه الى صفحات الشباب، ويكون أحدهم لكي يُسمح له بالدخول بينهم، ليكتشف لغتهم وكلماتهم وأخلاقهم وتصريحاتهم وأهوائهم وأفكارهم وأحلامهم وطموحاتهم وتمنياتهم، ليكتشف بالنتيجة أنه أمام خراب شامل (فكري أخلاقي ديني تربوي تعليمي) لشريحة الشباب والمراهقين، وقد يطرح سؤال آخر، كيف نعرف هذا الخراب، وما مدى قربه من الواقع، نجيب بما يلي:

إن من يدخل صفحات هذه الشريحة في الفيس بوك، ويجوب كروباتهم الخاصة وغرف الدردشة، سوف يكتشف أننا لم نأت بشيء من الفراغ، ولا نبالغ، إنما هي حقائق مدعومة بالشواهد الملموسة، حيث لغة الحوار السطحية السوقية المستهجنة، ونبرة اليأس القاتلة، وموت الأمل في نفوسهم، وحالة من الانحطاط تطول أعدادا كبيرة منهم، لا نرغب بالتعميم هنا ولكن هناك نسبة خطيرة من هذه الشريحة تقع تحت دقة التوصيف الذي طرحناه، فيما سبق، والهدف بطبيعة الحال، تنبيه من يهمهم الأمر الى خطورة ما نحن عليه بهذا الشأن.

دلائل لا تقبل الشك!

ما هي الدلائل المثبتة التي تؤكد حالة التخبط والتيه التي تعيشها شريحة الشباب والمراهقين في عالم الفيس بوك، وماذا ينعكس عن هذا التخبط؟، أولا نأتي الى الدلائل التي تثبت ما ذهبنا إليه بعد أن ذكرناها سريعا فيما سبق، والآن نتطرق لها بشيء من التفصيل، إن الدليل الأكثر وضوحا هو حالة غياب الطموح لديهم بصورة شبه تامة، فنادرا ما نجد أحد الشباب يتكلم عن طموحات مستقبلية خاصة به، بل هناك نقمة وسخط وتذمر، وهناك رغبات مكبوتة، وشكوى لا حدود لها من الإهمال الذي تتعرض له هذه الشريحة من الجميع، وأقول من الجميع وأبدأ بالحكومة والمنظمات المدنية وأثرياء البلد والمؤسسات المعنية وحتى الآباء والأمهات يشتركون فيما يتعرض له الشباب من إهمال جماعي غريب.

الدليل الثاني، انتشار حالة من الأنانية الفردية، والإيذاء المتبادل بين الشباب أثناء الحوار، مع إبداء الإساءة من دون مبرر ومن دون تفكير بالعواقب التي ستلحق بالآخر، مع غياب للتعاون الأخلاقي، ونشر الروح الإنسانية المتكافلة، فالكل تقريبا تنعدم ثقته بالآخرين، ويتصرف مع الآخر كأنه عدو له، والمهم لديه أن يحقق رغباته وليذهب الآخرون الى الجحيم، هذا المبدأ الأناني هو انعكاس لحالة الإهمال التي يتعرض لها الشباب من الكبار ومن المسؤولين عنهم رسميا ومدنيا وأسريا.

الدليل الثالث تلك الميول الواضحة للتقليد الأعمى للآخر، والمشكلة أن هذا التقليد لا يتعلق بالجوهر، أو الخصال المتميز، وإنما ينصب على (قصات الشعر) والتصاميم الغريبة للملابس بأنواعها، وتعاطي التدخين والمخدرات وما شابه، ويذهب الأمر بالبعض من الشباب الى تقليد شباب الغرب في السلوك (الشاذ)، وهذه الظواهر من الممكن ملاحظتها بوضوح عند التدقيق والبحث، والواقع هي حالات خطيرة ينبغي البحث في أسبابها ولا يصح إهمالها أو السكوت عليها، لأنها تهدد أهم ركيزة في مجتمعنا العراقي الذي يعاني أصلا من مشكلات كبيرة.

الدليل الرابع، الخواء الفكري والثقافي الذي يصيب النسبة الأكبر من هذه الشريحة، على الرغم من أنها في مقتبل العمر، ويفترض بها أن تكون الأكثر تطلعا وبحثا عن الأفكار الجديدة، وأن تتسلح بالثقافة الجوهرية التي تغنيها عن السطحية في التفكير والسلوك، أما كيف يمكننا ملاحظة ذلك، فيتضح من خلال مفردات الخطاب الشبابي المتبادل، وانتشار الألفاظ السوقية فيما بينهم، مع عدم إطلاع واضح على الثقافة العميقة القادرة على حماية الشاب من الانبهار بالثقافات الوافدة او الدخيلة علينا.

مقترحات عسى أن تأتي أُكُلها

بعد هذه الجولة في متاهة الفيس بوك، هل لنا أن نتحاشى شبكات التواصل، وهل الحل يكمن في مثل هذه الخطوة؟، في الحقيقة نحن لا يمكننا السباحة ضد التيار، وقد فات أوان العزلة عن العالم، والحل لا يكمن في الهروب وإنما في المواجهة، لذلك نحن نحتاج لكي نعالج هذا المأزق الكبير، الى جملة من الخطوات الفعلية التي ينبغي تطبيقها بمهنية عالية ومسؤولية تامة، على أن يقوم كل طرف بما يقع عليه من خطوات.

فالنقطة الأولى أن نبتعد عن المنع، الثانية أن نظهر الإهتمام الفعلي ال‘جرائي بشريحة الشباب، منها أن نهتم بهم ونمتص فراغهم ونقضي على بطالتهم ونمد لهم يد العون في إضاءة الحاضر وتصوير مستقبل مشرق لهم، من خلال خطوات ملموسة منها توفير أماكن الترفيه المناسبة ونوادي القراءة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي بشكل مدروس ومتواصل لهم.

وعندما يشعر الشباب بهذا النوع من الاهتمام الحكومي، المدني، المؤسساتي، سوف تتغير نظرتهم للحياة، وسوف تنفتح أمامهم فرص واسعة للابتكار والإبداع، وسوف يتحول الفيس بوك بالنسبة لهم من متاهة الى فضاء رحب للتطوير والتقدم، وسوف تولد آفاق جديدة لهم مع رؤية متجددة تمنحهم الشعور النفسي اللازم الذي يأخذ بأيديهم الى بر الأمان.

كذلك سوف تتولد لديهم قدرات وطاقات كامنة تساعدهم على ابتكار لغتهم المتجددة في الحوار والتفاهم والتفكير، فتغيب المفردات السوقية المحبة من حواراتهم، وأحاديثهم، وتسود بينهم حالة من التفاؤل المتصاعد يوما بعد آخر، فينعكس ذلك على تفكيرهم ونظرتهم للحياة بصورة شاملة، وبهذا نكون قد أسهمنا في معالجة جانب من هذه المشكلة أو المأزق المتفاقم، بطريقة مسؤولة وأسلوب حكيم، من خلال التفكير والتخطيط المسبق لمعالجة ذلك بتأن وصبر ومسؤولية.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي جواد
العراق كربلاء
ان كانت الخطوات الملموسةلاخراج شبابنا من متاهات الفيسبوك، بتقويم حركتهم في هذه الوسيلة التواصلية او غيرها، فهو جيد جداً، بأن يكون التشجيع على القراءة والتعاون والقيم الانسانية وغيرها على الفيس، فهو خير، أما ان تكون هناك مؤسسات او هيئات تتكفل بذلك، فهي موجودة ولو قليلة، بيد انها لن تحول دون استمرار الشباب في دوامة الفيسبوك بدليل أنهم يرون انفسهم وشخصيتهم في هذه الوسيلة وسائر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما تفتده مؤسساتنا الاجتماعية مع الاسف،مع شكري وتقديري للكاتب المبدع2017-05-04