q

يُقال أن اليد الواحدة لا تصفّق كما يرد في أحد الأمثال الشعبية، في إشارة الى أهمية أن يكون الإنسان دقيقا في تعامله مع طريقة بناء حياته، وينطبق ذلك على المجتمع ايضا، فقد وصف العلماء الدولة مثل الكيان البشري، تحتاج الى ذراعين لكي تواصل بهما عملية البناء بصورة متقنة من حيث النوع وسرعة الإنتاج، وطالما أن المعادلة تضم طرفين هما الحاكم والمحكوم، فكلاهما ينبغي أن يتحملا مسؤولية المشاركة في عملية البناء، لاسيما أن البعض يقول بأن الشعب يمثل أحد الذراعين والحاكم يمثل الذراع الآخر.

من جانب آخر اعتاد المواطنون على إلقاء اللوم على حكوماتهم وتحميل المسؤولين نتائج الإخفاق في هذا المجال أو ذاك، وكثيرا ما كتبنا في مقالاتنا ضد المسؤول الحكومي، وطالما نركز على ضعف الأداء والخلل الذي يعتور دوره القيادي السياسي او الإداري، ونشير الى النتائج الوخيمة التي تتسبب بها الأخطاء القيادية للمسؤولين والموظفين في الدولة، وهذه المقالات والكتابات التي تنتقد ضعف الأداء الحكومي جيدة بطبيعة الحال، فالعالم المتقدم لم يصل الى ما وصل إليه من مستوى متقدم في مجالات الحياة، لو لا عملية النقد والدور الذي يقوم به في التصحيح والتصويب وطرح البدائل من اجل تواصل جدلية البناء، وتبادل الأدوار بين الحكومة والمواطن.

إذن لا يمكن مواصلة رحلة البناء بيدٍ واحدة، بل دائما هناك عنصر أساس أو طرف مهم جدا، يشترك في تقاسم المسؤولية مع الموظف او المسؤول، مهما كانت درجة مسؤوليته وأهميتها، ذلك هو المواطن الذي يشكل الطرف الآخر لتحمل المسؤولية، مع الحكومي او القيادي في الإدارة والسياسة، وليس هناك مغالاة في الرأي عندما نقول ان مسؤولية الموطن تتساوى أحيانا مع مسؤولية الموظف الحكومي، لاسيما في البناء المجتمعي، وكلما كان المواطن واعيا بهذه المسؤولية متحملا إياها على النحو المطلوب، كلما كان المجتمع أكثر تقدما وتطورا، من خلال فهم جدلية البناء المتبادلة بين الطرفين المعنيين.

الإمساك بزمام المبادرة

يبقى قصب السبق لمسك زمام المبادرة نحو التقدم يعود لأهمية اقتناع المواطن بالطرف الحاكم، حتى يندفع بإرادة حرة وقناعة تامة لأداء الدور المطلوب منه على أفضل وجه، والدليل على صحة هذا القول أن المجتمعات الناجحة، لم تحقق درجة النجاح التي وصلت إليها، من خلال السلوك والتفكير الحكومي حصرا، بل هناك مواطن يعي مسؤوليته في بناء المجتمع، ويفهم دوره إزاء نفسه والآخرين أيضا، ويتصرف على أساس هذا الدور المهم الذي يتحمله بشجاعة وإتقان، الأمر الذي يصب في الصالح الفردي والعام بوقت واحد، لاسيما عندما يكون عارف بأهمية هذا الدور، فالمواطن يتحمل نصف مسؤولية البناء ولا يصح أن يتخلى عن دوره بحجة أن الحكومة هي التي يجب أن تتكفل بكل شيء.

مثل هذه التصورات لا ينبغي أن تُشاع كثقافة بين أفراد المجتمع، ذلك أن جدلية البناء تلزم الطرفين الحاكم والمحكوم بحتمية أداء دوره، وقد تتنوع مسؤولية المواطن، فثمة مسؤولية أكثر أهمية من أدواره الأخرى، تلك هي احترامه لصوته الانتخابي، ومعرفته بأهمية هذا الصوت، لأن التجارب والوقائع أيضا، تؤكد أن هناك علاقة لا تقبل الخطأ بين التقدم المجتمعي من جهة، وبين معرفة المواطن لقيمة صوته الانتخابي، حيث تدخل هذه الفعالية في إطار عملية البناء المجتمعي السياسي المزدوج، فندما يلتزم المواطن بإرسال صوته الى الشخص الصحيح، فإن هذه الخطوة سوف تسهم في تصحيح أخطاء سياسية اجتماعية، تعود بنتائج وخيمة على الدولة والمجتمع، نتيجة لوجود خلل في أداء دور المواطن ومسؤوليته.

لذلك يمكن للمتابع أن يلاحظ بدقة أسباب تقدم المجتمعات حيث يصبح المواطن فاعلا متحركا حيويا، يمتلك روح المبادرة والمشاركة والتأثير، ومن خلال هذا المنهج الذي تنتظم تحته حياة الأفراد والمجتمع، يتحقق التقدم، ويكون المواطن ذا تأثير فعال في صنع القرارات السياسية والإدارية عموما، من خلال منحه لصوته الى الشخصية او الجهة التي تستحقه فعلا، بالإضافة الى أدائه لأدواره الأخرى بصورة مسؤولة، وبذلك سوف تتحقق مواطنة متكاملة تقوم على معرفة المواطن لقيمة دوره المهم في جدلية البناء الحكومي المجتمعي التشاركي، وهو بذلك يسهم في بناء ذاته، والمجتمع، بالتزامه بواجباته، ليشارك في قيام حكومة جيدة ترسّخ من خلال أدائها لدورها، مفاهيم المواطنة والإخلاص وما شابه من قيم، تشترك في جدلية بناء الدولة والمجتمع، بمشاركة فعالة للمواطن تنتج عن اندفاع ذاتي وليس تحت الإجبار والغصب.

النتائج الوخيمة للكسل والخمول

هنالك نقص يعاني منه المواطن في مجتمعنا، ونعني به وعيه لدوره ولمسؤولياته، لذلك نلاحظ انتعاش ظاهرة إلقاء اللوم على الطرف الآخر، من دون التركيز على الإخفاقات التي تتسبب بها الأنا، لأن المواطن لا يريد أن يعترف بأنه مقصّر في واجباته، كذلك هو يريد أن يتهرب من دوره في الفشل، لهذا يلقي اللوم على الطرف الحكومي في مناسبة ومن دونها، وعلى سبيل المثال ثمة مشكلة معروفة تعاني منها مجتمعاتنا ومنها المجتمع العراقي، وهي أن المواطن هنا لا يعي قيمة صوته الانتخابي، ولذلك قد يمنحه لمن لا يستحق، وقد يتلكّأ بعضهم في الذهاب الى صناديق الانتخاب، وهم يعتقدون أنهم يقومون بخطوة ليست خاطئة، لكن النتائج التي ستحصل لاحقا، ستعود بأضرار جسيمة على الفرد والمجتمع معا، ومثل هذا الأمر يمكن أن ينسحب على جميع الأدوار والواجبات التي ينبغي أن يتصدى لها المواطن بصدق وإخلاص.

لكنه يكسل ويلوذ بالدعة والراحة والاتكال، ويقول لنفسه الحكومة هي المسؤولة عن البناء وليس أنا، ولكن هنالك ادوار خاصة بك كمواطن عليك أداءها بأمانة، لذلك عندما يتقاعس المواطن عن أداء واجبه بصورة صحيحة سوف تكون هناك نتائج سيئة في عملية البناء السياسي على سبيل المثال، منها مثلا وصول قيادات فاشلة الى السلطة بسبب عدم كفاءتها، فضلا عن افتقادها للإخلاص في خدمة الوطن والمواطن، إذ غالبا حينما يتلكأ المواطن في واجباته السياسية سوف يصعد الى سدة الحكم أشخاص انتهازيون، تتقدم مصالحهم ومنافعهم على مصالح المجتمع والدولة، وبهذا ستكون الحكومة فاشلة والنتائج وخيمة على المواطن الذي لا يعرف أنه هو المتسبب في مثل هذه النتائج، لأنه لم يع أن تراجعه عن أداء واجباته في البناء الجدلي بين الحكومة والشعب، هو الذي يؤدي الى نتائج سيئة دائما.

في الخلاصة تستدعي عملية البناء الجدلي بين الحاكم والمحكوم، أن يفهم المواطن دوره، وأن يؤمن عن قناعة تامة بأهمية هذا الدور، وأن لا يلقي بالنتائج السيئة على طرف واحد، فهو جزء من هذا الفشل، وإذا أراد أن تتحسن الأوضاع في مجالات الحياة كافة، حتى السياسية منها، فما عليه إلا أن يبادر لمسك زمام المبادرة والدخول بقوة في عملية بناء جدلي مشترك حكومي شعبي مسؤول، تقوده إرادة مشتركة تضع في حساباتها أن لا أحد يمكنه التخلي عن دوره ثم يطالب بحقوق هو نفسه لم يشترك في تثبيتها أو إنجازها، فالعمل ينبغي أن يكون جدلي مشترك، والمسؤولية ملقاة على المواطن والمسؤول الحكومي على حد سواء.

اضف تعليق