q

كانت زيارة وزير الدفاع الامريكي أشتون كارتر المفاجئة للعراق 22-تشرين الاول-2017 ، غير مفاجئة بالنسبة لمتتبعي الوضع الراهن.

في بداية الحرب العراقية، المدعومة دوليا، ضد العدو الارهابي المتمثل في تنظيم داعش، جاءت زيارة وزير الدفاع الامريكي لتركيا لجس نبض الجانب التركي المتورط بتلك الحرب بصورة او باخرى.

خلال هذه الزيارة جاء تصريح كاتر مفاجئة من العيار الثقيل للحكومة العراقية فهل استطاعت انقرة خلال تلك الزيارة كسب التأييد الامريكي لها لدرجة ان وزير دفاعها يصرح بوجود اتفاق مبدئي بين الجانبين العراقي والتركي على وجود قوات الاخيرة قرب الموصل؟ وحتى مع أنكار الحكومة العراقية لمثل هذا الاتفاق ، فإن تكلم الاخرين بأسمها وعلنا يضعها في موقف الضعيف الذي يتكلم الاخرين ويتخذوا مواقفا نيابة عنه.

الولايات المتحدة تحاول ان تمسك العصا من المنتصف، وتسعى جاهدة إلى ضبط ايقاع الحرب على الارهاب بما لا يؤدي إلى قتال الاخوة الاعداء. فأي تحرك حقيقي للقوات التركية المتمركزة في بعشيقة العراقية سيجابه بمقاومة عنيفة من جانب العراقيين وسيتدخل الحشد الشعبي على خط المواجهة العسكرية، سواءا بالتصادم مع القوات التركية الغازية او عصابات داعش في اطراف الموصل او داخلها.

أما تركيا فترى ان فرصتها التاريخية قد حان اوانها، لتقضي على احلام الكرد الانفصاليين وفي نفس الوقت ضمان دور في العراق يعيد أمجاد الامبراطورية العثمانية بزعامة الخليفة اردوغان، في مواجهة الامبراطورية الفارسية التي ترى في بغداد عاصمتها. وهي بوجود قواتها على جبهة واحدة منتشرة على طول الدولتين العراقية والسورية تؤكد حلمها بالسيطرة وفرض النفوذ.

ويبدو ان خطط اردوغان للدفع باتجاه مشاركة قواته في حرب الموصل لا تنتهي، فبعد فشل الخطة (أ) حين قامت القطعات العراقية بانزال جوي أستباقي، جعل القوات التركية محاصرة عسكريا، لجئ الرئيس التركي إلى الخطة(ب) فجرب استعطاف الجانب الامريكي لاحراج الجانب العراقي لنيل الموافقة لقواته، فجاء رد الحكومة العراقية نافيا هكذا اتفاق مبدئي حتى وان صدر من وزير دفاع امريكا. وقد تكون غزوة داعش الاخيرة على كركوك ، الخطة (ج) لتشتيت الجهد الحربي او سحب الحشد الشعبي لفخ طائفي داخل مناطق ذات تركيبة سكاني مختلفة.

معركة الموصل في حد ذاتها معركة تتجاوز حدودها الجغرافية لتشتبك مع حدود ومصالح الدول المجاورة ، ليس على مستوى القوى الاقليمية بل حتى القوى العظمى. وهذا ليس في صالح العراق، ان تسيس معركته مع داعش كما ان تسيس أي قضية اخرى من قضاياه الداخلية والخارجية. فكل صراع جانبي في صفوف الجبهة المناهضة للارهاب ، يخدم الاخير ويقدم له النصر على طبق من ذهب.

التوصيات التي يمكننا ان نوجهها إلى صانع القرار السياسي العراقي المتحكم بالشأن العسكري ايضا:

اولا: اعتماد اسلوب الشفافية مع الشعب الذي تحكمونه وتدخلون به معركة كانت جزء من تبعات فشل سياساتكم على كافة الصعد، وعلى مدى ثلاثة عشر عاما. فبمجرد اعلان وزير الدفاع الامريكي من انقرة ان هناك اتفاق مبدئي بين العراق وتركيا على مشاركة قوات الاخيرة في معركة الموصل، هذا الاعلان يعد ضربة لنزاهة ومكانة الحكومة العراقية أمام الشعب ، والتي لم يبقي منها الفساد الاداري والمالي شيئا يذكر.

ثانيا: يجب عدم اشراك قوات الحشد الشعبي في تلك المعركة لان هذا ما يتمناه اعداء العراق، لكي يلصقوا به، ولو كذبا وافتراءا، أي جريمة او انتهاك لحقوق الانسان. فعديد القوات الامنية النظامية لا ينقصه الرجال والعتاد، وبامكان قوات الحشد الشعبي ممارسة دور الاسناد من الخلف ومحاصرة المدن ، دون الدخول فيها.

ثالثا: بامكان الحكومة الاستفادة من المزاج الشعبي العام العارم الرافض للوجود التركي ، لغرض الدفع باتجاه موقف موحد من قبل جميع الكتل السياسية ، حتى تلك المختلفة فيما بينها، ونبذ أي تصرف او تصريح يخرج على اجماع العراقيين.

ثالثا: عدم التصعيد مع الجانب التركي، فهو حاليا في موقف يحسد عليه، قواته محاصرة ويستجدي الموقف المؤيد له. الخروج الامن لقوات اوردغان مع حفظ ماء وجوههم، مقبول تحت الظروف الحالية للعراق، فحينما تسترد الموصل سيكون امام البلاد مشاكل داخلية كبيرة لمعالجتها ولا يجب ان نضيف مشكلة اخرى. كما لا يجب ان ننسى ان تركيا جار مهم للعراق، تربطه مع الجغرافية والتاريخ، فلنا مع تركيا تبادل تجاري كبير (بضائعها جودة عالية وفي متناول الجميع) وهب دولة المنبع لماء دجلة والفرات. لذا ان القطيعة مع تلك الدولة ، وان اخطئ حكامها معنا، ليست في صالحنا ، ونحن حاليا في حاجة صداقة جميع الدولة ، المحيطة بنا بالذات.

رابعا: في مرحلة ما بعد التحرير؛ على صانع القرار العراقي الاستفادة من الاخطاء القاتلة التي ارتكبت وادت إلى سيلان الدم وانتهاك الاعراض وضياع الاموال. سوء الادارة على المستوى السياسي والامني أطاح بولاء الكثير من العراقيين وجعلهم يستبدلون جحيم الوطن بجنة الغرباء الموعودة، ونهايتهم الضياع في منافي الغربة.

اضف تعليق