q

حافظت الانتفاضة الشعبية البحرينية على سلميتها منذ انطلاقتها الاولى عام 2011 وحتى الان، وهو ما يمثل سر قوتها وصمودها على الرغم مما يعتبره البعض بان ذلك الى ضياع فرصة التخلص من حكم الاقلية في اوج قوة الحراك الشعبي، الا ان محاولة الحكومة الى جر المعارضة لحمل السلاح هو اكبر دليل على تخوفها من سلمية التظاهرات وقد وباءت كل محاولات الحكومة لجرها الى هذا الصراع.

وزارة الداخلية البحرينية، سحبت الجنسية البحرينية عن رجل الدين الشيعي الاعلى في البحرين الشيخ عيسى قاسم، وعللت ذلك بان الشيخ قاسم ولم يحفظ حقوق الجنسية التي يحملها وتسبب في الإضرار بالمصالح العليا للبلاد ولم يراع واجب الولاء لها، لكنها لم تحدد طبيعة الولاء لهذا الوطن لا سيما وانه يمثل احد اكثر البلدان سخاء في منح الجنسية للاجانب مع شرط الانتماء لطائفة الاقلية الحاكمة في البلاد.

وكما كان متوقعا ردت ايران وحلفائها على هذا القرار وفي بيان لوزارة الخارجية الايرانية قالت أن "مثل هذه الإجراءات التعسفية تبدد الآمال بإصلاح الأمور في البحرين عن طريق الحوار والوسائل السلمية". ونصحت الوزارة الحكومة البحرينية بإنهاء "الإجراءات الخارجة عن القانون، وتجنب تدمير جسور التواصل مع الشعب والزعماء المعتدلين في هذا البلد، والقبول بالحقائق الراهنة في البلاد، وعقد حوار وطني جاد لتسوية الأزمة الراهنة في البحرين". فيما راح قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، الى ابعد من اللغة الدبلوماسية قائلا إن آل خليفة الحاكمين في البحرين سيدفعون ثمن إسقاط الجنسية البحرينية عن رجل الدين البارز الشيخ عيسى قاسم.

وبغض النظر عن ردود الفعل الايرانية التي لم تاتي بجديد، فالمهم في هذه المسالة هي المعارضة البحرينية التي يقع عليها الثقل الاكبر في تجاوز هذه المرحلة الحاسمة في الصراع مع نظام الاقلية الحاكم في البلاد، وينظر لهذا القرار الحكومي على انه محاولة لجر قوى المعارضة للصراع المسلح ومن ثم يتم قمعها والقضاء عليها بشكل تام باعتبارها اتخدت السلاح وسيلة للحصول على مطالبها، وفي دولة مثل البحرين لا يمكن لانتفاضة ان تنجح في حال رفعت السلاح لسببين رئيسيين:

الاول: تمثل البحرين قاعدة عسكرية لدول عظمى مثل بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية فإلى جانب قاعدة بريطانية انشأت نهاية عام 2015، توجد أيضاً قاعدة للأسطول الخامس الأميركي في البحرين، ولا يمكن لهذه الدول ان تقف مكتوفة الايدي في حال وجدت حليفها الحاكم في مازق قد يؤدي الى الاطاحة به واستبداله بحكم الاغلبية الذي من المؤكد انه يكون معارضا للوجود الغربي في البلاد، ما يعني ان اي تحرك مسلح من قبل المعارضة يتكون نهايته الفشل.

الثاني: الدعم الخليجي اللامحدود وخاصة من قبل السعودية فضلا جغرافية البحرين المعزولة عن اي منفذ بري يمكن ان يكون نافذة للمعارضة للتواصل مع العالم الخارجي وبالتالي تبقى كل تحركاتها في اطار الاجراءات الحكومية التي تحكم البلاد بقبضة من نار، والاجهزة الامنية على اتم الاستعداد لكبح جماح اي تحرك عسكري للمعارضة.

من يدقق في القرار البحريني ضد الشيخ عيسى قاسم يتبين انه لم يكن مغايرا عن سياسة تلك القرارات الخليجية الارتجالية والتي غالبا ما تعطي نتائج عكسية، وكأن الجزيرة البحرينية الصغيرة لم تتعض من قرارات جارتها السعودية خاصة اعدام الشيخ نمر باقر النمر والذي وضع المملكة في مواجهة منظمات حقوق الانسان، والقرار البحريني ضد الشيخ عيسى قاسم لا يختلف عن اعدام الشيخ النمر كونه لم يرفع سلاحه ضد الدولة ولم يدعو لحمل السلاح اصلا وكل ما كان يطلبه هو استرجاع الحقوق المسلوبة من الاغلبية الشيعية ومنع الاجراءات التعسفية ضدهم والتي تقوم بها الاجهزة الامنية التابعة للنظام الحاكم في البلاد.

المنظمات الدولية لا تستطيع ملاحقة جرائم الانظمة الخليجية لكثرتها، وبيانات الادانة هي السلاح الاسرع لتاكيد الاجرام الحكومي بحق الشعب البحريني، فقد اعتبرت الامم المتحدة على لسان رافينا شامداساني المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للمنظمة الاممية أن قرار البحرين إسقاط الجنسية عن زعيم الأغلبية الشيعية في البلاد آية الله عيسى قاسم "غير مبرر" وفقا للقانون الدولي. وأضافت "بالنظر إلى أن الإجراءات القانونية لم تتبع فإنه (قرار) لا يمكن تبريره... هو غير مبرر تماما". وياتي ذلك في الوقت الذي ادنت فيه منظمة هيومن رايتس ووتش دانت اكثر من مرة القرارات التعسفية ضد المعارضة فقد أعربت المنظمة الامريكية غير الحكومية عن قلقها إزاء عمليات الترحيل التي تقوم بها السلطات البحرينية لمواطنين تنزع عنهم الجنسية ودعت المنامة إلى وقف عمليات الترحيل هذه.

ومنذ انطلاقة احداث "الربيع العربي" والدول الخليجية تتخبط في قراراتها والبحرين لا تخرج عن هذه الحالة، فالمخاوف من فقدان عروش الانظمة القبلية تزداد يوما بعد اخر والتقلبات الاقتصادية تارق تلك الانظمة التي كانت تغلق افواه البعض باموالها تارة وبشراء السلاح بفائض النفط تارة اخرى، لكن ومع فقدان الخليج (والبحرين على وجه الخصوص) لميزته النفطية وسوداوية صورته في مجال حقوق الانسان يبدو ان الوضع متجه نحو مزيد من التازم بالنسبة للخليج ودولة البحرين على وجه التحديد.

ومحاولات الحكومة لجر المعارضة للمواجه المسلحة يبدو انها مطلبا بعيد المنال، فقيادة هذه المعارضة على درجة عالية من التعقل وفهم طبيعة المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة، ونعتقد انها ستركز ثقلها اكثر على ورقة انتهاكات حقوق الانسان بحقها من قبل نظام الاقلية الحاكمة في البلاد، والاجراءات الحكومية البحرينية ضد الشعب تمثل ذخيرة كافية لادانة اكبر دولة اذا ما استخدمت بشكل صحيح.

اضف تعليق