q

أقر مجلس الوزراء السعودي خطة إصلاحات اقتصادية واسعة تحمل اسم "رؤية السعودية 2030"، تهدف إلى تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية. وخلال جلسته، التي ترأسها الملك سلمان بن عبد العزيز، قرر المجلس "الموافقة على رؤية المملكة العربية السعودية 2030"، وكلف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "بوضع الآليات والترتيبات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية".

موقع العربي الجديد نشر في 14 نيسان الجاري تفاصيل الخطة الاقتصادية الجديدة أقبل اعلانها والتي تشمل تحديد 18 قطاعا لخطط خصخصة محتملة. في الكثير من الحالات، قد يعني ذلك بيع حصة صغيرة وليس حصة مسيطرة في الشركات المستهدف خصخصتها. من المقرر أن يجري طرح ما يصل إلى 5% من عملاق النفط السعودي أرامكو للاكتتاب العام. وتشمل الأهداف الأخرى شركات في قطاعات التعليم والنقل والرعاية الصحية والتعدين. وتشمل قائمة الشركات، التي جرى الإعلان عن خطط لخصخصتها، البريد السعودي ومؤسسة الموانئ وبعض وحدات الخطوط السعودية ومستشفيات حكومية وأندية رياضية.

وكما عودتنا السعودية بأرقامها الخيالية على غرار التحالفات العسكرية الثلاثينية وصفقات الأسلحة الكبرى، فقد أعلن محمد بن سلمان عن انشاء صندوق سيادي بقيمة 2 ترليون دولار فيما وسائل اعلام موالية للسعودية بان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سيعلن عن 133 إجراء لتحسين الشفافية واتساق القوانين التي تؤثر على عمل الشركات. وبالتأكيد لا يمكننا التحقق عن كيفية هذه الشفافية فهل ستشمل كشف الذمم المالية لأمراء العائلة الحاكمة ونجزم بان ذلك لن يحصل الا بعد نهاية الحكم الملكي الحالي.

هناك الكثير من المعوقات التي تحول دون نجاح هذه الخطة وابرزها البيروقراطية في المؤسسات السعودية، إذ يقول الاقتصادي السعودي فضل البوعينين إن من بين أهم التحديات التي تواجهها الخطة مدى قدرة الوزارات الحكومية على تحمل متطلبات التحول الوطني الذي يعتمد في مدخلاته على فكر القطاع الخاص خاصة ما يتعلق منه بالإنتاجية والقياس والعمل وفق خطط استراتيجية للوصول الى تحقيق أهداف محددة. ويضيف "هذا قد لا يتوافق مع قدرات بعض الوزارات في الوقت الحالي ما يستوجب إحداث هيكلة في كل وزارة لتتوافق مع متطلبات البرنامج".

ويتخوف بعض السعوديين من أن تؤثر برامج الإصلاح على مستويات الدخل مع لجوء الحكومة لخفض دعم الطاقة والمرافق وتباطؤ وتيرة زيادة الرواتب في القطاع الحكومي الذي يوظف الكثير من السعوديين. فأحد القضايا المطروحة تكمن في حماية المواطنين الأكثر فقرا والذين اعتادوا نظام رعاية سخي مستندا الى مداخيل النفط الهائلة. وقال أحد السعوديين في تغريدة "خطة الرؤية المستقبلية.. أهم شيء بعيدة عن جيوب المواطنين" في حين غرد آخر قائلا "الرؤية المستقبلية التي يعلن عنها في 25 ابريل ستضمن بقاء السعودية لسنوات في حال الاستغناء عن النفط ولكنها ستكون قاسية على المواطن".

وهناك إشكالية أخرى تتعلق بطول المدة التي تحتاجها هكذا خطة لتعطي نتائجها إذ يقول الكاتب الاقتصادي محمد الفوزان "الإشكالية في مثل هذه المشروعات الاستراتيجية الكبيرة أن فائدتها تتحقق على المدى الطويل بينما يتطلب المواطن حلولا آنية لمشاكل مثل الإسكان والبطالة. السؤال الذي يدور بين المواطنين هو متى سيشعر المواطن بالفائدة" فيما قال مصدر متابع لصناعة النفط، لوكالة فرانس برس، بعد اطلاعه على بعض العناوين العريضة للخطة، بانها “اشبه بالحلم”. مشيرا ان الى السعوديون لم يطلقوا هكذا برنامج عندما كانت أسعار النفط مرتفعة مضيفا ان الخطة "تحتاج الى وقت طويل".

بالإضافة الى ذلك فالضرائب الجديدة تثير قلق المواطنين والشركات على حد سواء فالحكومة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة بحلول عام 2020 عبر مزيد من الخفض في الدعم الحكومي لأسعار الطاقة وعبر فرض ضرائب ورسوم. فعلى سبيل المثال، سيجري فرض ضريبة قيمة مضافة في منطقة الخليج تصل نسبتها إلى 5% بحلول عام 2018، وسيجري زيادة الرسوم التي تدفعها الشركات على العمالة الأجنبية. وهذه الضرائب بحد ذاتها ستشكل مشكلة لحكومة السعودية وأي زيادة في الضرائب يعني احتمالية نشوب احتجاجات او المطالبة بكشف الذمم المالية لأمراء العائلة الحاكمة وهذا يمثل مشكلة كبيرة قد تؤدي الى زعزعة الاستقرار في البلاد.

وعلى مدى العقود الأخيرة تبنت المملكة عددا من خطط الإصلاح لكنها لم تحدث سوى نتائج متواضعة وكان ينظر إلى الملك السعودي السابق عبد الله على أنه صاحب توجه إصلاحي منذ توليه عرش البلاد في 2005 إذ أسس هيئة للاستثمارات وأطلق برنامجا للابتعاث مكن آلاف السعوديين من الدراسة بالخارج ومنح المرأة الحق في التصويت الشكلي في الانتخابات البلدية للمرة الأولى. لكن مع ذلك ظلت المملكة تعتمد بشكل كثيف على النفط كمصدر رئيس للإيرادات. وأحدث هبوط أسعار الخام ضغوطا كبيرة على المالية العامة دفعت المملكة لتسجيل عجز يقارب 100 مليار دولار في 2015. ولم تكن هناك معالجة جذرية لمشاكل مثل نقص المساكن وتوفير نظام أفضل للرعاية الصحية.

وسائل الاعلام السعودية قللت من هذه التشاؤمية التاريخية من خلال تأكيدها على وجود رؤية طموحة لولي ولي العهد محمد بن سلمان، لكن لا نرى تلك الرؤية ابدا فمنذ توليه هو والده سلمان بن عبد العزيز دخلت البلاد في مشاكل سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة نتيجة لقرارات ارتجالية، والملاحظ انه ومنذ تولي الملك الجديد زمام السلطة كانت هناك لغة تصعيدية تجاه كل من يعارض السعودية وكانت ايران في مقدمة أعداء السعودية وما يمكن تأكيده هنا ان هذه اللهجة العدائية مستمرة وهي حالة غير صحية لمن يحاول انشاء اقتصاد مستقر يواكب عجلة التطور العالمي.

لا نعتقد ان هذه الخطة حقيقية بقدر ما هي امنيات سعودية لأسباب تتعلق بتخلف النظام المؤسساتي في البلاد والذي يحتاج لسنوات طويلة ليتعافى من سبات البيروقراطية والبطالة المقنعة، فالعقد الاجتماعي في دول الخليج قائم على مساعدات ودعم من الحكومة للمواطنين ولا يمكن للاقتصاد ان ينهض من دون تعديل هذا الشكل من العلاقة بين المواطن والدولة لكن ذلك لا يحصل بسهولة فقد تكون هناك اعتراضات شعبية تستغلها بعض الدول المناوئة للسعودية. والنقطة الأبرز ان اقتصادا كهذا الذي تحدثت عنه السعودية لا يمكنه ان ينجح الا في ظل ظروف سياسية مستقرة وهو ما تفتقده السعودية مع استمرار حروبها المستعرة في الداخل والخارج.

الإصلاحات الاقتصادية السعودية تعكس تخوف القيادة الحالية من إمكانية نشوب ثورة شعبية بعد تدني أسعار النفط، فضلا عن مخاوفها من فقدان الدعم والحماية الخارجية نتيجة توتر العلاقات مع الحلفاء الأساسيين للسعودية. لكن التجارب الإصلاحية السابقة لدول عربية كتونس ومصر وسوريا قبل اندلاع ما يسمى بثورات "الربيع العربي" تظهر أن الإصلاحات الاقتصادية تصل إلى طريق مسدود إذا لم تواكبها إصلاحات سياسية تعزز دول القانون وسلطة البرلمان ودور الإعلام. فهل هناك استعداد لدى العائلة المالكة السعودية للقيام بإصلاحات سياسية مواكبة لعملية الاصلاح الاقتصادي؟.

اضف تعليق