q

العلاقات السعودية المصرية يشوبها نوع من الغموض والالتباس لدى الكثير من المتابعين لسياسة الدوليتن، فالكثير من التصريحات التي يدلي بها مسؤولي البلدين تؤكد بما يدع مجالا للشك اننا نقف امام تحالف استراتيجي عميق، كما ان الاتفاقات الاقتصادية والبذخ المالي السعودي يمنع اي فرضية للتشكيك بهذه العلاقة، الا ان المواقف الدولية الحاسمة وخاصة من قبل القاهرة تجاه مصالح الرياض تثير الكثير من علامات الاستفهام، وتضع كل التصريحات والاتفاقيات في ميزان النقد والمراجعة.

الزيارات المتبادلة بين الرياض والقاهرة والاتفاقات الاقتصادية المبرمة هي الراية الكبرى للمؤيدين لتعميق تلك العلاقات، ولا سيما في عهد القيادة السياسية الجديدة في البلدين. الرئيس عبد الفتاح السيسي من جهة مصر، والملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد من جهة السعودية، إذ يطمح الاخير الى تنم سدة الحكم ليس في بلاده فحسب بل العالم العربي والاسلامي وانشاء نموذج جديد يرسم به صورة مختلفة عن ماضي بلاده والمنطقة العربية باسره، في اطار سياسة بعثرة الاوراق واعادة ترتيبها كليا.

لكن مواقف القاهرة في المحافل الدولية تعكس واقعا مختلفا وعلاقات متباعدة عن الرياض، فقد امتنعت مصر منتصف الشهر الحالي عن التصويت على قرار يدين الحكومة السورية والجماعات المسلحة معا، لكونه "مسيساً" بحسب السكرتير الأول في البعثة المصرية في الأمم المتحدة محمد موسى، الذي قال إن القرار "يفتقد للتوازن".

الامتناع المصري عن التصويت جاء بعد ان صوتت أغلبية الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع قرار يدين انتهاكات "الحكومة السورية" بحق المدنيين السوريين منذ بداية الازمة في 2011، مع تحميل النظام مسؤولية العنف، ويطالب بإجراءات صارمة لضمان تدمير أسلحته الكيماوية. وأعدت مشروع القرار كل من أوكرانيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة واليابان، بعنوان "حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية"، ووافقت عليه 108 دول، وعارضته 17 دولة، وامتنعت 58 عن التصويت.

ومن المثير للسخرية ان القرار شهد توافقا سعوديا قطريا بادانة الحكومة السورية، ومعارضة سعودية، وهذا يكشف عن بوصلة الخلاف والتوافق بين هذه الدول، وقد استغل مندوب سوريا الدائم لدى الامم المتحدة هذا التوافق القطري السعودي للتنكيل بهما من جديد ووصفهما بانهما يختلفنا في كل شيء لكنهما يتفقنا على تدمير سوريا، واتهم البلدين بانفاق 137 مليار دولار لهذا الغرض.

هناك تساؤلات عدة تطرح حول الاسباب الحقيقية التي تدفع القاهرة لعدم تاييد الرياض في الوقت الذي تغرق بالديون الاقتصادية ويعيش سكانها الفقر والحرمان، كما انها تحتاج الى دعم سياسي كبير ازاء بعض القضايا المصيرية مثل سد النهضة الاثيوبي على نهر النيل ومن بين اهم تلك الاسباب:

اولا: لا تريد القيادة المصرية ان تظهر بصفة التابع للسعودية، بل ان هذا الاختلاف يراه بعض المحللين دلالة على وجود صراع حقيقي حول قيادة العالمين العربي والاسلامي بين البلدين، فكل منهما يرى احقيته في هذا المجال، وكل منهما لديها مقومات القيادة سواء بالجانب القومي بالنسبة لمصر او استغلال المكانة الدينية والقدرات الاقتصادية الهائلة بالنسبة للسعودية.

ثانيا: سوريا لا تمثل اولوية بالنسبة لمصر، واي اهتمام في هذا المجال ينصب في التخلص من الجماعات المسلحة التي تتبنى الحكومة السورية هذه القضية ما يعني عمليا تاييد اجراءاتها بشكل مباشر او غير مباشر، بينما تقف السعودية على العكس من ذلك وترى في الازمة السورية حربا وجودية في صراعها الابدي مع ايران وحلفائها.

ثالثا: الموقف من ايران هو المحرك الاساسي لكل علاقات السعودية وفي جميع انحاء العالم، واغلب تحالفاتها وازماتها ايضا قامت في هذا الاطار، وربما اصبحت "ايران" هي "الباروميتر" للسعودية في تقييم مواقف حلفائها. اما مصر فالمحرك الاساسي لعلاقاتها الخارجية هو مصالحها القومية والحفاظ على مكانتها الدولية كلاعب اساسي في المنطقة العربية.

رابعا: لدى كل من ايران والسعودية علاقات قوية مع اثيوبيا، التي تمثل حجر عثرة وعائقا كبير امام مصر، اذ ان انشاء سد النهضة قد يؤدي الى ازمة غذائية كبرى في مصر، لكن في المقابل وفي هذه المرحلة يبدو ان ايران اقل حاجة للدعم المصري واكثر قدرة على التاثير ضدها وبالتالي فان خطب ودها يجلب لها منفعة في المدى القريب.

بقدر ما تتميز به العلاقات المصرية السعودية من ازدهار فهي تحمل بين ثناياها اسباب الفشل، بدءا من توجهاتها ازاء الجماعات الاسلامية المتشددة والموقف من ايران، والصراع حول زعامة الدول العربية، وربما تكون اصلاحات محمد بن سلمان التي تقوم على استبعاد الدين من معادلة الحكم محفزا للنظام المصري، الا ان رغبته الجامحة في قيادة الدول العربية وطموحاته "ذات الطابع الديكتاتوري" تجعل النظام المصري يحاول ان استفزازه بين فترة واخرى ليبعث له رسائل مبطنة على ان مصر لا تزال هي الاولى حتى وان انهكها الفشل الاقتصادي.

اضف تعليق