q

يبدو ان دفء العلاقات العراقية السعودية، قد تتجمد الى اجل غير مسمى. سلسلة المغازلات والزيارات المتبادلة التي جاءت في فترة حرجة بالنسبة للسعودية ونشوة الانتصار العراقي الذي جعل منه رقما صعبا في معادلة التوازنات الاقليمية واعادة التموضع الدولي في الشرق الاوسط، قد تكون هي البداية والنهاية ايضا.

وسائل اعلام عربية نقلت عن مسؤولين عراقيين وأعضاء في البرلمان قالوا إن زيارة مفترضة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بغداد مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي قد تم تأجيلها إلى وقت غير معلوم، على خلفية تحفّظ حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي على اتخاذ موقف مؤيّد للرياض وحلفائها ازاء قضايا وازمات عربية. وتضاف إلى ذلك زيارة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري للدوحة، فضلاً عن موقف العراق الأخير من القصف الصاروخي الذي طال الرياض أخيراً وعدم إدانته، وتنظيم معارضين بحرينيين وسعوديين مؤتمراً ومعرضاً للصور في كربلاء، تحت حماية القوات العراقية، ورفع شعارات مناهضة للسعودية ولحرب اليمن في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق.

تاجيل الزيارة بحسب المسؤولين جاءت نتيجة السلوك السياسي العراقي الذي لا يروق للرياض، والتي تريد حليفا مطيعا لا شريكا قويا مستقل في قراراته، وهذه الصفات تنطبق على العراق بعد هزيمة داعش وعودة هيبة الجيش العراقي واستعادته لمعنوياته التي سحقت تحت رحمة المحاصصة والانهيار المؤسساتي في البلاد.

ومنذ الانفتاح الاول على العراق من خلال زيارة وزيرة الخارجية السعودي عادل الجبير، دخلت الاوساط العراقية في حالة من الانذار والترقب لخطوات الرياض القادمة، فالاجواء السياسية في العراق تاسست رغم انف السعودية وقامت على قواعد تخالف كل ما هو سعودي، يضاف الى ذلك ان الرياض نفسها معروف عنها انها لا تستمر في تحالفاتها الا اذا ما وجدت فيها مصلحة "تسويقيه اعلامية"، اكثر منها استراتيجية، وهذا الامر غير متوفر في العراق.

الاحداث اللاحقة والتي شهدت زيارة وزير الداخلية العراقي قاسم الاعرجي بعدها رئيس الوزراء حيدر العبادي وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، افضت الى فتح الاجواء لطائرات البلدين للتنقل رسميا، وانشاء مجلس التنسيق السعودي العراقي، وسط اجواء من الشحن السعودي ضد ايران متوعدة ايها بهزيمة نكراء في الشرق الاوسط.

هذا الحراك السياسي من جانب العراق كانت تدفعه رغبة في استعادة توازنه، حيث ارهقته الحرب ضد داعش والازمة المالية بسبب هبوط اسعار النفط، مما دعاه الى فتح ابوابه على الاخرين رغبة في الحصول على المزيد من الدعم السياسي والاقتصادي، رغم ان الحكومات العراقية المتلاحقة كانت تتودد للرياض دون ان تسمع غير الفتاوى التي تكفر الشيعة وتدعو لاستمرار القتل.

اما الحراك الذي قامت به الرياض وهو يمثل مفاجئة في تاريخ علاقاتها مع العراق، فكانت تدفعه الرغبة في الانتقام من ايران التي "غرزت" نفوذها بحيث يصعب اقتلاعه بجولة مفاوضات سياسية وزيارات متبادلة يتبعها مجلس تنسيقي من اجل التسويق الاعلامي، كما ان هذه النشاط السعودي المكثف ياتي ضمن استراتيجية كبرى اعلنتها الولايات المتحدة الامريكية الراعي الرسمي للمصالح الصعودية في المنطقة والعالم، وقد عبر الرئيس الامريكي عن هذه الاستراتيجية لمواجهة "نفوذ ايران" في الشرق الاوسط، وتقف الرياض كعامل اساسي فيه، يضاف لها تصريحات القيادات السعودية التي تشن هذه الايام حملة كبرى ضد ايران واخرها "اجبار" او "دفع" رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الى الاستقالة من منصبه بغية الضغط على حزب الله الحليف الاساسي لايران هناك.

العراق الذي بنى انفتاحه مع السعودية من اجل الحصول على دعم سياسي واقتصادي، ينظر بعين الشك والريبة الى التحركات السعودية الاخيرة، خاصة في لبنان، وما يجري من تقاذف بالكلمات والتصريحات النارية مع ايران، ومن المنطقي ان يراجع العراق حساباته، اذ لا يمكن للحكومة ولا القيادات السياسية العراقية ان تقبل باستخدام البلاد كـ"سيف" لمحاربة خصوم السعودية وامريكا.

من هنا يتوقع ان تمر العلاقات العراقية السعودية بحالة من الركود وربما التوتر، لان الرياض تعتبر نفسها قد اعطت للعراق الكثير وتنازلت له من اجل هذه اللحظة التي انسحب فيها الى الوراء تاركا اياها تحارب وحيدة ضد عدوها الذي حشد كل قواه منذ سنوات.

من مصلحة العراق الذي خرج لتوه من الحرب المدمرة ضد داعش ان يراجع كل خطواته السابقة تجاه السعودية، انه يحتاج لدعها السياسي في المرحلة المقبلة، وفي وضعها المتازم داخليا وخارجيا يبدو انها تحتاج لاستخدام العراق كورقة ضغط لا اكثر، فقراراتها لا يمكن توقعها، وهي مستعدة لحرق كل شيء من اجل اثبات تصريح لولي العهد او للرد على تغريدة ضد معارضيها، فهل هذا يخدم العراق؟ ام اننا بحاجة الى بناء شراكات مع حلفاء وفق المصالح الاستراتيجية للبلد.

اضف تعليق