q

تنطوي آخر صفحة من صفحات الانسان بموته، بيد أنّ سجل التاريخ يدوّن ويوثّق أسماء بعينها، لاسيما تلك التي كرّست حياتها لقضية وقُتلت في سبيلها.

لذلك احتفل العالم قبل أيام بيوم المرأة العالمي الذي اعتمدته أكثر الدول وتبنّته واختارت يومه المصادف الثامن من آذار، تخليدا لذكرى جريمة تاريخية وقعت لعشرات من النسوة في معمل للنسيج في الولايات المتحدة وقتلهم وأحرقهم صاحب المعمل لإضرابهم عن العمل!!.

لقد انتهت تلك الواقعة وغيرها الكثير من الحوادث التاريخية وقضى كل من المجرم والضحية نحبه، لكنها عاشت كرمز وقضية يحيي ذكراها الناس اليوم رفضا لكل اشكال اضطهاد المرأة في كل مكان وزمان.

وتزامنا مع هذه المناسبة يحيي الشيعة أيضا في هذه الايام، ذكرى استشهاد فاطمة بنت محمد (ص)، أول مظلومة في التاريخ ومن رحم مأساتها تمخضت كل الظلامات في العالم.

هل حقا ما فات مات؟

تتناقل الالسن عبارات من أمثال "عفا الله عما سلف" و"لمَ التصيد بالماء العكر؟" و"فلان اجتهد فأخطأ" و"اتقوا الفتنة" وغيرها الكثير من الكلمات التي أصبحت رائجة في هذه الايام وخصوصا في بعض الحوادث التاريخية كجريمة من هاجم بيت الزهراء؟؟ والتي تشير أصابع الاتهام الى رموز مبجّلة عند البعض.

لسنا في مقام اثبات تلك الجريمة المريرة فقد وثقتها الروايات وبطون التاريخ وذكرها أعلامهم بطرق وتبريرات مختلفة، وفاطمة(ع) بالنتيجة استشهدت بفعل فاعل -كما يقول أهل القانون- ومع سبق الاصرار والتعمد أي ليس خطأً ولا شبهة، وبناء على ذلك لم تعد الذقون مرتعا للضحك، وليس على كل مشكك في الامر سوى البحث والتقصي للتأكد والاطمئنان.

ومن هنا تأتي أهمية بل ضرورة فتح ملفات متناوبة ومتسلسلة تبدأ أولا بملف مصيبة الزهراء وتمر بفجائع كيوم الطف وتنتهي بجرائم يندى لها جبين الانسانية، يرتكبها اليوم أتباع اولئك و"القوم أبناء القوم"، وكل ذلك باسم الاسلام!!

لا خطوط حمراء توضع عند تناولنا لهذه القضية، فمن تجاوز الاحمر هم اولئك الذين تجاسروا على من قال عنها رسول الله (ص): ما رضيت حتى رضيت فاطمة. وويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليا! وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها.

قوم بلغت بهم الجرأة لأن يهاجموا ويضربوا ويحرقوا بيت كان رسول الله (ص) يطرق بابه ويستأذن الدخول لأن الله هو الذي أمره بذلك. لكل انسان الحق في ان يُعطى الضوء الاخضر (لون عمر الصدّيقة التي ماتت بعمر الزهور وكانت صحيحة لا تشكي من شيء) وأن يفضح ويبين الحقائق التي طمست طويلا.

سيدة نساء العالمين تلك التي تهتف في مديحها الالواح والزبر، تٌضرب ويسقط جنينها ويغصب إرثها لأنها لم تسكت ولم تقف مكتوفة الايدي وتوصي أخيرا بأن تدفن ليلا وأن يُخفى قبرها، وهي بذلك عبرت عن ظلم القوم لها وكانت تلك طريقة المقاطعة ومواصلة الجهاد بعد مماتها و"ما ضاع حق وراؤه مطالب" فهل اندرس اثرها؟!.

علمتنا فاطمة ان لا نصافح الظالم ولا نرفع الرايات البيض ونستسلم لمن يفرض علينا ويجبرنا على البيعة لغير المستحق وغير المختار من قبل الله عزو وجل.

وهي التي كانت متخلقة بأخلاق الله فعادتها "الاحسان الى المسيئين"، ولكن تلك الاساءات لم تعتبرها يوما لشخصها فما قيمة فدك المادية لمن يملك الولاية التكوينية والتشريعية وما حجم أوجاعها أمام تحديات الجوع والفقر والغربة التي عاشتها طويلا في سبيل رسالة ابيها، إلا انها لم تسكت وقتها وطالبت بحقها الذي هو حق كل مسلم في أخذ الشريعة من الخليفة الحقيقي.

لنشيع قبر الزهراء نهارا

إن قضية الزهراء لم تكن يوما قضية تاريخية وحسب بل انها ترتبط بعقيدة حيّة وعندما تتغير عقائد الأمة ستتغير مصائرهم كما هو معروف.

فهي تعيد ترتيب الأشخاص والمراتب وتشريعاتهم وسننهم، ويحضرنا موقف لـ "حسن البصري" حينما سمع بمقتل طاغية العراق في زمن الامويين "الحجاج بن يوسف الثقفي"، فقد سجد لله تعالى وقال: اللهم كما أمته فأمت عنا سنّته.

هذا لان ذلك الطاغية قد فُضحت جرائمه وذكره التاريخ -الى حد ما– أما أهل السقيفة فقد أٌخفى التاريخ الاصفر الكثير من جرائمهم ولذلك هم ماتوا ولم تمت سنّتهم!! فهي تتجسد بشريعة وطريقة الارهابيين في التعامل مع الناس وتسلطوا بالنار والحديد على رقاب العباد والبلاد.

وعلى الرغم من ذلك فمن واجب كل منصف ان يبين الحقائق، بالتأكيد مع حشد الادلة والبراهين على كل شيء فـ "نحن أبناء الدليل أينما مال نميل". واتباع مبدأ "من لسانك أدينك".

لنشرع الستار عن أول محطة خان القوم فيها وصايا الرسول الاكرم وسقطوا حينها في الامتحان بعد ان اعمى قلوبهم وبصرهم وبصيرتهم بريق السلطة، لنضمد جراحات الزهراء -التي ماتت وهي واجدة عليهما- لا ان نسكب الملح عليها.. "ومن لم يقرأ التاريخ محكوما عليه ان يعيشه مرة ثانية!!".

اضف تعليق