q

وجّه مسؤول من إحدى الدول المجاورة للعراق سؤالاً لمرجع ديني مفاده: "سيدنا.. برأيكم كيف نرتفع بمستوى إيمان شعبنا (...) بالأئمة عليهم السلام إلى درجة إيمان العراقيين وهم يبذلون كل ما يملكون لإنجاح الزيارات المليونية؟"، وقد أجاب المرجع على سؤاله وسط دهشة الحاضرين من العراقيين!.

لسنا هنا بصدد بيان إجابة المرجع على سؤال المسؤول الذي حل ضيفاً على العراق في وقت كان يحج فيه الملايين من العراقيين إلى مدينة كربلاء لأداء مراسيم زيارة أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام، بقدر ما أذهلني سؤاله الذي أيقظ داخلي الشعور الكامن بالفخر أمام الغرباء من البلاد الأخرى، فلم نكن بعد قد عشنا تجربة النصر على داعش لكي أشعر أمامهم بزهو هذا الانتصار.

لكنني في الوقت ذاته تساءلت في نفسي، ماذا يعني الاعتقاد بالأئمة عليهم السلام بالنسبة لهذا المسؤول، سيما وأنه من بلد تشهد لها دول العالم والإقليم بالتقدم والتحضر، وكانت بلاده قد قطعت أشواطاً كبيرة في مجال الصناعة وتطوير برنامجها النووي.. ما شأن سؤاله وبناء الدولة؟!!

بعد عام واحد تقريباً، من هذا اللقاء السؤال العريض من ضيفنا الغريب، استحوذ تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل، وأصبح العراق قاب قوسين أو أدنى من سقوط مروع، لولا فتوى المرجعية الدينية بضرورة التصدي لهذا الخطر القادم، وسرعان ما فزع مئات الآلاف من الشباب والشيوخ لتلبية هذا النداء، وصاروا يحاكون بتضحياتهم المتواصلة أنصار الإمام الحسين، عليه السلام، في صور فريدة يصعب تكرارها في مكان آخر غير العراق، عندها عرفت قيمة ذلك السؤال!

أما اليوم وبعد أن أقترب العراق من تطهير مدنه بشكل كامل ببركة هذا الولاء والإيمان الراسخ لديهم بالدفاع عن "المقدس"، اتضح جلياً أن إيمان وذوبان العراقيين في أئمتهم له سحر عظيم، وأنهم يستطيعون بفضل هذا الإيمان أن يصنعوا المعجزات.

وأن هذه الممارسات الروحية "المليونية" التي يعتبرها البعض شكلية، لها الدور الكبير في إيقاظ الوعي لدى كل فرد، فالمسير نحو الحسين لزيارته في مناسبات مختلفة على مدار العام، يعطي الكثير من جرعات الشحن والتهيئة لاستقبال خطابات التوجيه والتعبئة.

وستكون أكثر تأثيراً عندما تجتمع مناسبة مولد الإمام المهدي (عج) مخلّص الأمم من الظلم والجور بقصد مئات الآلاف من "الشباب" لزيارة مرقد الإمام الحسين، عليه السلام، الثائر والملهم للثورة.

هذه الثلاثية: "الشباب.. والاحتفاء بمولد الإمام المهدي في كربلاء حيث قبلة الثائرين، في بلد أحوج ما يكون إلى المخلّص.."، ستصور لنا مشهداً وافر العبر والمعاني ومحفزات الحركة نحو العمل والاجتهاد، فالمناسبة تقتضي استذكار واجبات الشيعة تجاه هذا المولود الاستثنائي بكل ما فيه من الولادة مروراً بغيبته ووصولاً إلى ظهوره المرتقب، وفي هذا الاستذكار مخزون معرفي سيحرك كل شيء هامد.

أن تكون مع الإمام المهدي بمناسبة مولده يعني أن تكون مستعداً أكمل الاستعداد للالتحاق بركبه والتفاني لخدمة قضيته الإنسانية العالمية، أما أن نجدد العهد معه في مدينة كربلاء المقدسة حيث مرقد جده الحسين، فهذا يحتم علينا جميعاً أن نعيش حالة من الاتزان والإفراط بإظهار آيات الاحترام والتعظيم معاً.

إلى جانب ذلك، فإن الإيمان بفكرة "المخلّص" العالمية، والتي يحتاج إليها العراقيون أيما احتياج عن غيرهم، قادرة على صنع المستحيل وكسر أي قيود أمام شباب العراق، وفرص التمسك بها وتحوليها إلى برامج عملية متحركة متوفرة بشكل أكبر من أي مكان آخر في العالم، ولو أن لدى أي شعب آخر في أي مكان من العالم ما لديه من فرص التكامل والتحفيز على التطوير والبناء التي تتجلى في هذه الرمزية المقدسة؛ لما توانى عن استثمارها حتى آخر نفس.

ما يحتاجه شباب العراق الذين تقع على عاتقهم مسؤولية البناء، في ذكريات النصف من شعبان، هو الترقب الواعي لظهور الإمام المهدي المخلّص، والاستعداد المسؤول لما قبل المواجهة الحاسمة بذلك الظهور المرتقب، سيما وأن الجميع يتفقون على إن الإمام المهدي بحاجة إلى قاعدة جماهيرية تمهد له الطريق.

حتماً إن هذا الاعتقاد يفرض على الجميع العمل والاجتهاد المتواصل لكي تكون هذه القاعدة واعية وقادرة على مواجهة التحديات الصعبة التي ستواجه هذه الحركة الفاتحة، وإن اقتصار القضية على دور الإحياء فقط والابتهاج المبالغ به لن يصب في مصلحتها.

أخيراً.. إن علم شباب العراق بتفاصيل القضية المهدوية كفيل بفرض وعي ريادة البناء وتطوير البلاد، لأن فكرة انتظار المهدي لا ترض لنا بكل هذا التراجع المخيف.. أن تكون مهدوياً يعني أن تكون قارئاً نهماً، وشخصيةً واعيةً لما يدور من حولها، وطالباً مجتهداً للعلم، ومجاهداً مخلصاً في كافة ميادين المواجهة.. أن تكون مهدوياً يعني أن تعيش هم بناء وطنك والعمل على تطويره.

اضف تعليق